الكواكب القزمة.. جيران في المجموعة الشمسية
*هاني الضليع
ففي عام 2003 تم العثور على عدد من الأجرام السماوية أثار أحدها ضجة واسعة في المجتمع الفلكي حيث دلت أوليات الحسابات على أنه يفوق بلوتو قطرا. وقد وضع هذا الاكتشاف الفلكيين في حيرة لم يجدوا منها مخرجا، فهل يعدونه كوكبا عاشرا أم لا؟ وكيف يصنفونه وليس بينه وبين أجرام أخرى اكتشفت فروق كبيرة في الأحجام؟
عُرف الكويكب الجديد آنذاك باسم زينا (Xena)، غير أن لجنة تسميات الكواكب اتفقت على إعطائه اسم إيريس (Eris) تيمنا باسم "آلهة الفوضى" اليونانية، كما جرت العادة بأن تحمل الكواكب وأقمارها والكواكب القزمة أسماء شخصيات الأساطير اليونانية القديمة. فعطارد (ميركوري) هو رسول الإله، والزهرة (فينوس) هي آلهة الحب والجمال، والمريخ (مارس) هو إله الحرب، والمشتري (جوبيتور) هو كبير الآلهة، وزحل (ساتورن) هو إله الوقت، وأورانوس هو أبو ساتورن، ونبتون هو إله البحر، وبلوتو هو إله الموت، وهكذا. ولكثرة الآلهة اليونانية الأسطورية نجد أسماءها موزعة على أجرام المجموعة الشمسية دون حصر.
وقد ظلت مشكلة بلوتو قائمة إلى أن تم الاتفاق على وضع تعريف حديث لمصطلح "كوكب" بحيث يسمى ما عداه كوكبا قزما أو كويكبا. فعلى الكوكب حتى يحافظ على مكانته بين الكواكب أن يكون كروي الشكل تقريبا لا بيضويا، وأن يكون مداره له وحده بحيث لا يكون مشتركا مع جرم آخر في هذا المدار (عكس حال الكويكبات الواقعة بين المريخ والمشتري وتشترك جميعا في المدار)، وأخيرا أن لا يكون قمرا لكوكب آخر.
وبالنظر إلى هذه الشروط فقد أصبح عدد الكواكب ثمانية فقط، ولم يعد منها بلوتو الذي يشترك مع قمره في مدار واحد. وفي المقابل أصبحت لدينا خمسة كواكب قزمة معروفة هي (بلوتو 2374كم) و(إيريس 2326 كم) و(هوميا 990×1920 كم) و(ميكي ميك 1430 كم) وتقع جميعا خلف مدار نبتون، إضافة إلى (سيريس970 كم) أكبر كويكبات الحزام بين المريخ والمشتري. وقد تم التأكد حديثا (2016) من وجود كوكب قزم سادس أطلق عليه الرمز (2007 QR10) بقطر 1535 كم، وهو في انتظار حصوله على اسم رسمي.
وتشترك جميع الكواكب القزمة (الكوازم)، التي يبلغ عددها المتوقع أكثر من عشرة آلاف، في كونها عوالم شديدة البرودة، سحيقة البعد لا تلتقطها عدسات أي تلسكوب حتى تلسكوب هابل الفضائي الذي يتخذ مدارا حول الأرض بعيدا عن غلافها الجوي الذي يحجب كثيرا من ضوء الأجرام الخافتة.
فإذا كانت مسافة بلوتو القزم عن الشمس هي 5.8 مليارات كيلومتر، أي 4.5 ساعات ضوئية، بمعنى أن الضوء يحتاج أربع ساعات ونصف كي يبلغه، فإن الكوكب القزم 2007 QR10 يبعد ضعف تلك المسافة عن الشمس. وإذا علمنا أن الضوء يقطع في الساعة الواحدة أكثر من مليار كيلومتر، أدركنا أننا نتحدث عن ما يقرب من عشرة مليارات كيلومتر يبعدها هذا الكوكب القزم. وقس على ذلك أي كوكب سيتم اكتشافه ضمن ما يعرف بحزام كويبر للكويكبات الواقع خلف مدار كوكب نبتون، وإليه تنتمي جميع هذه الأجرام الخافتة.
ومما تشترك فيه هذه الكواكب القزمة كذلك وجود أقمار تدور حولها، فبلوتو تدور حوله خمسة أقمار هي (تشارون، وستيكس، ونيكس، وكيربيروس، وهايدرا)، أما هوميا الذي يعد أسرع أجرام المجموعة الشمسية دورانا حول نفسه (3.9 ساعة) فله قمران هما هاياكا وناماكا، في حين أن إيريس له قمر واحد هو ديزنوميا، وليس لسيريس الذي بين المريخ والمشتري أية أقمار.
وفي أبريل/ نيسان 2016 تم اكتشاف قمر للكوكب القزم الأخير ميكي ميك بقطر 160 كيلومترا، أطلق عليه الرمز "MK2" ، وهو أيضا في انتظار تسميته رسميا.
ولأن هذه الأجرام صغيرة وبعيدة، فإن أمر استكشافها فضائيا من خلال مسبارات الفضاء قرار مكلف ماديا ومغامرة غير مضمونة، وبالرغم من ذلك فقد أُطلقت في يناير/كانون الثاني 2006 مركبة الفضاء نيو هورايزونز سابرة أعماق المجموعة الشمسية متجهة إلى بلوتو وحزام الكويكبات كويبر، وبعد تسع سنوات ونصف (يوليو/ تموز 2015) وصل هذا المسبار إلى بلوتو ليكشف لنا عن حقائق لم يكن للعلم أن يكشفها بأي وسائل أرضية، فقد اتضح أن بلوتو له غلاف جوي مكون من النيتروجين وأول أكسيد الكربون والميثان وهو أقل كثافة من غلاف الأرض الجوي بمائة ألف مرة، وجاذبيته أقل من جاذبية الأرض خمس عشرة مرة، وأما تضاريسه فهي سهول وفوهات نيزكية ومرتفعات جبلية يرتفع أعلاها مسافة 5.6 كيلومترات، وتبلغ درجة الحرارة هناك 241 تحت الصفر، وعليه معالم مختلفة الألوان سببها اختلاف المكونات الجليدية هناك.
وأما الكوكب القزم الآخر الذي زاره مسبار فضاء فهو سيريس، أكبر أجرام حزام الكويكبات، فقد وصله المسبار "دون" في مارس/ آذار 2015 ليكتشف أنه على الرغم من أنه يضج بالفوهات النيزكية، فإنه ربما يكون يحتفظ تحت سطحه بخزان واسع للماء العذب يبلغ حجمه مئتي مليون كيلومتر مكعب، وهو بذلك يفوق كمية الماء العذب الموجود في الكرة الأرضية.
ولأن نظامنا الشمسي يمثل النموذج الأقرب إلى الأنظمة النجمية التي تملأ المجرة، فإن سبر أغوار القريب من أجرامها وفهم تركيبها ومكوناتها وأقمارها، ربما يساعد في تفسير ألغاز تلك النجوم وما يدور حولها، وسيقودنا بعد ذلك إلى فهم نشأة الكون ونشأة الحياة على الأرض، أهي فريدة أم أن ملايين الكواكب تشابهها لكنها بعيدة المنال والاتصال ولم تقع ضمن مرمى الاكتشاف بعد.
_______________
*عضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك