آثار انسحاب أميركا من اتفاق باريس للمناخ

People hold banners as they protest next to the Brandenburg Gate, beside the U.S. embassy, against the U.S. withdrawal from the Paris climate change deal, in Berlin, Germany, June 2, 2017. REUTERS/Fabrizio Bensch
احتجاجات أمام السفارة الأميركية في برلين على انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ (رويترز)

*الصغير الغربي

أعلن الرئيس الأميركي يوم الخميس الأول من يونيو/حزيران الماضي عن انسحاب بلاده من اتفاق باريس حول المناخ المعروف باسم "كوب 21" الذي وُقع في ديسمبر/كانون الأول 2015. فما تأثيرات انسحاب الولايات المتحدة، ثاني أكثر دول العالم تسببا في انبعاثات الغازات المتسببة في الاحتباس الحراري العالمي، على مستقبل هذا الاتفاق التاريخي؟
 
قبل الإجابة على هذا السؤال سيكون من المفيد التذكير بأن اتفاق باريس حول المناخ أول اتفاق عالمي حول التغيرات المناخية تمت المصادقة عليه في 12 ديسمبر/كانون الأول 2015 من طرف 195 دولة، وينص خاصة على بذل الجهود الدولية لاحتواء ارتفاع معدل درجة الحرارة على الأرض في مستوى أقل من درجتين مئويتين بحلول عام 2100 مع السعي لحصره في 1.5 درجة مقارنة بمعدل الحرارة قبل العصر الصناعي.

كما ينص على تقديم مساعدات اقتصادية للدول النامية تبلغ قيمتها 100 مليار دولار سنويا. وللوصول إلى هذه الأهداف يتعين خفض ما بين 40% و70% من الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري بحلول عام 2050 مقارنة بما كانت عليه في 2010. ثم في مرحلة ثانية الوصول في أفق عام 2100 إلى توازن بين انبعاثات هذه الغازات بسبب الأنشطة البشرية وتلك التي تمتصها العناصر الطبيعية من محيطات وغابات وغير ذلك. ولتحقيق ذلك يتعين التخلي تدريجيا عن الوقود الأحفوري من نفط وغاز وفحم حجري المسؤول عن 80% من الانبعاثات. 

وبلغ عدد الدول التي وقعت على اتفاق باريس 147 دولة تساهم في 83% من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، أي أنه تجاوز الشروط الأساسية التي تجعله يدخل حيز التنفيذ، وهي إمضاؤه من 55 دولة على الأقل لا تقل مساهمتها في الانبعاثات عن 55%.

الولايات المتحدة تساهم حاليا بـ 15% من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري مقابل 29% للصين (غيتي)
الولايات المتحدة تساهم حاليا بـ 15% من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري مقابل 29% للصين (غيتي)

تداعيات
ويعني انسحاب الولايات المتحدة -ثاني أكبر منتج للغازات المسببة للاحتباس الحراري بنسبة تقارب 15% من جملة الانبعاثات- من هذا الاتفاق التراجع عن التعهدات التي التزمت بها إدارة أوباما والمتمثلة أساسا في العمل على خفض انبعاثات الغازات المسببة للدفيئة بنسبة تتراوح بين 26% و28% عما كانت عليه عام 2005 وذلك بحلول عام 2025.

يؤكد الخبراء أن الانسحاب سيكون له تأثير واضح وملموس على اتفاق باريس. وحسب عملية محاكاة لقياس تأثيرات هذا الانسحاب أنجزتها منظمة "كليمايت إنتراكتف" فإن كمية الغازات المسببة للدفيئة سترتفع بحوالي 3 مليارات طن مكافئ غاز ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2030 بسبب عدم التزام الولايات المتحدة باتفاق باريس. وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع في معدل درجات الحرارة على الأرض بحوالي 0.3 درجة مئوية من ارتفاع إجمالي بثلاث درجات متوقعة من طرف العلماء في نهاية القرن الحالي.

لكن دراسة استشرافية أخرى أنجزتها منظمة "كليمايت أكشن تراكر" تذكر أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق سيتسبب في ارتفاع بقيمة 0.2 درجة مئوية فقط.

وفي كل الحالات تجمع التوقعات على أن هذا الانسحاب سيزيد من صعوبة الوصول إلى الأهداف التي حددها الاتفاق للحد من ارتفاع معدل درجات الحرارة على الأرض. ولن يقتصر تأثير الانسحاب على الانعكاسات المباشرة التي قيمت في الدراستين السابقتين، بل يتوقع العلماء انعكاسات غير مباشرة له على المناخ في المستقبل من خلال انسحاب دول أخرى من الاتفاق فيما يشبه كرة الثلج خاصة دولا من الحجم الثقيل كالصين والهند والبرازيل وإندونيسيا والفلبين، وهو ما قد يؤدي إلى انهيار الاتفاق. كما ستدفع بعض الدول التي لم توقع بعد على الاتفاق مثل روسيا إلى الإحجام عن ذلك في المستقبل.

وستشمل التداعيات السلبية لانسحاب الولايات المتحدة كذلك الجوانب المالية لاتفاق باريس، فالاتفاق ينص على أن تقدم الدول المتقدمة مساعدات اقتصادية للدول النامية في حدود 100 مليار دولار سنويا بداية من عام 2020 منها ثلاثة مليارات دولار ستدفعها الولايات المتحدة لتشجيع هذه الدول على المضي قدما في الحد من انبعاثات الغازات المسببة للدفيئة.

وتعول الكثير من الدول مثل الهند وإندونيسيا والفلبين والبرازيل على هذه المساعدات للمضي قدما في تطبيق اتفاق باريس، وبعضها قد تعيد النظر في التزاماتها إزاء هذا الاتفاق في صورة عدم حصولها على المساعدات الموعودة.

ترمب بعد إعلانه الانسحاب من اتفاقية باريس في مؤتمر صحفي من حديقة البيت الأبيض (رويترز)
ترمب بعد إعلانه الانسحاب من اتفاقية باريس في مؤتمر صحفي من حديقة البيت الأبيض (رويترز)

تأثير مبالغ فيه؟
ولئن اتفق الخبراء والملاحظون على أن انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس حول المناخ سيكون له تداعيات سلبية فإنهم يختلفون في تقييم هذه الانعكاسات وأهميتها، فبينما ذهب البعض كما رأينا إلى أن تأثيره قد يصل إلى حد انهيار الاتفاق برمته أو فشله في تحقيق الأهداف التي حددها على الأقل، فإن البعض الآخر يرى أن تأثير الانسحاب الأميركي من الاتفاق مبالغ فيه، وذلك لأسباب كثيرة، أهمها أن الولايات المتحدة لا تساهم حاليا إلا بـ 15% من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بينما تساهم الصين بنسبة 29% مقابل 17.9% لأميركا و23.6% للصين عام 2009، وهو ما يدل على أن تأثير الولايات المتحدة ينحسر شيئا فشيئا مقابل زيادة تأثير دول أخرى، مثل الصين والهند.

ومما سيحد من تأثير الانسحاب الأميركي كذلك إعلان ولايات أميركية مثل كاليفورنيا (سادس أقوى اقتصاد في العالم) ونيويورك مضيها قدما في تنفيذ اتفاق باريس، حتى وإن أعلنت الحكومة الفدرالية انسحابها منه، وذلك بمواصلة برامج الحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري والناتجة عن محطات توليد الكهرباء وعن السيارات.

وقد أعلن حاكم ولاية كاليفورنيا أثناء زيارته الصين يوم 7 يونيو/حزيران الماضي لإبرام اتفاق بين الجانبين لتطوير التكنولوجيات الخضراء، عن التزام الولاية بخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بنسبة 40% عما كانت عليه في العام 1990.

تبقى في الأخير الإشارة إلى أن خروج الولايات المتحدة من الاتفاق لن يكون فعليا إلا بعد مضي أربع سنوات من التوقيع الذي تم بتاريخ 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 كما ينص الاتفاق، أي يوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 وبعد إجراء انتخابات الرئاسة القادمة. وحتى ذلك التاريخ قد تتغير المعطيات والمواقف.

_____________________
*إعلامي تونسي متخصص بالشؤون العلمية

المصدر : الجزيرة