تسعير الكربون ينطلق
كاثرين ماكينان وفيك سيجبيسما*
ينبئنا الخبراء بأن ارتفاع درجات حرارة المحيطات يتسبب في زيادة الأعاصير قوة، كما تتسبب عواقب أخرى مترتبة على التغير المناخي الناتج عن أنشطة بشرية -من موجات الجفاف القاسية في منطقة القرن الأفريقي إلى الفيضانات الشديدة في آسيا- في حرمان الملايين من البشر من الغذاء والمأوى الأساسي.
ولكن على الرغم من اكتساب الارتباط بين إحراق الوقود الأحفوري وأحداث الطقس المهلكة المزيد من القوة لسنوات، فإن صناع السياسات لم يستجيبوا دائما للتحذيرات.
بيد أن هذا يتغير بسرعة؛ فاليوم بدأت تتحرك أخيرا دول ومواطنون وعدد متزايد من شركات الأعمال في مختلف أنحاء العالَم. ففي شهرنا هذا (نوفمبر/تشرين الثاني)، تجمع الآلاف للمشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في مدينة بون بألمانيا، بهدف تصعيد وتعزيز الطموح العالمي في الكفاح ضد تغير المناخ. وفي أعقاب اتفاق باريس المناخي الناجح الذي انعقد قبل عامين، أصبحت توقعات المزيد من التقدم واستمرار التعاون مرتفعة.
ويُعَد تحالف قيادة تسعير الكربون من المبادرات الحالية الأكثر تبشيرا، والتي تجمع بين ثلاثين حكومة وأكثر من 180 شركة وشراكات إستراتيجية لتحديد قيمة لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
والفكرة بسيطة: فإذا كان لنا أن ننجح في تلبية هدف اتفاق باريس الذي يقضي بالحد من زيادة متوسط درجة الحرارة العالمية بما لا يتجاوز درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الصناعة ـوفي الوضع المثالي درجة واحدة ونصف الدرجة المئوية أعلى من مستويات ما قبل الصناعة- فيتعين علينا أن نعمل على خفض الانبعاثات بشكل كبير.
وبوصفنا رئيسين مشاركين لتحالف قيادة تسعير الكربون، فنحن نعتقد بأن واحدا من أفضل السبل لتحقيق هذه الغاية يتلخص في تحويل التكاليف الاجتماعية والاقتصادية المترتبة على الانبعاثات الغازية التي تتسبب في الانحباس الحراري من عامة الناس إلى المسؤولين عن إحداث التلوث.
ومع تزايد الشعور بإلحاح قضية المناخ، لم يعد من المقبول تلويث الهواء بالمجان وتمرير فاتورة التكاليف للأجيال القادمة. وتحديد سعر للكربون هو الوسيلة الأكثر كفاءة للحد من الانبعاثات العالمية، وتشجيع النمو الاقتصادي المستدام والقوي في ذات الوقت. وعلاوة على ذلك، من خلال تحديد سعر للتلوث، تستطيع الحكومات أن تعمل على توليد العائد لاستثمارات مثل الطاقة النظيفة، والمدارس، والرعاية الصحية، الأمر الذي يجعل الفوز مضاعفا.
ويتمثل الهدف النهائي بطبيعة الحال في تشجيع الشركات على تنظيف أعمالها، واليوم يفهم عدد متزايد من قادة الشركات أن تسعير الكربون من أفضل الطرق لمكافحة تغير المناخ، وهم يدركون أيضا أن أعمالهم من الممكن أن تزداد ازدهارا حتى عندما يعملون على خفض الانبعاثات.
الواقع أن العديد من قادة الشركات هم من بين أكثر الأنصار حماسا لتسعير الكربون الفعّال. ففي الشهر المنصرم، كشف مشروع الإفصاح عن الكربون عن أن عدد الشركات التي تخطط لتنفيذ آليات تسعير الكربون داخليا تنامى إلى نحو 1400 شركة على مستوى العالَم، ارتفاعا من 150 فقط عام 2014، ويشمل هذا أكثر من مئة من أكبر الشركات في العالَم، التي يبلغ مجموع إيراداتها السنوية نحو سبعة تريليونات دولار أميركي.
وحددت شركة رويال دي إس إم (التي يقودها أحد كاتبي هذا التعليق) سعرا للكربون يعادل خمسين يوروا (59 دولارا) للطن، لتنضم بذلك إلى شركات عالمية أخرى مثل ميشلين، ودانون، وجنرال موتورز، في تطبيق أسعار حقيقية للكربون لتحصين أعمالها في المستقبل.
كما تعكف نحو أربعين دولة ـبما في ذلك كندا– على تحديد سعر للتلوث الكربوني، وتخطط المزيد من الحكومات لتنفيذ مشاريع مماثلة قريبا. وفي عام 2015، أعلنت الصين خططا لإنشاء أكبر نظام عالمي لتسعير الكربون. وفي وقت سابق هذا العام، أعلنت أونتاريو، وكيبيك، وكاليفورنيا التوقيع على اتفاق لإنشاء ثاني أكبر سوق للكربون في العالَم.
وينبغي لهذا الاتجاه أن يستمر لأسباب بيئية واقتصادية. وتوصلت دراسة أجريت في مايو/أيار 2017 بواسطة اللجنة رفيعة المستوى المعنية بأسعار الكربون بقيادة اثنين من أفضل خبراء الاقتصاد في العالَم، جوزيف ستيجليتز ونيكولاس ستيرن، إلى أن تحديد "سعر قوي للكربون" يشكل ضرورة أساسية ليس فقط للحد من الانبعاثات العالمية، بل وأيضا لدعم الإبداع والنمو.
لا شك أن تحديد سعر للتلوث الكربوني لا بد أن يأتي في إطار مجموعة أوسع من التدابير لحماية اقتصاداتنا ومجتمعاتنا في المستقبل.
ولكي يتسنى لنا الحد من انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري الكوكبي بشكل أكبر وتعزيز الحيوية الاقتصادية، يتعين علينا أن نعمل على تحسين وسائل النقل العام، وتشييد بنايات تتسم بالكفاءة في استخدام الطاقة، وتعزيز الجهود التي تبذلها الشركات والمبدعون والمستثمرون لتطوير حلول للطاقة النظيفة. وهذا هو ما تفعله كندا على وجه التحديد، لأننا نعلم أن هذه السياسات قادرة على خفض الانبعاثات والمساعدة في خلق وظائف جديدة مجزية.
كثيرا ما يُقال إن تغير المناخ يمثل تحديا وفرصة في آن، وهذا صحيح؛ فمن خلال تسعير التلوث الكربوني وتسخير قدراتنا الجمعية، يُصبِح بوسعنا أن نعالج التحدي ونغتنم الفرصة. وعن طريق تعبئة الروح الإبداعية الرائدة في الدول والشركات نصبح قادرين على مكافحة تغير المناخ، وتعزيز اقتصاداتنا ومجتمعاتنا، فنترك لأبنائنا وأحفادنا كوكبا أكثر صحة وأمانا.
________________
* كاثرين ماكينان وزيرة البيئة وتغير المناخ في كندا.
* فيك سيجبيسما الرئيس التنفيذي لشركة رويال دي إس إم.