علم بالقلم

أهمية القلم في التعلم، دراسة جديدة تبين أن القلم أفضل من لوحة المفاتيح في اختزال المعلومات وفهمها.

د. محمد قاسم*

ماذا تفعل حينما تجد طعاما مرميا على الأرض؟ الكثير من الناس يزيلون الطعام من مكانه، ويضعونه على حافة الطريق حتى لا يداس، هذه العادة ربما أتت من احترام الطعام كنعمة من نعم الله، وحينما يرى والدي القلم على الأرض فالأمر لا يختلف بالنسبة له، حيث يزيله من الطريق احتراما له.

وإن دلت الدراسة العلمية الجديدة على شيء، فإنها تدل على أن القلم يستحق هذا الاحترام في مقابل لوحة المفاتيح التي أستخدمها حاليا لطباعة هذا المقال، ولكن وإن أشارت الورقة العلمية إلى كون القلم مهما في تعلم الإنسان، فإن صفارة الحكم لم تعلن عن نهاية المباراة بين الاثنين، فكل واحد منهما تتجلى قواه في جانب مختلف عن الآخر.

أكدت ورقة علمية نشرت في مجلة علم النفس "Psychological Science" من خلال دراسة ميدانية أن الكتابة باستخدام القلم تشحذ الذهن وتدعم الذاكرة بالمقارنة مع استخدام لوحة المفاتيح لتسجيل المعلومات، فحينما يستخدم الطلاب لوحة المفاتيح لتدوين المحاضرات فإنهم يقومون بكتابة الكلمات الصادرة من المدرس حرفيا، من غير أن تتم معالجتها ذهنيا، لذلك حينما تختبر قدراتهم مفاهيميا فإنهم أقل قدرة من مستخدمي الأقلام في الإجابة (وإن كانت الإجابة على الأسئلة المعلوماتية لا تختلف بين الطرفين)، لذلك يعتقد أن استخدام لوحة المفاتيح هي سبب في تراجع مستوى التعلم.

لا شك أن الطباعة باستخدام لوحة المفاتيح هي وسيلة سريعة لتدوين الكلمات، وهي أسرع بكثير من الكتابة باستخدام القلم، وهذا أيضا معروف من الناحية العلمية ومثبت

وسيلة سريعة
لا شك أن الطباعة باستخدام لوحة المفاتيح هي وسيلة سريعة لتدوين الكلمات، وهي أسرع بكثير من الكتابة باستخدام القلم، وهذا أيضا معروف من الناحية العلمية ومثبت، ولكن تدوين الكلمات بسرعة أكبر لا يعني أن المدون يتفاعل مع المعلومات بتميز عن المدون الذي يستخدم القلم، فاستخدامه للكتابة يفرض على الكاتب إعادة صياغة المعلومة التي يتلقاها بأسلوبه الخاص، ومن ثم اختزالها في الذهن وتذكرها سواء بعد ٣٠ دقيقة أو بعد أسبوع (مع مراجعة المكتوب باليد وبلوحة المفاتيح).

إن قلنا إن الكتابة بالقلم تساهم في التعلم، فهل يعني ذلك أنه هو الفائز النهائي في سباق التسلح التعليمي، ومن ثم يستحسن إلغاء استخدام لوحة المفاتيح؟ هناك دراسات أخرى تبين أن الطباعة بسرعة كبيرة باستخدام لوحة المفاتيح أفضل في نقل المعلومات التي تعيش في ثغور الذهن إلى الورقة بسرعة وتكامل أكبر، وكذلك فهي تسهم في تهجئة الكلمات بدقة أكبر.

فالأطفال الذين يستطيعون الطباعة بسرعة تصل من ٢٠ إلى ٢٤ كلمة في الدقيقة يقفزون في مستويات كتاباتهم مقارنة مع مستخدمي الأقلام. إذن، صحيح أن القلم هو الأفضل في استقبال المعلومات، ولكن لوحة المفاتيح هي الأفضل في استخراجها كتابيا.

في ظل وجود تكنولوجيا متعددة بأساليب تحصيلها للمعلومات سيكون من المغري جدا على المدارس تبنيها في مناهجها، ولكن يجب أن تدمج بين لوحة المفاتيح والقلم، وأيضا يجب عليها أخذ الحيطة في تمييز استخدام لوحة المفاتيح بديلا للقلم أثناء تلقي المعلومات، وكذلك من المهم الأخذ بعين الاعتبار الابداع الذي ينتج من استخدام لوحة المفاتيح في الكتابة، التوازن مهم.

هناك بعض أنواع اللوحات الإلكترونية التي تتوفر فيها الأقلام، وتستخدم للكتابة على شاشاتها، لعل هذه ستكون هي التكنولوجيا المناسبة لتدوين المعلومات في العصر الحديث

التكنولوجيا المناسبة
هناك بعض أنواع اللوحات الإلكترونية التي تتوفر فيها الأقلام، وتستخدم للكتابة على شاشاتها، لعل هذه ستكون هي التكنولوجيا المناسبة لتدوين المعلومات في العصر الحديث، فهي توفر للطالب إمكانية التدوين والتعديل والمسح بسلاسة ليست متوفرة في القلم التقليدي، ولكن حتى هذه التكنولوجيا التي أمتلكها وأستخدمها شخصيا لم تصل إلى مرحلة النضوج بعد، فهي لا تصل إلى رشاقة القلم ولا دقته.

الخطر الحقيقي ربما يأتي من الهواتف المتنقلة التي أتاحت مساحة من الخمول الذهني بوجود كاميرا عالية الدقة، فاليوم يأتي الطالب إلى الصف حاملا معه الهاتف الذكي المدمج مع الكاميرا، تاركا القلم وراء ظهره، منتظرا لحين انتهاء المدرس من إغراق السبورة البيضاء ببحر من اللون الأزرق، ثم بلمح البصر يلتقط صورة لمحتوياتها. فلا اختزال للمعلومة ولا تعلم، ولا شك أن نتائج هذا الأسلوب في التحصيل سيُنتج "زومبي" في أيام الاختبار.

أنا شخصيا لا أسمح بتصوير السبورة إلا في حالات نادرة جدا، وأحث على استخدام القلم بشدة، وقد اتخذت هذا الأسلوب في التدريس منذ بدأت به -حتى قبل أن أعرف عن التجربة العلمية، لاعتقادي الشخصي بأن القلم له ذلك التأثير الساحر في الفهم، ولكن البعض ربما لم يكن يعلم بتأثيره في التعلم، ومع هذه الدراسة تتضح أهميته، وسيكون لزاما عليهم أخذ القلم على محمل الجد، وإعادته إلى مكانته، واحترامه من جديد.

_______________

* أستاذ مساعد في كلية الدراسات التكنولوجية، الكويت

المصدر : الجزيرة