ما هي الحوسبة الكمية؟

A D-Wave 2X quantum computer is pictured during a media tour of the Quantum Artificial Intelligence Laboratory (QuAIL) at NASA Ames Research Center in Mountain View, California, December 8, 2015. Housed inside the NASA Advanced Supercomputing (NAS) facility, the 1,097-qubit system is the largest quantum annealer in the world and a joint collaboration between NASA, Google, and the Universities Space Research Association (USRA). REUTERS/Stephen Lam
حاسوب كمي معروض في أحد المراكز التابعة لوكالة الفضاء الأميركية (ناسا) (رويترز)
يتفق الخبراء على أن الثورة القادمة في مجال المعلوماتية ستقودها الحوسبة الكمية بفضل ما ستوفره من قدرة هائلة على معالجة المعلومات وإنجاز مهام تعجز أقوى الحواسيب التقليدية عن القيام بها، فما هي الحوسبة الكمية، وما هي تطبيقاتها، وما أهم العوائق التي تقف أمام تطويرها؟

إنها ببساطة طريقة جديدة في تصميم المعالجات الدقيقة بالاعتماد على قوانين الفيزياء الكمية، ولفهم القفزة التي ستتحقق بتطوير الحواسيب الكمية يتعين إلقاء نظرة على كيفية عمل الحاسوب التقليدي.

ويعتمد هذا الأخير على نظام ثنائي يتخذ إحدى القيمتين إما "صفر" أو "واحد" وتعرف كل قيمة بـ"البت"، ويعتمد هذا النظام نفس القاعدة المنطقية التي نحدد بها حالة مصباح إضاءة مثلا، فهو إما يضيء (واحد) أو لا يضيء (صفر) ولا توجد حالة ثالثة يمكن أن يكون عليها المصباح.

وباستخدام المنطق الثنائي يقوم الحاسوب العادي بتخزين ومعالجة المعلومات، ومع ازدياد الحاجة إلى قدرات أكبر لتخزين المعلومات ومعالجتها أظهرت الحواسيب التقليدية -بما في ذلك العملاقة- محدودية إمكاناتها عندما يتعلق الأمر بمسائل معقدة تتطلب معالجة معلومات ضخمة ومعقدة.

الحوسبة الكمية ستوفر قدرة هائلة على معالجة المعلومات وإنجاز مهام تعجز عنها أقوى الحواسيب التقليدية(رويترز)
الحوسبة الكمية ستوفر قدرة هائلة على معالجة المعلومات وإنجاز مهام تعجز عنها أقوى الحواسيب التقليدية(رويترز)

التراكب الكمي
لذلك تم التفكير منذ ثمانينيات القرن الماضي بتطوير حواسيب تستخدم منطقا مختلفا لا يخضع لقوانين الفيزيائية الكلاسيكية بل لقوانين الفيزياء الكمية التي تنطبق على الأجسام متناهية الصغر (النانوية).

وحسب هذه القوانين، فإن خانة تخزين المعلومات يمكنها أن تتخذ ثلاث قيم وهي (صفر) أو (واحد) أو كلاهما في نفس الوقت وتسمى البت الكمي أو "الكيوبت"، أي أن المصباح -لو كان متناهي الصغر وتنطبق عليه قوانين الفيزياء الكمية- فسيكون إما مضيئا أو غير مضيء أو في كلتا الحالتين في نفس الوقت.

وهذه الحالة الثالثة تسمى التراكب الكمي، وهي إحدى خصائص الفيزياء الكمية التي مثلها العالم شرودنغر بتجربة القط وأثبت فيها أن القط "الكمي" يمكن أن يكون فيها حيا وميتا في نفس الوقت.

هذا التصرف الغريب للمادة عندما تكون متناهية الصغر هو الذي سيعطي الحوسبة الكمية في المستقبل قدرتها الخارقة على تنفيذ العمليات الحسابية ومعالجة المعلومات الضخمة مقارنة بالحواسيب التقليدية.

وعلى سبيل المثال، سيكون بإمكان الحواسيب الكمية فك أي منظومة تشفير مستعملة حاليا لحماية المعلومات في لحظات، في حين قد تستغرق أقوى الحواسيب العملاقة الموجودة اليوم سنوات لفكها.

مجالات الاستخدام
ستوجه تطبيقات الحوسبة الكمية -بحسب الخبراء- على سبيل المثال نحو إيجاد حلول لمعادلات معقدة تمكن من تصنيع مواد فائقة الموصلية عند درجة الحرارة العادية، وهو ما سيتيح تطوير تقنيات جديدة كالقطارات المغناطيسية فائقة السرعة ونقل الكهرباء إلى مسافات بعيدة دون هدر.

كما ستمكن الحوسبة الكمية من تصميم شبكات ذكية لتبادل المعلومات عالية الكفاءة باستخدام إحدى خاصيات الفيزياء الكمية وهي التشابك الكمي.

وتتمثل هذه الخاصية الغريبة في "ربط" جسمين كميا بما يمكن من التعرف على حالة أحدهما بملاحظة الآخر حتى وإن كان على مسافة بعيدة، وهو ما يعني أن المعلومات لن يتم نقلها كما هو الحال في شبكة الإنترنت اليوم، مما يعرضها إلى احتمال قرصنتها، بل سيتم تبادلها آنيا بفضل هذه التقنية التي تعرف كذلك بالنقل الآني عن بعد للمعطيات.

وبصفة عامة، ستمثل الحوسبة الكمية أداة فعالة لتحقيق قفزات علمية وتكنولوجية مهمة بفتحها آفاقا واسعة لمعالجة البيانات الضخمة وفهم الظواهر طبيعية وإنجاز المهام المعقدة من خلال إنجاز الحسابات بالغة التعقيد أو المستحيلة في زمن قياسي مقارنة بأقوى الحواسيب العملاقة الموجودة اليوم.

وستكون الحوسبة الكمية الأداة الرئيسية في المستقبل لمحاكاة الظواهر الطبيعية وتوقع حالة الطقس والاضطرابات الجوية بدقة عالية وفهم التفاعلات الكيميائية والجزيئية، مما يمكن من تطوير أدوية جديدة وفعالة وتحليل الحمض النووي والكشف المبكر عن السرطان.

التطور الحاصل
لم تعد اليوم الحوسبة الكمية مجالا نظريا محضا بعد تمكن بعض شركات التكنولوجيا العملاقة مثل غوغل و"أي بي أم" وآبل وإنتل من تحقيق خطوات عملية مهمة في هذا المجال، فقد نجحت غوغل في مارس/آذار الماضي في تصنيع معالج كمي أطلقت عليه اسم برايستلكون بقدرة 50 كيوبيتا، وهي القدرة التي تحقق ما يسمى التفوق الكمي على قدرة الحواسيب التقليدية.

كما نجحت شركة إنتل في تصنيع معالجها "تانجل ليك" في بداية السنة الحالية بنفس القدرة تقريبا، وكانت "آي بي أم" بدورها قد أعلنت في سبتمبر/أيلول الماضي عن توصلها إلى تصنيع معالج يحقق التفوق الكمي.

ولا يقتصر هذا السباق على شركات التكنولوجيا بل يتعداه إلى سباق أهم بين الدول على غرار الولايات المتحدة والصين، وقد حققت هذه الأخيرة خطوات مهمة في تجربة شبكات الاتصالات الكمية بعد نجاح علماء صينيين في إجراء تجربة التشابك الكمي العام الماضي بإرسال شعاع ليزر من قمر صناعي في اتجاه موقعين مختلفين بعد "تشبيك" فوتونين كميا.

وبتغيير استقطاب أحدهما أثبت العلماء أن توأمه الموجود على مسافة 1200 كيلومتر قد تغير استقطابه بنفس الكيفية، مما يشير إلى نجاح أهم تجربة لنقل المعلومات عبر الشبكة الكمية.

وفي نفس السياق، أجرى باحثون صينيون ونمساويون في وقت لاحق من العام أول مكالمة مرئية باستخدام شبكة اتصالات كمية وصفت بأنها غير قابلة للاختراق.

لماذا تأخرت؟
لكن الطريق أمام الحوسبة الكمية لا يخلو من المصاعب التي أخرت وستؤخر اليوم الذي سنرى فيه الحاسوب الكمي في الأسواق، وهذه العوائق هي عوائق تقنية بالأساس، أولها توفير محيط مستقر وملائم للحاسوب الكمي تقترب درجة حرارته من الصفر المطلق (حوالي 273 درجة مئوية تحت الصفر).

أما العقبة الرئيسية الثانية فهي المحافظة على الاستقرار الكمي للحاسوب، فكلما زادت سعته (عدد الكيوبتات) انخفض استقراره، لذلك فإن جزءا من قدرته على المعالجة سيوجه أولا لمراقبة استقرار الحاسوب، أما باقي الكيوبتات فستوجه لإجراء العمليات الحسابية وتسمى الكيوبتات المنطقية.

كل هذه العقبات تجعل الكثير من المختصين في هذا المجال لا يتوقعون الوصول إلى تصنيع حاسوب كمي وعرضه في الأسواق قبل عقد أو عقد ونصف من الآن.

في المقابل، يرى آخرون أن الأمر قد لا يستغرق سنوات قليلة قبل أن نرى هذه الحواسيب في الأسواق، وفي كلتا الحالتين هناك تخوف كبير من استخدام الحوسبة الكمية لانتهاك خصوصية مستخدمي شبكات المعلومات التقليدية، ولا سيما في الفترة الانتقالية عند استخدام التقنيتين التقليدية والكمية في نفس الوقت والتي قد تدوم طويلا، فإجراءات السلامة المعمول بها حاليا -بما في ذلك تقنيات التشفير- لن تكون لها أي جدوى أمام حاسوب كمي.

المصدر : الجزيرة