لماذا فشل العرب بجذب مراكز البحوث والتطوير العالمية؟

The logo of Intel, the world's largest chipmaker is seen at their offices in Jerusalem, April 20, 2016. REUTERS/Ronen Zvulun/File Photo
شعار إنتل يظهر على مقرها في القدس المحتلة (رويترز)

عبد القادر الكاملي*

 

في أبريل/نيسان 2013 أغلقت إنتل، شركة صناعة الرقائق الإلكترونية الكبرى عالميا، وحدة البحث والتطوير التابعة لها في مصر، وسرّحت 120 موظفا كانوا يعملون فيها، وذلك بعد أربعة شهور فقط من افتتاحها، في حين كان لدى الشركة نحو عشرة آلاف موظف في إسرائيل، يعمل 60% منهم في أحدث مجالات البحث والتطوير.

تنفق الدول العربية على تقنية المعلومات والاتصالات ما يقارب 150 مليار دولار سنويا، الأمر الذي دفع معظم الشركات العالمية لافتتاح مكاتب لها في المنطقة، وخاصة في دولة الإمارات التي أصبحت مركزا إقليميا لتلك الشركات.

لكن هذا الحضور العالمي الواسع كان في معظمه موجهاً نحو تسويق سلع وخدمات تلك الشركات، في وقت اتجه النزر اليسير منه فقط نحو الاستثمار في قطاعات تقنية المعلومات والاتصالات الإنتاجية، أو مراكز الأبحاث والتطوير التابعة لها.

وبالمقارنة مع إسرائيل التي تنفق على تقنية المعلومات والاتصالات سنويا نحو 10% فقط مما تنفقه البلدان العربية مجتمعة، نجد أن أكثر من 300 شركة عالمية أنشأت مراكز للبحث والتطوير فيها بما في ذلك أكبر شركات تقنية المعلومات والاتصالات مثل مايكروسوفت وآبل وغوغل وفيسبوك وأمازون وآي بي أم وإنتل وغيرها.

لماذا إسرائيل؟
لا نريد أن نحمّل مسؤولية هذا الأمر لشركات تقنية المعلومات العالمية وحدها، ونحيله إلى أسباب سياسية فقط. فعندما وجهت سؤالا في أحد المؤتمرات إلى المدير الإقليمي لشركة عالمية متخصصة في تقنية المعلومات حول سبب إحجام شركته عن إنشاء مركز للبحث والتطوير في المنطقة، على الرغم من أنها تستثمر بكثافة في إسرائيل في هذا المجال، أجاب: للأسف، لا يوجد مناخ مناسب للبحث والتطوير هنا، في حين تتوفر في إسرائيل أفضل بيئة ملائمة لذلك.

مكتب غوغل في تل أبيب حيث توظف الشركة أكثر من ستمئة مهندس (رويترز)
مكتب غوغل في تل أبيب حيث توظف الشركة أكثر من ستمئة مهندس (رويترز)

لدى مايكروسوفت ألف باحث في إسرائيل، ولدى آبل 800 باحث فيها أيضا، أما غوغل التي توظف أكثر من 600 مهندس في إسرائيل يعملون على العديد من المنتجات الأساسية للشركة بما في ذلك البحث والخرائط، فإن "ما يقارب نصف مهندسيها في إسرائيل هم من خريجي جامعة تل أبيب"، حسب ما صرح به الشريك المطور بشركة "غوغل" دون دودغ، الذي يعتقد أن في إسرائيل "مصدرا مذهلا من المواهب".

ويرى دودغ أن المهندسين الأقل أجراً في روسيا والهند والصين ليسوا بالجودة نفسها، والأمر حسب رأيه "يتعلق بالابتكار والإبداع، وأخذ المجازفات الكبيرة، وفهم كيفية الوصول إلى السوق، وهذا ما تقوم به إسرائيل".

أما الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك إسرائيل فيرى أن ما يجعل إسرائيل مكانا فريداً من نوعه للبحث والتطوير هو وجود المواهب وطريقة التفكير المبتكرة ومرافق البحث والتطوير المماثلة لما هو موجود في وادي السيليكون.

الابتكار المحرك الأساسي للازدهار الاقتصادي
تشير بيانات صندوق النقد الدولي لعام 2016 إلى أن الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل بلغ نحو 312 مليار دولار، أي أقل بقليل من الناتج المحلي الإجمالي لمصر الذي بلغ نحو 330 مليار دولار.

والناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل هو بالطبع أقل من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة العربية السعودية (638 مليار دولار) والإمارات العربية المتحدة (375 مليار دولار)، ويمثل 12.7% من الناتج المحلي الإجمالي للبلدان العربية مجتمعة.

لكن إسرائيل في المقابل -ووفق بيانات معهد اليونسكو للإحصاء- تحتل المرتبة الثانية عالميا بعد كوريا الجنوبية من حيث الإنفاق على البحث والتطوير من الناتج المحلي الإجمالي، إذ تنفق 4.1%، في حين أن أفضل أداء لدولة عربية في هذا المجال كان من نصيب المغرب بإنفاق قدره 0.7% فقط من ناتجه المحلي الإجمالي، وفق المصدر ذاته. وحتى بلغة الأرقام المطلقة، تنفق إسرائيل على البحث والتطوير أكثر مما تنفق البلدان العربية مجتمعة.

إنتل أعلنت أنها ستستحوذ على موبايل آي الإسرائيلية مقابل 15.3 مليار دولار (رويترز)
إنتل أعلنت أنها ستستحوذ على موبايل آي الإسرائيلية مقابل 15.3 مليار دولار (رويترز)

هل الوضع العربي سوداوي إلى هذه الدرجة؟
ظهرت خلال العقد الأخير مؤشرات إيجابية نسبيا في بعض بلدان مجلس التعاون الخليجي من حيث تطوير البحث العلمي، ووضع خطط للتنمية مبنية على استشراف المستقبل.

فعلى سبيل المثال، ارتفع عدد براءات الاختراع الممنوحة من قبل مكتب براءات الاختراع والعلامات التجارية الأميركي للمملكة العربية السعودية من 20 براءة اختراع عام 2007 إلى 443 براءة عام 2016، ولدولة الإمارات العربية من براءتين عام 2007 إلى 60 براءة اختراع عام 2016 (متفوقة على مصر التي حصلت على 41 براءة عام 2016!)، لكن تبقى هذه الأعداد ضئيلة مقارنة بما حصلت عليه إسرائيل عام 2016 والبالغ  3814 براءة اختراع.

ومن المؤشرات الإيجابية الأخرى دخول أربع جامعات سعودية ضمن تصنيف شنغهاي للجامعات الخمسمئة الأولى عالميا (التصنيف الأكثر قبولاً عالميا). كما توجد أيضاً مبادرات واعدة، إن تحققت، مثل مبادرة "إستراتيجية الإمارات لاستشراف المستقبل" الهادفة إلى الإسهام في "صناعة مستقبل العالم" من خلال احتضانها أفضل العقول في العالم.

الحلقات الخمس للابتكار
تتألف دورة الابتكار من خمس حلقات هي: نقل المعرفة، واستيعابها، ثم تحسينها، فإنتاج معرفة جديدة، وأخيراً ابتكار سلع وخدمات مبنية على تلك المعرفة. وتتطلب هذه الحلقات توفر الشروط اللازمة لجذب الشركات العالمية نحو الاستثمار في البحث والتطوير والتصنيع في المنطقة، والتي لا يتوفر حالياً إلا بعضها فقط وفي عدد قليل من البلدان العربية.

ومن هذه المتطلبات: خطوط اتصالات متطورة وسريعة، وقواعد بيانات شفافة ومفتوحة، وخدمات مالية حديثة، وأنظمة إدارية مرنة، وقوانين مشجعة للاستثمار، وتشريعات لحماية حقوق الملكية الفكرية، ونظام تعليمي متطور معزز بمراكز متقدمة للبحث والتطوير والابتكار، وتشريعات مرنة تضمن حرية البحث والتطوير، ورفع مستوى الإنفاق الحكومي على البحث العلمي، وسياسة فعالة لجذب المبدعين والحفاظ عليهم خاصة في بلدان مجلس التعاون الخليجي.

فالنجاح في العصر الرقمي، بحسب مؤسس فيسبوك مارك زوكربيرغ، بحاجة ماسة إلى "أبطال من العلماء والباحثين والمهندسين. وبحاجة لتكريم ومكافأة الذين يجدون علاجاً للأمراض، ويوسّعون فهمنا للإنسانية، ويعملون على تحسين حياة الناس".

ينبغي على الدول العربية البدء بتوفير البيئة اللازمة للابتكار، وتبني آليات ترتكز على اصطفاء واحتضان المبدعين والحفاظ عليهم. ومن دون ذلك لن يكون هناك ابتكار أو إبداع أو حافز للترقي

الانتقال من التبعية إلى الريادة
كان الراحل ستيف جوبز، الشريك المؤسس لشركة آبل، يرى أن "الابتكار هو ما يميز القائد عن التابع". فهل يمكن أن تشهد إحدى البلدان العربية نهضة علمية تهدف ليس فقط لمواكبة البلدان المتقدمة، بل لاستئناف الدور الذي لعبته بغداد في القرن التاسع الميلادي كمركز عالمي للدراسات والبحوث والابتكارات؟

ربما يكون الجواب: لما لا! فما حدث مرة يمكن أن يحدث مرة أخرى، خاصة وأننا لا نتحدث هنا عن كافة البلدان العربية البالغ عددها 22 بلدا، بل ربما عن واحدة منها فقط. وبما أن الإمكانية موجودة، فإنه يتعين على الدولة العربية التي تسعى جادة لتحويل تلك الإمكانية إلى واقع، البدء بتوفير البيئة اللازمة للابتكار، وتبني  آليات ترتكز على اصطفاء واحتضان المبدعين والحفاظ عليهم، ومن دون ذلك لن يكون هناك ابتكار أو إبداع أو حافز للترقي.

إذا تمكنا من توفير المناخ الملائم للبحث والتطوير والابتكار، فعلينا أن نتبع ذلك بقوة تفاوضية نضغط فيها على الشركات العالمية، كي تنشئ مراكز للبحث والتطوير في بلداننا، خاصة وأن كمية المنتجات التي نشتريها منها ليست بالقليلة. فالابتكار هو سبيلنا الوحيد للتقدم، و"الابتكار هو مفتاح تحقيق جميع أهداف التنمية المستدامة"، وفق ما تقول مديرة معهد اليونسكو للإحصاء سيلفيا مونتويا. 

______________
* مستشار تكنولوجيا المعلومات والاتصالات

المصدر : الجزيرة