الطريق إلى سلامة السيارات

In this image taken from a March 2013 video released by independent crash-test group Latin NCAP on Nov. 27, 2013, a Nissan model Tsuru vehicle with no airbags is crash-tested at Latin NCAP's facilities in Landsberg am Lech, Germany.VMany international car manufacturers with plants in Mexico produce two versions of cars; sending models with air bags, antilock brakes and electronic stability control to the United States, and cars without those safety features to the local market. (AP Photo/Latin NCAP)

إن السيارة -التي ظلت لفترة طويلة رمزا للحرية والمكانة والنجاح- تقف الآن على مفترق طرق، فلأكثر من قرن من الزمان كانت السيارات سببا في تمكين مليارات البشر من السفر إلى مسافات أبعد وبسرعة أكثر وكفاءة أكبر من أي وقت مضى. وقد ساعدت السيارات في دفع الاقتصادات الكبرى على مستوى العالم وتشكيل المشهد الاجتماعي والثقافي الحديث، ولكن كل هذا لم يكن بلا ثمن، فالحوادث والازدحام المروري والتلوث والاعتماد على النفط إلى حد ينذر بالخطر أظهرت تكاليف أخرى.

وعلى هذا، فإن التحدي الماثل أمامنا الآن يتلخص في تعزيز الفوائد والحد من الأضرار التي تحدثها سياراتنا، وفي نهاية المطاف القضاء على هذه الأضرار تماما، حتى يتسنى لنا أن نجعل مستقبل السفر بالمركبات أكثر نظافة وكفاءة وسلامة وفي متناول الجميع. ولكي تظل صناعتنا أداة للتقدم فيتعين علينا أن نتعاون بشكل وثيق مع أقراننا في الصناعات الأخرى والحكومات في ثلاثة مجالات رئيسية: السلامة، والبيئة، والحد من التكلفة.

تدابير السلامة آخذة في التحسن، ففي أوروبا انخفض عدد الوفيات على الطرق إلى النصف رغم تضاعف عدد المركبات، وكان من أسباب ذلك تقديم تكنولوجيات مثل المكابح المانعة للانزلاق، والوسائد الهوائية، والتحكم في الثبات إلكترونيا

تشكل سلامة الطرق مصدرا للقلق البالغ، ذلك أن أكثر من ثلاثة آلاف شخص يموتون في حوادث مرتبطة بالسيارات كل يوم. وتمثل البلدان الأقل دخلا نصف المركبات التي تسير على الطرق في مختلف أنحاء العالم، ولكنها تعاني من أكثر من 90% من الوفيات المرتبطة بحوادث السيارات، فعدد السيارات في الهند لا يتجاوز ربع عدد السيارات في فرنسا، ورغم هذا فإن الوفيات المرتبطة بحوادث السيارات لديها يبلغ نحو عشرين ضعف مثيلاتها في فرنسا، أي نحو ثمانين حادثة أكثر لكل سيارة.

تدابير آخذة بالتحسن
ولكن تدابير السلامة آخذة في التحسن، ففي أوروبا انخفض عدد الوفيات على الطرق إلى النصف رغم تضاعف عدد المركبات، وكان من أسباب ذلك تقديم تكنولوجيات مثل المكابح المانعة للانزلاق، والوسائد الهوائية، والتحكم في الثبات إلكترونيا، بل يمكن أن تساعد التكنولوجيات الجاري تطويرها الآن في القضاء على الوفيات المرتبطة بالسيارات تماما.

ومن بين هذه الإبداعات الجديدة القيادة الحرة، ففي الوقت الحالي تعمل شركتا رينو ونيسان على تطوير تكنولوجيات تكميلية يمكنها أن تتوقع حوادث التصادم وتستكشفها وتمنعها، ومن خلال تخفيف الضغوط الناتجة عن القيادة وسط الحركة المرورية الكثيفة والمواقع غير المألوفة تَعِد هذه التكنولوجيا بقدر أعظم من الحماية لكل من السائقين والمشاة، وهي تشكل قيمة خاصة بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من إعاقات حركية، مثل المسنين أو المعوقين.

ولكن مثل هذه التكنولوجيات المتقدمة لا تُخترَع ببساطة ثم يتم تنفيذها، فهي تحتاج إلى الدعم من قبَل الحكومات في شكل مجموعة متماسكة من القوانين والقواعد التنظيمية التي تغطي استخداماتها، وبالتالي يتعين على صناع السياسات أن يشاركوا في مراحل مبكرة من التطوير إذا كان لنا أن نحقق هدف خفض الوفيات على الطرق إلى الصفر خلال حياتنا.

البيئة
وبوسع صناعة السيارات أيضا أن تقدم إسهاما بالغ الأهمية للبيئة، فقبل 15 عاما قام اتحاد رينو-نيسان بتقييم الأثر البيئي الذي تخلفه مركباته على مدى دورة حياتها. وقد تناولت الدراسة التأثير المترتب على المواد الخام التي نستخدمها، وتأثير عادم السيارات على الصحة العامة، وخاصة في المناطق الحضرية المكتظة بالسكان، والإسهام في إجمالي الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري العالمي، والتي يأتي 23% منها من صناعة السيارات في مختلف أنحاء العالم.

على الحكومات المحلية والوطنية أن تعمل مع صناع السيارات على دمج المركبات عديمة الانبعاثات في البنية الأساسية للنقل الوطني

ونتيجة لهذا التقييم، استثمر الاتحاد أكثر من أربعة مليارات يورو (5.5 مليارات دولار) في التكنولوجيات عديمة الانبعاثات الغازية. واليوم، تُعَد مجموعتنا هي الوحيدة بين شركات صناعة السيارات التي تنتج بكثافة تجارية خطا كاملا من السيارات عديمة الانبعاثات والمركبات التجارية الخفيفة. وقد باعت شركتا رينو ونيسان معا أكثر من مائة ألف من هذه المركبات في مختلف أنحاء العالم، أي أكثر من كل ما باعته منها كل شركات صناعة السيارات الكبرى مجتمعة.

وتتلخص المهمة الأكبر في دمج هذه المركبات في شبكة كهرباء أكثر كفاءة ونظافة، من خلال الاستعاضة عن محطات الطاقة العتيقة التي تعمل بإحراق الفحم بالطاقة الكهرومائية مثلا. وفضلا عن ذلك، ينبغي للحكومات المحلية والوطنية أن تعمل مع صناع السيارات على دمج المركبات عديمة الانبعاثات في البنية الأساسية للنقل الوطني. وإذا تحقق هذا فنحن نعتقد أن السيارات من الممكن ألا تخلف أي تأثير ضار على البيئة في المستقبل القريب.

الدول النامية
ولكن لا ينبغي لهدف الصحة والسلامة أن يتحقق على حساب البلدان النامية التي يريد مواطنوها قطف ثمار الازدهار التي استمتع بها مواطنو البلدان المتقدمة لفترة طويلة، في عام 1999 كانت البرازيل وروسيا والهند والصين تمثل 8% فقط من مبيعات السيارات على مستوى العالم، وبحلول عام 2012 بلغت مبيعاتها مجتمعة 35% من الإجمالي العالمي، ومن المؤكد أن النسبة سوف تواصل الارتفاع.

كان الأثر الذي خلفته السيارات على حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية هائلا على مدى القرن الماضي، ويتلخص التحدي الآن في إعادة اختراع السيارة بحيث تظل رمزا فخريا للحرية والسلامة في العقود المقبلة

وأحد أسباب هذا النمو غير العادي هو أن شركات صناعة السيارات طورت المزيد من السيارات بأسعار معقولة لصالح طبقة متوسطة جديدة وأكثر إدراكا للتكاليف، وسوف يساعد الخط الجديد الذي أنشأه الاتحاد بالهند "CMF-A platform" في تمهيد الطريق لإنتاج المزيد من المركبات بأسعار معقولة في مختلف أنحاء العالم النامي، وتأتي هذه التطورات في طليعة اتجاه متزايد نحو "الإنتاج الاقتصادي" الذي تتبناه الأسواق المتقدمة أيضا على نحو متزايد.

كان الأثر الذي خلفته السيارات على حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية هائلا على مدى القرن الماضي، والآن أصبحت المبيعات العالمية لصناعة السيارات أضخم من الناتج المحلي الإجمالي لكل اقتصادات العالم باستثناء الاقتصادات الخمسة الأكبر، وهي توظف أكثر من خمسين مليون شخص في مختلف أنحاء العالم، ويرتبط مستقبل هذه الصناعة بمستقبل الاقتصاد العالمي، ويتلخص التحدي الآن في إعادة اختراع السيارة بحيث تظل رمزا فخريا للحرية والسلامة في العقود المقبلة.
_______________
* رئيس مجلس إدارة اتحاد رينو-نيسان ورئيسه التنفيذي

المصدر : بروجيكت سينديكيت