التنمر والتصيد والإرهاب.. هل تحولت الإنترنت لأداة تهديد؟

People use computers in an internet cafe in Beijing, China, 27 January 2015. China internet officials on 27 January 2015 defended its efforts to block virtual private networks (VPN), which are used to get around the country's strict internet controls. VPNs encrypt and reroute internet traffic past the national firewall to access more than 2,700 blocked websites including Gmail, Facebook and Youtube, websites of several human rights organizations, as well as some media
مرت تهديدات الإنترنت بخمس مراحل لم تحسم الإجراءات المتخذة ضدها أي منها حتى الآن (وكالة الأنباء الأوروبية)

عبد الله آدم

تطورات البيئة الرقمية السريعة جعلت الكثير من الناس قلقين من الجوانب السلبية والتدميرية لهذه البيئة، ويجب عليهم أن يقلقوا. في الأشهر القليلة الماضية، شهد الأميركيون اضطرابات اجتماعية هائلة بسبب حذف حسابات أليكس جونز صاحب نظرية المؤامرة من المنصات الرقمية والكشف عن التهم الجنائية للتدخل الروسي في الانتخابات النصفية المقبلة، والتطورات المستمرة الأخرى في عمليات التضليل، مثل حملة الكرملين الرقمية الجديدة لتحويل الرأي العام الأميركي ضد اتخاذ إجراء عسكري يوجه لنظام بشار الأسد في سوريا.

لكن هذه الحوادث الأخيرة ليست سوى جزء من اتجاه أكبر بكثير في عصرنا الرقمي الجديد، حيث أصبح من السهل جدا على الجهات الرديئة الناشطة نشر المحتوى الضار لأبعد مستوى وبسرعة وبنقرة زر واحدة فقط.

شهد عصر الإنترنت أربع موجات رئيسية من التهديدات الرقمية، لم يتم حسم أي من هذه التحديات بشكل كامل، وما زالت أحدث هذه التهديدات تشكل تحديا خطيرا، ليس فقط على نزاهة الحوار عبر الإنترنت ولكن على الأمن والديمقراطية.

undefined

الموجة الأولى
كانت الموجة الأولى هي استغلال الأطفال، وهو ما كان يكشف عن مدى الظلام الذي يخيم على العديد من زوايا الإنترنت. وحتى مع السرعة البطيئة للشبكة العنكبوتية في عصر أجهزة المودم القديمة، فإن مستخدمي الإنترنت استغلوا ذلك للحصول على المواد الإباحية للأطفال ومشاركتها، وهي مشكلة خطيرة، علاوة على ذلك، فهي جريمة.

في عام 2009، حققت الحملة الرامية إلى وقف انتشار المواد الإباحية للأطفال طفرة كبيرة عبر برنامج PhotoDNA الذي طورته شركتا مايكروسوفت ودارتموث من خلال إنشاء قاعدة بيانات للتوقيعات الرقمية لمساعدة الشركات على إزالة الصور الاستغلالية المحددة مسبقا من منصاتها ومنع تحميلها.

الموجة الثانية
تمثلت الموجة الثانية في التنمر، الذي ساعد في ازدهاره سرعة الاتصال وإمكانية إخفاء الهوية، وهو ما يمكّن هؤلاء المتنمرين من قول ما يرغبون في قوله على الإنترنت أكثر مما يمكنهم قوله وجها لوجه وهو ما أنتج موجات وحشية من النقد اللاذع.

فالانعزاليون بالمدارس الثانوية يميلون للتنمر وكارهو النساء يميلون للتحرش في حين يستهدف العنصريون الأقليات.

والأسوأ من ذلك، انتقل التنمر من الخساسة ليكون مميتا حيث قادت هذه التشنجات من الكراهية بعض الضحايا للانتحار. مرة أخرى، استجابت شركات التكنولوجيا بمحاولة "تنظيف" برامجها من خلال شكاوى المستخدمين وردود التقييم، وكان ذلك إيجابيا رغم أن التنمر لا يزال يزعج المستخدمين العاديين وكذلك نجوم هوليوود مثل ليزلي جونز، الذين اختاروا ترك تويتر بدلا من الاستمرار في تحمل سيل من كره النساء والعنصرية.

الموجة الثالثة
هذه الموجة هي تجنيد الإرهابيين والتطرف. في الوقت الذي كان فيه فرع تنظيم القاعدة باليمن وحركة الشباب التي تتخذ من الصومال مقرا لها قد جربوا نشر المجلات ومقاطع الفيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كان تنظيم الدولة الإسلامية هو الذي نقل هذا النشاط إلى مستويات متقدمة.

عندما اجتاح تنظيم الدولة الإسلامية سوريا والعراق، أغرق حملات الهاشتاغ وصفحات الفيسبوك وقنوات يوتيوب علي نطاق العالم بأشرطة فيديو مصورة بجودة عالية عن قطع الرؤوس بالإضافة إلى دعوات التجنيد التي أسفرت عن انضمام عشرات الآلاف من المقاتلين الأجانب مما ضاعف عدد أفراد التنظيم.

بعد مناشدات كثيفة ومباشرة من الحكومات بأنحاء العالم التي عانت من عنف تنظيم الدولة، عجّلت شركات التكنولوجيا جهودها لحرمان التنظيم من الحصول على ملاذ آمن افتراضي على منصاتها بإنشاء قاعدة بيانات للمحتوى الإرهابي تشبه إلى حد ما قاعدة بيانات المواد الإباحية المتعلقة بالأطفال.

‪عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية يستعرضون قوتهم في مدينة الرقة شمال سوريا‬ (أسوشيتد برس-أرشيف)
‪عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية يستعرضون قوتهم في مدينة الرقة شمال سوريا‬ (أسوشيتد برس-أرشيف)

لقد كانت خطوة في الاتجاه الصحيح، ولكن، هنا أيضا لا تزال المشكلة بعيدة عن الحل بسبب تداخل هذه المحتويات وصعوبة تتبعها بالدقة المطلوبة نتيجة اختلاف اللغات وتباين المفاهيم.

الموجة الرابعة
تمثلت الموجة الرابعة في التصيد حيث إن الخطاب الذي يحض على الكراهية عبر الإنترنت أصبح له جذور الآن على منصات التواصل الاجتماعي الرائدة إلى درجة كبيرة غالبا ما تحدث ضجة عارمة لمجرد حذف أحد الحسابات العنصرية أو غيرها من المحتويات البغيضة الشريرة، رغم سياسات شركات التكنولوجيا التي لا لبس فيها، وإن لم تكن مقنعة في مناهضة الكراهية.

وفي الآونة الأخيرة تمثل التصيد في التدخل بالعملية الانتخابية عن طريق التضليل. لم تبدأ حملة الكرملين التي تدعمها وسائل التواصل الاجتماعي لتقويض الديمقراطية بانتخابات أميركا الرئاسية لعام 2016 على سبيل المثال، فقد تدخلت موسكو في استفتاء المملكة المتحدة للخروج من الاتحاد الأوروبي في وقت سابق.

درجة وجرأة جهود موسكو للتأثير في الانتخابات الأميركية لصالح ترامب والإمكانيات المتميزة التي جعلت النشاط الروسي يصنع الفارق أمام الجمهور العالمي هي ذروة الموجة الرابعة من تحديات سياسة المحتوى. ومع تزايد الأدلة على دور وسائل التواصل الاجتماعي في حملة التأثير الأجنبي هذه، تحركت شركات التكنولوجيا تدريجيا من الإنكار حتى وصلت في الآونة الأخيرة إلى الاعتراف بخطورة الوضع.

على سبيل المثال، بدأ فيسبوك في وقف نشاط ما تسمى "الحسابات غير الحقيقة" التي تسعى إلى استقطاب الناخبين. لكن هذا المجال لا يزال يتطلب الكثير من العمل.

إذن، ماذا سنرى بعد ذلك في عالم التواصل الاجتماعي؟ حتى الآن شهدنا أربع موجات رئيسية من المحتوى المهين الذي تتبع الاتجاهات المظلمة للإنسانية تمثلت في محتوى الجنس والكراهية، والعنف وخداع الناخبين.

الموجة الخامسة
قد تكون الموجة الخامسة سريعة جدا، وقد تثبت أنها أكثر الأمور الشائكة. ونحن نمضي قدما، نخشى أن يظهر اتجاه جديد من "استغلال السمعة"، الذي يغذي الميل البشري إلى تعظيم المصلحة الذاتية مع عدم الالتفات إلى بقية المجتمع، أي عن طريق الازدراء الكاذب للآخرين للمصلحة الشخصية.

من شأن استغلال السمعة أن ينشر أشكالا مختلفة من المحتوى ويقوي الحملات التي تقف وراءه في محاولة لتدمير سمعة المنافس، حتى ولو بشكل مؤقت. هذا يمكن أن يتخذ شكلا تجاريا. تخيل حالة يرغب فيها مستثمر في نشر معلومات سلبية عن شركة معينة حتى يتمكن بشكل مصطنع من خلق واقتناص فرصة قادمة لتخفيض أسهمها. أو تخيل شركة تريد تحريك الرأي العام ضد أحد منافسيها، حتى تتمكن من جذب بعض الإيرادات المحتملة.

هذه الموجة لا يمكن فقط أن تتسبب في اضطراب الأسواق المالية ولكن يمكن أن تقلب السياسة الخارجية. تخيل المواقف التي تسعى فيها دولة أو أكثر إلى تحطيم سمعة منافس إقليمي. لقد رأينا هذا النوع من النشاط العام الماضي، عندما بدأت الحملة المفاجئة لحصار قطر من قبل جيرانها عندما اقتحم أحد المتسللين موقع وكالة الأنباء الرسمية (قنا) ونشر بيانا مزيفا منسوبا إلى أمير قطر يدعي موالاة إيران وانتقاد الولايات المتحدة.

‪قرصنة وكالة الأنباء القطرية كانت بهدف الإضرار بسمعة قطر‬ (الجزيرة-أرشيف)
‪قرصنة وكالة الأنباء القطرية كانت بهدف الإضرار بسمعة قطر‬ (الجزيرة-أرشيف)

يمكن أن تتخذ أنواع استغلال السمعة أشكالا أخرى أيضا. في الوقت الحالي، جميعنا نثق بشكل عام بتوقعات الطقس من مصادر موثوقة، خاصة الحكومية منها. ولكن تخيل ما يمكن أن يحدثه التلاعب بهذه السمعة عبر نشر تعليقات كاذبة في وسائل التواصل الاجتماعي من إرباك وفوضى.

وتزداد الخطورة في هذه المرحلة بسبب استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد لإنشاء الإعلانات والمحتويات بما يجعل الآلات أرخص من البشر في الإدارة، وبالتالي من شأن التلاعب في ذلك أن ينجم عنه اختلالات خطيرة.

بشكل عام، فإن إتقان الذكاء الاصطناعي وتكامله في جميع أنحاء قطاع التكنولوجيا لن يفيد فقط اللاعبين الأقوياء الذين يتطلعون لمواجهة المحتوى الخبيث، ولكن أيضا تمكين الكيانات الأصغر حجما، بما في ذلك الجهات الفاعلة الشريرة وغير الشرعية من القيام بنشاطات مدمرة.

لحسن الحظ، رغم أن تحديات المحتوى الرقمي معقدة، فإن هناك وقتا حتى الآن للمضي قدما لمواجهة الموجة الخامسة والموجات التي ستتبعها بعد ذلك. يمكن للحكومات والجهات الأخرى التعاون من أجل إرساء قواعد منطقية على طريق الشفافية والخصوصية والمنافسة المطبقة على شركات الإنترنت الرائدة لحماية العالم.

‪أميركا تبدأ العمل بقانون إلغاء حياد الإنترنت‬ (الجزيرة)
‪أميركا تبدأ العمل بقانون إلغاء حياد الإنترنت‬ (الجزيرة)

يجب على قطاعات التكنولوجيا الآن وضع أنظمة "الإنذار المبكر" التي يمكنها الكشف عن نوع النشاط الشاذ الذي نتوقعه في هذه الموجة القادمة حتى يتسنى لها تحليلها بسرعة للتأكد من صحتها، وإذا ثبت أنها مضللة، يتم إيقافها عبر عمليات الإزالة وتعليق الحساب قبل حدوث الضرر.

وبالمثل، يجب على الحكومات التأكد من أنها تراقب وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الأخرى على شبكة الإنترنت لرصد هذه الأنواع من الأنشطة. وبهذه الطريقة فقط يمكن للحكومة أن تحرس المصلحة العامة بفعالية من خلال تسهيل التحليل والاستجابة السريعة، عند الضرورة، من خلال الرسائل الحكومية الرسمية التي تعمل بمثابة تصحيحات للتعريف بالمعلومات على الإنترنت.

وكذلك يجب أن تبدأ قطاعات التكنولوجيا في وضع منهجية شاملة لضمان ألا تصبح الإنترنت مكانا تشتعل فيه الأنشطة الشائنة، بما في ذلك عمليات التضليل في مجال الانتخابات وغيرها. 

المصدر : الصحافة الأميركية