الذكاء الاصطناعي يكلم الموتى

Mourners attend the funeral of Alejandro Pagnucco, one of the five Argentine citizens who were killed in the truck attack in New York on October 31, at the Cemetery Mercy in Rosario, Argentina November 7, 2017. REUTERS/Martin Acosta
طقوس الجنائز أصبحت شخصية أكثر فأكثر (رويترز)

كل الآلات القادرة على التخفيف من لوعة فراق الأحبة "ستجد دوما مشتريا لها، حتى وإن كان ذلك عبر إحياء موتانا بشكل مصطنع"، حسب تقرير لصحيفة ليزيكو الفرنسية.

الكاتبة بالصحيفة ليلى مارشاه اختارت لتقريرها عنوان: "الذكاء الاصطناعي بدأ يكلم الموتى"، معلقة على الجهود التي تبذلها أكثر من جهة لجعل من يموتون ماديا يبقى تفاعلهم مع ذويهم وأصدقائهم حيًّا.

ففقدان عزيز يضع المرء أمام فراغ جذري دائم لا سبيل لملئه، بل إن عالم الاجتماع الفرنسي باتريك بودري قال إن الإنسان بطبعه ميال لنكران كون شخص ما قد تركنا بغير رجعة.

وللالتفاف على هذه الحقيقة المرة، قام أميركي وروسية مؤخرا ببرمجة "تشاتبوتس" مستخدمين حوارات قديمة كانا قد أجرياها مع من كانا يعنيان الكثير بالنسبة لهما.

فبعد أن توفي جون جيمس فلاهوس إثر صراع مع السرطان في فبراير/شباط 2017، لا يزال ابنه جيمس يتحدث معه عبر تطبيق ذكاء اصطناعي من تصميمه أدمجه في "فيسبوك مسنجر"، وأطلق عليه اسم "دادبوت" (الأب الاصطناعي).

واستفاد هذا الصحفي الأميركي من الأشهر الأخيرة من حياة والده لتسجيل محادثاته، بدءا بتعبيره عن شغفه بكرة القدم الأميركية، ووصولا إلى أصول عائلته اليونانية، وأمور أخرى كقصة كلبه الأول، كما تضمن ذلك بعض ذكريات جون جيمس فلاهوس، مثل روح الدعابة لديه، وطريقته المستفزة في السؤال عن الأحوال… إلخ، كل ذلك لا يزال حيًّا بشكل اصطناعي في "دادبوت"، ويمكن لجيمس الآن الاتصال به في أي لحظة، مثل أي اتصال بفيسبوك. 

ووردت الفكرة نفسها على المقاولة الروسية المقيمة في سان فرانسيسكو أنجينا كويودا، وذلك بعدما فقدت أعز أصدقائها بشكل مفاجئ في حادث سيارة، فقررت أن تجعله "خالدا" عبر تطبيق ذكاء اصطناعي أطلقت عليه اسم "ربليكا" (Replika)، وغذت كويودا هذا الروبوت "التحادثي"، الذي بدأت تطويره عام 2016، بآلاف الرسائل التي كانت قد تبادلتها مع صديقها عبر الإنترنت.

وعلق على هذه الظاهرة المتنامية بودري، وهو صاحب كتاب "مكانة الموتى.. الرهانات والطقوس" (هارمات 2006)، قائلا "مع التكنولوجيا نتصرف كما لو كان الشخص لا يزال ماثلا بيننا، وهذا هو الاتجاه المنطقي لثقافتنا المعاصرة في علاقتها بالموت والموتى".

وأضاف الكاتب أن العادات الاجتماعية كانت تفرض علينا الدخول في الحداد عند موت عزيز، غير أن المجتمع المعاصر ترك لكل شخص الحرية في اختيار الطريقة التي تناسبه للتعامل مع فقد الأحباب، بل إن هذا المجتمع -حسب باتريك بودري- قرّب أكثر فأكثر الحي من الميت، وذهب بودري أبعد من ذلك حين توقع أن تبدأ مؤسسات تجهيز الجنائز باقتراح صور مجسمة للموتى.

حالة مرضية
وحذر الخبير النفساني فرا فخري من صناعة "ديدبوت"؛ إذ إنه "بعد فترة صدمة المصيبة، يأتي البحث عن المتوفى، فنتخيل مقابلته في الشارع، ونعيد قراءة رسائله… وهذه المرحلة طبيعية في السنة الأولى، لكن إذا استمرت فإنها تصبح مرضية"، على حد تعبير فخري.

ولتوريث "جد اصطناعي" (دادي بوت) لأحفاده، سجل جيمس تسعين ألف كلمة تلفظ بها والده، ثم صنفها حسب الموضوع من أجل "الرد" على بعض الأسئلة القياسية، مثل "يا أبي، هل أنت هناك؟ أو "احك لي قصة عائلتك".

غير أن الباحث في مجال الذكاء الاصطناعي جان غابرييل جاناسكيا يحذر من أننا إذا استطعنا الاحتفاظ بتعبيرات شخص ميت ومفرداته سيظل من  الصعب علينا تصور رؤيته للعالم".

ويعلق أستاذ الفلسفة بجامعة السوربون جان ميشل بيسنيي على هذه الظاهرة الجديدة قائلا هذا "الاستعداد للتحدث في الفراغ" هو صورة مذهلة عن الشعور بالوحدة والاكتئاب الذي تولد لدى مجتمعاتنا التي تحكمت فيها التكنولوجيا.

المصدر : الصحافة الفرنسية