جدل تقييم المقالات العلمية.. السرية مقابل الشفافية

Forensic scientists of the Criminal Research Institute of the National Gendarmerie (IRCGN), in Pointoise, collects DNA taken from the victims of the crash of the Germanwings Airbus A320 in the French Alps, March 30, 2015. Forensic scientists are in the active phase in the identification process of the 150 victims in the air crash. REUTERS/Christophe Ena/Pool
جدل تقييم البحوث العلمية يتراوح بين مؤيدي كشف أسماء الباحثين والمحكمين وأنصار التعتيم على أسماء الطرفين (رويترز)

*يوسف سيمو

تعيش كبريات المجلات العلمية عبر العالم هذه الأيام نقاشا حيويا حول أمثل الطرق وأكثرها موضوعية في التقييم والتصديق العلمي على المقالات المعروضة عليها للنشر.

وتقتضي مسطرة المصادقة قبل النشر في مختلف المجلات الدولية المُحكَمة تكليف خبيرين أو أكثر من ذوي الخلفية العلمية المعترف بها بتحليل المقالات أو الدراسات أو الأبحاث وإنجاز تقارير بشأنها. وعلى أساس تلك التقارير تتخذ الهيئة الناشرة قرار النشر من عدمه أو طلب تدقيق أكثر لموضوع أو نتائج البحث.

التوافق النسبي الذي ما زال يحظى به مثل هذا الإجراء لم يمنع بعض الدوائر المتابعة عن قرب للبحث العلمي عبر العالم من التنبيه إلى ضرورة تحصين عملية التقييم بكل الضمانات حتى تتم المحافظة على موثوقية ومصداقية النشر العلمي لكبريات المجلات المحكمة في العالم.

ترى مجلة نيتشر أن اعتماد "السرية المزدوجة" سيجعل جميع المترشحين على قدم المساواة أمام الحكام الذين قد يتعرض بعضهم لإغراء ضمني بمجرد معرفته بالمكانة الأكاديمية لمؤلف الدراسة

السرية المزدوجة
في خضم هذا الجدل بدأت بعض النشرات العلمية تتساءل إن كان من المفيد الاعتماد على حكام "غفل" لتقييم الأعمال العلمية المعروضة للنشر، أم من الأفضل جعل طرفي العملية مكشوفين لبعضهما بعضا في إطار علمي شفاف؟

مجلة "نيتشر" البريطانية التي أحيت هذا النقاش اقترحت قرارا أكثر راديكالية باعتمادها ما يصطلح عليها داخل المجتمع العلمي بـ"ازدواجية العمى".

ويقتضي هذا الإجراء ليس فقط عرض المقالات على خبراء أو حكام "غفل" لا يعرفهم من رشحوا مقالاتهم للنشر، بل بجعل مصدر المقالات نفسها سريا من خلال حجب أسماء أصحابها.

وترى مجلة نيتشر أن اعتماد "السرية المزدوجة" سيجعل جميع المترشحين على قدم المساواة أمام الحكام الذين قد يتعرض بعضهم لإغراء ضمني بمجرد معرفته بالمكانة الأكاديمية لمؤلف الدراسة موضوع التقييم أو باسم المختبر المغمور أو ذي الصيت العالمي الذي ينتمي إليه فريق البحث.

ولهذا المبدأ عدة إيجابيات ليس أقلها هو عدم معرفة المرشح والحكم لبعضهما البعض ضمانا لموضوعية أكبر للحكام وضمانا أيضا لعدم تعرضهم للتدخلات المحتملة للمؤلفين.

السلطة العلمية
فرانسواز كومب الباحثة الفرنسية في مجال الفيزياء الفلكية وعلوم الفضاء والأستاذة بـ"كوليج دو فرانس" ترى أن من الصعب الحجب التام لمصادر الأبحاث و أسماء المؤلفين، فهي ترى أن المنتسبين للمجتمع العلمي يعرفون بعضهم البعض، وحتى من دون تمكين الحكام من الاطلاع على أسماء المترشحين فإن لديهم على ما يكفي من الخبرة والكفاءة لتحديد من وراء الأبحاث والدراسات بفضل الإحالات على المراجع المعتمدة وإلى الأبحاث السابقة أو أبحاث زملائهم.

هذا الدفع ترد عليه مجموعة "نيتشر" بضرورة إجبار المؤلفين أنفسهم على مسح و"تنظيف" مقالاتهم من كل إشارة دالة على هوياتهم (تنويهات، وأسماء أماكن، ومنح..)، غير أن مقترحها لا يجد له صدى عند كثيرين لأنه إجراء يشكل حسبهم عبئا إضافيا سيثقل كاهل الباحثين.

وعلى طرف النقيض من الموقف المنافح عن مبدأ "السرية المزدوجة" في تقييم أعمال الباحثين يرى مسؤول البحوث لإحدى أرقى المجلات العلمية في مجال الطب تريش كروفز أن هذا المقترح يشكل تراجعا غير محمود عن قيم الشفافية.

وهو موقف مفهوم لهذه المجموعة الناشرة لـ"بريتيش ميديكال جورنال" الذائعة الصيت والتي حسمت الأمر بفرض إجراء صارم على حكامها المسؤولين عن تقييم الأبحاث.

فقد أجبرت هذه المجلة المسؤولين عن تقييم الدراسات والتجارب العلمية المقترحة عليها للنشر توقيع تقاريرهم وتضمينها كافة الحجج العلمية عوض الاكتفاء -مثل بعض المجلات- بتقارير مقتضبة لا حجة لها غير حجة السلطة المخولة للحكام في القبول أو الرفض.

____________
* صحفي مغربي متخصص في الشؤون العلمية

المصدر : الجزيرة