المعلومات.. من الثورة إلى المعمار

عالم تكنولوجيا المعلومات الجديد – بساطة بعيدة عن التعقيد

كما هي العادة دائما في الثورات فإنها تنشأ بطريقة فوضوية تجريبية بعيدة عن التنظيم والتخطيط، وهذا طبعا لا ينطبق فقط على الثورات السياسية، بل ينسحب كذلك على جميع ما يطلق عليه اسم ثورة، وثورة المعلومات ليست استثناء.

إن ثورة المعلومات التي بدأت منتصف القرن الماضي باختراع الحاسوب ربما كانت أسرع وأكثر الثورات فوضوية، حيث إنها نشأت في معامل الحروب وترعرعت بعدها في مجتمعات شجعت هذه الثورة واحتضنتها لأسباب مختلفة، وتوالت آثار هذه الثورة حتى ولدت أهم أبنائها وهو الإنترنت.

ورث الإنترنت من الثورة، العشوائية والتجريب في بداية عهده، وتم نشر وتسجيل ملايين المواقع والنطاقات. ومع اتساع هذه المواقع بدأت عمليات كبيرة لتنظيم هذا المجهود، ولكن كان هذا التركيز منصبا على هندسة التقنية من الداخل، فتم تشريع القوانين وخلق المعايير، فنشأ "اتحاد شبكة الويب العالمية" (W3C) وتم تطوير برمجة "إتش.تي.أم.أل" وظهرت متصفحات جديدة كما ظهرت محركات بحث قوية مثل غوغل وياهو، وظننا أن الثورة بدأت تتخذ منهجا واضحا حتى حصل الانفجار الكبير عام 2007.

فيسبوك وآيفون شكلا بداية لتوسع هائلفي انتشار المعلومات (الفرنسية-أرشيف)
فيسبوك وآيفون شكلا بداية لتوسع هائلفي انتشار المعلومات (الفرنسية-أرشيف)

انفجار المعلومات
في عام 2007 حدث تحول خطير في تاريخ الثورة، فقد ظهرت قوتان كبيرتان غيرتا مجرى الأحداث: الأولى تمثلت في أول مواقع الشبكات الاجتماعية "فيسبوك"، والثانية في أول جهاز محمول بشاشة لمسية ومعالج سريع وهو "آيفون". من هنا نشأ تحد كبير فأصبح ما ينشر من خلال هذه الوسائط المتعددة سواء كأجهزة أو اتصالات أو مواقع، يتضاعف بشكل كبير حتى وصل إلى حد أصبحت تعجز فيه محركات البحث عن وضع المعلومات المنشورة بشكل مترابط ومتصل.

ومن هنا أوجدت غوغل تقنية جديدة لإظهار نتائج البحث بشكل مترابط وموثوق، فظهر مصطلح "تقنيات محرك البحث الأمثل"، وأصبح جميع ناشري المعلومات عبر الإنترنت يتسابقون لتطبيق هذه التقنية كي تظهر مواقعهم في المراكز الأولى على محركات البحث.

ولكن ماذا عن محتوى الصفحات والمواقع نفسها؟ كيف يمكن مع اتساعها وزيادة حجمها أن تحافظ على نسقها، مع إعطاء المستخدم القدرة على إيجاد المعلومة داخلها بسهولة ويسر؟

معمارية المعلومات
في كتابهما "معمارية المعلومات لمواقع الويب" يقول المؤلفان بيتر مورفيل ولويس روزفيلد "تخيل أن هناك مكتبة تحوي آلاف الكتب، ولكنها مبعثرة على الرفوف بطريقة عشوائية وغير مرتبة، قد يكون قراءة كتاب عشوائي في هذه الفوضى عملية ممتعة، ولكن إن كنت تبحث عن كتاب محدد فمن المؤكد أنك لن تجده بسهولة، ويمكن أن تتوقف عن البحث مع أنك متأكد أنه موجود".

هذا المثال لا يبتعد كثيرا عن أصل هذا العلم، فمعمارية المعلومات نشأت كمفهوم في أحضان المكتبات وتصنيفاتها. ومع التشابه في المفهوم فإن معمارية المعلومات على الإنترنت أعقد بكثير، فهنا الوصول إلى المعلومة ليس هو الهدف الوحيد، وإنما الوصول إلى ما ترتبط به هذه المعلومة، والهدف الأخير لا يقل أهمية عن سابقه بل ربما هو الهدف الأصلي.  

أما المعماري المعروف ومبتكر مؤتمر "تيد" ريتشارد ساول وارمن فيقول إن معمارية المعلومات لا تختلف عن معمارية المدن. ويرى أن التشابه بينهما كبير، فالمدن تحتاج إلى أن تكون واضحة ومفهومة المعالم حتى للزوار الجدد، وفي نفس الوقت يحتاج المعماري أن يراعي الاتساع المستقبلي الذي يطرأ نتيجة النمو في السكان والمباني والاحتياجات، وهو ما ينطبق بشكل كبير على المواقع.

إدوارد تافت:
إن هذا العالم غني حيوي معقد متعدد الأبعاد، والورقة ثابتة مسطحة، والتحدي يكمن في أن نتمكن من جمع العالم المرئي في ورقة مسطحة

تصور المعلومات
في كتابه "التصور البصري للمعلومات الكمية" يتحدث دافنشي المعلومات البروفيسور إدوارد تافت عن أهمية الصورة في التعبير عن المعلومات، فيقول "إن هذا العالم غني حيوي معقد متعدد الأبعاد، والورقة ثابتة مسطحة، والتحدي يكمن في أن نتمكن من جمع العالم المرئي في ورقة مسطحة".

فالخرائط والرسوم البيانية بأنواعها ما هي إلا مكتبات تحتوي على آلاف المعلومات المرتبة والمصنفة والتي في أغلب الأحيان لا تحتاج إلى شرح.

ولكن حتى تكون الصورة بهذا الغنى والتفوق يجب أن تتوافر فيها بعض الخصائص، وهي أن توحي للمشاهد بأكبر عدد من الأفكار في أقل وقت ممكن مع أقل حبر يمكن استخدامه على الورقة.

إن هذا التقدم الكبير والسريع في كيفية الوصول إلى هذا الكم الهائل من المعلومات المعقدة وتمثيلها بهذه السهولة، يجعل أهمية المعلومات تتضاعف في عصرنا الحالي، مما يجعلنا نصل إلى الاعتقاد بأنه إذا كان أجدادنا قد عايشوا الذهب الأصفر ورفاهيته، وآباؤنا عايشوا عصر الذهب الأسود "النفط" وطفرته، فإننا من المؤكد نعيش عصر الذهب "الرقمي" وتضخمه.
________________
* متخصص في مجال تقنية المعلومات

المصدر : الجزيرة