العلوم للصغار.. تجربة مثيرة تساعد طفلك على الاستفادة من العطلة الصيفية

هذه المجلة تعد فرصة ثمينة لمناقشة مخرجات البحوث العلمية مع الأطفال، والاستماع لوجهة نظرهم، كما تساعد على الاقتراب من تفكير الأطفال ومعرفة اهتماماتهم وتفكيرهم وقراءة أحلامهم.

تنشد المجلة المُراجِعين الأطفال الحريصين على التعلم (فرونتيرز فور يانغ ماينز)
دار نشر "فرونتيرز" أصدرت مجلة علمية تستهدف الأطفال من سن 8 إلى 15 سنة (فرونتيرز فور يانغ ماينز)

يبحث الآباء والأمهات في العطلات الصيفية عن أنشطة جديدة لتنمية قدرات أطفالهم الإبداعية والمعرفية، وتكون الأنشطة العلمية دوما على قائمة أولوياتهم، فيحاولون مع أبنائهم القيام بتجربة جديدة أو الانخراط في أنشطة علمية تنمي قدراتهم الإبداعية.

غير أن تنمية قدرات التفكير والتحليل والإبداع تتأتى من اتباع المنهجية العلمية الرصينة، تلك المنهجية التي يتبعها العلماء في مختبراتهم والتي تؤدي بهم في النهاية إلى اكتشافات ثورية تحقق الرخاء لعالمنا وتحل مشكلاته؛ ولذا فإن تعلم المنهجية العلمية يقف على رأس الأولويات التي يتعين على المربين أن يغرسوها في أطفالهم.

وعندما ننظر إلى العلماء عن كثب، فإنهم يبدؤون رحلة الاكتشاف بقراءة الأبحاث العلمية الرصينة، التي يستمدون منها ما انتهت إليه رحلة المعرفة العلمية، ثم يقومون بتحليل هذه الأبحاث ودحضها واستنباط ما بين السطور. ومن ثم تقودهم هذه المنهجية الصحيحة -إضافة إلى تفكيرهم الإبداعي- إلى المضي قدما في رحلة الاكتشاف من خلال إجراء التجارب المختلفة التي تختبر فرضياتهم.

وتنتهي هذا الرحلة -عادة- بنشر نتائج تجاربهم في أبحاث علمية (التي تُقَيَّم بواسطة غيرهم من العلماء المتخصصين ممن يعملون في المجال ذاته قبل أن تنشر في الدوريات العلمية) ليقرأها غيرهم من العلماء ويبدؤون دائرة جديدة من الاكتشاف.

ومن هنا نرى جليا أن قراءة الأبحاث هي أول خطوة في الاكتشاف؛ إذ تساعد قارئها على الوقوف على آخر ما توصل إليه العلم، كما أن القراءة المتأنية لهذه الأبحاث تساعد على تعلم الدحض والتحليل والاستنباط وغيرها من الأمور التي تؤسس لاتباع المنهجية العلمية الرصينة؛ ولذا فإنه يتعين على الآباء أن يشاركوا أبناءهم في قراءة الأبحاث العلمية التي تزودهم بآخر ما توصلت إليه العلوم.

غير أن قراءة الأبحاث تتطلب جهدا من المتخصصين أنفسهم. فكيف لنا أن نشرك الطفل في هذا النشاط العلمي المهم؟

قراءة الأبحاث هي أول خطوة في الاكتشاف (فرونتيرز فور يانغ ماينز)
قراءة الأبحاث أول خطوة في الاكتشاف (فرونتيرز فور يانغ ماينز)

لنجعلها قصة مثيرة

قدمت دار نشر "فرونتيرز" (Frontiers) حلا مبدعا لهذه المشكلة؛ إذ أصدرت -ضمن المجلات العلمية العديدة التي تصدرها- مجلة علمية تستهدف الأطفال من سن 8 إلى 15 عاما. وتحتوي المجلة -التي تعرف باسم "فرونتيرز فور يانغ مايند" (Frontiers for Young Minds)، أو ما يعني بالعربية "العلوم للعقول الشابة"- على مقالات مجانية يكتبها علماء متخصصون بلغة سهلة وبسيطة يسهل على الأطفال في هذه السن المبكرة قراءتها وفهمها، كما تُزَوَّد هذه المقالات برسوم توضيحية شيقة. ويمكنكم الوصول إلى المجلة عبر هذا الرابط:

https://kids.frontiersin.org

والجدير بالذكر أن المجلة أطلقت نسخة عربية مترجمة لمقالاتها في أبريل/نيسان 2021، وذلك بالشراكة مع جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) (الممول الرئيسي لعمليات الترجمة العربية) في المملكة العربية السعودية. ويمكنكم الوصول إلى النسخة العربية إما بتخصيص اللغة -في الموقع الإنجليزي- إلى اللغة العربية، أو من خلال الرابط التالي:

https://kids.frontiersin.org/ar

وتدعو المجلة عادة العلماء للكتابة عن اكتشافاتهم المتطورة بلغة تُمَكِّن القراء الصغار من فهمها، ثم يُرسَل المقال بعد ذلك إلى الأطفال لكي يراجعوه -مع وجود مساعدة من مرشد علمي- ويقدموا ملاحظاتهم وتعليقاتهم إلى مؤلفي المقال. وبالتالي، فإنه يتعين على الطفل -الذي يراجع المقال قبل صدوره- أن يقرأه قراءة تحليلية، وأن يُرسل لكاتبه أي تساؤل أو تعليق يجول في خاطره، كما يمكنه أن يطلب من المؤلف أن يفسر بعض النقاط التي أوردها في مقاله حتى يصبح أكثر وضوحا لقارئيه من الأطفال، ومن ثم يخرج المقال في أفضل صورة ممكنة على موقع المجلة.

وبهذه الطريقة الفريدة، فإن المجلة مكّنت القراء الصغار من العمل جنبا إلى جنب مع علماء مرموقين في مجالاتهم من أجل إنتاج مقالات رصينة وشيقة. وهو الأمر الذي يُدمِج الطفل في هذه المنهجية العلمية منذ صغرة.

وعن أهمية هذه المبادرة، يذكر الدكتور طارق قابيل الأستاذ المساعد بكلية العلوم جامعة القاهرة وعضو لجنة الثقافة والمعرفة في أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا بمصر -في تصريحه للجزيرة- أنها "فكرة خارج الصندوق تقوم بإدماج الأطفال في عملية إنتاج العلوم، ومراجعة الأقران -التي يُبنى على أساسها النشر العلمي- وذلك في وقت مبكر من حياتهم؛ مما يُأَصِّل لحب العلم والبحثي العلمي في نفوسهم، ويدلهم على منهج حياة وتفكير علمي متوازن".

موقع المجلة يحتوي على مقالات مجانية يكتبها علماء بلغة سهلة مناسبة للأطفال (فرونتيرز فور يانغ ماينز)
موقع المجلة يحتوي على مقالات مجانية يكتبها علماء بلغة سهلة مناسبة للأطفال (فرونتيرز فور يانغ ماينز)

موضوعات متنوعة لتنمية الشغف

ويذكر المتحدث الرسمي باسم فرونتيرز ورئيس التحرير التنفيذي، الدكتور فريدريك فينتر -عبر رسالة بالبريد الإلكتروني للجزيرة- أن الهدف من هذه المبادرة هو "إلهام الجيل القادم من الباحثين". غير أن هذه المبادرة تذهب لأبعد من أن تقدم مقالات علمية دقيقة وشيقة للأطفال فحسب، بل "إننا نقوم بإدراج الأطفال مباشرة في عملية مراجعة المقالات، ونعلمهم كيف يطرحون الأسئلة الصحيحة، وكيف يكونون قادرين على استخدام مهارات التفكير النقدي ليصبحوا علماء بأنفسهم".

ويشير فينتر إلى أن إطلاقهم النسخة العربية للمجلة يهدف إلى "تعزيز العقلية العلمية بين الأطفال الناطقين باللغة العربية في جميع أنحاء العالم". وتحتوي المجلة -حتى الآن- على ما يقرب من ألف مقال، موزعة على الأقسام التالية:

الأرض ومواردها (تحتوي على 143 مقالا حتى الآن).

التنوع الحيوي (تحتوي على 230 مقالا حتى الآن).

الرياضيات (تحتوي على 23 مقالا حتى الآن).

صحة الإنسان (تحتوي على 222 مقالا حتى الآن).

علم الأعصاب وعلم النفس (تحتوي على 332 مقالا حتى الآن).

علم الفيزياء والفلك (تحتوي على 21 مقالا حتى الآن).

مكّنَت المجلة القراء الصغار من العمل جنبا إلى جنب مع علماء مرموقين لإنتاج مقالات رصينة وشيقة (فرونتيرز فور يانغ ماينز)
مكنت المجلة القراء الصغار من العمل جنبا إلى جنب مع علماء مرموقين لإنتاج مقالات رصينة وشيقة (فرونتيرز فور يانغ ماينز)

كما أن هناك مجموعة خاصة من المقالات التي تُعَرِّف ببعض إسهامات العلماء الذين حصلوا على جائزة نوبل، وهي مقالات كتبها العلماء الحاصلون على الجائزة بأنفسهم. في هذه المجموعة الرائعة يخبرنا الفائزون بالجائزة عن مسارهم في العلوم، وكيف حققوا اكتشافاتهم العظيمة، والتوصيات التي يقدمونها للشباب للانخراط في العلوم. وحتى الآن، فإن هذه المجموعة تحتوي على 5 مقالات (نُشرت في أواخر عام 2021)، وستنشر 5 مقالات أخرى في يونيو/حزيران الجاري.

ويشير فينتر إلى أنهم يهدفون إلى نشر 20 مقالة ضمن "مجموعة مقالات نوبل"؛ إذ حازت هذه المجموعة على ما يقرب من 55 مليون مشاهدة على مواقع التواصل الاجتماعي وحدها، وما يقارب من 460 ألف مشاهدة للصفحة الخاصة بها على الموقع.

ويحتوي كل قسم من الأقسام آنفة الذكر على مقالات تصنف إلى نوعين:

1. مقالات تعرض المفاهيم الأساسية للطفل عن هذا المجال والتي تُوسم بعنوان "مفاهيم أساسية".

2. مقالات تقدم الجديد في هذا المجال؛ والتي تُوسم بعنوان "اكتشافات جديدة".

وأعرب فينتر عن أنهم يرحبون دوما بأي اقتراحات خاصة بمواضيع جديدة، إذ يمكن للأطفال إرسال أفكارهم ومقترحاتهم على البريد الإلكتروني الخاص بالمجلة (kids@frontiersin.org). ويستغرق الأمر بضعة أشهر، وذلك للبحث عن مؤلفين مناسبين لكتابة المقال، ومراجعته، وتحريره.

ويستطيع الأطفال العرب إرسال تساؤلاتهم باللغة العربية إلى فريق المجلة الناطق بالعربية على البريد الإلكتروني التالي: (kids.arabic@frontiersin.org).

وعن المحتوى الذي تقدمه المجلة بشكل عام ومدى أمانه ومناسبته للأطفال، يطمئن فينتر "الآباء ومقدمي الرعاية بأن الموقع لا يضم أي محتوى يتطلب أي تحذيرات خاصة بشأنه، ويقدم كل شيء بطريقة علمية دقيقة، إضافة إلى كونه ممتعا".

"مجموعة مقالات نوبل" تكتب واسطة علماء حاصلين على جائزة نوبل (فرونتيرز فور يانغ ماينز)
"مجموعة مقالات نوبل" تكتب بواسطة علماء حاصلين على جائزة نوبل (فرونتيرز فور يانغ ماينز)

كيف أراجع أحد المقالات؟

ولأن المقالات "تتم مراجعتها -قبل نشرها- بواسطة الأطفال أنفسهم ممن هم في المرحلة العمرية بين 8 و15 عاما، فإنها تكون سهلة لقارئيها من الأطفال ممن هم في الفئة العمرية نفسها" كما تقول لونغ للجزيرة. ويُكتب مع كل مقال اسم مؤلفه واسم الطفل -أو مجموعة الأطفال- الذي قام بمراجعة المقال وعمره.

ويضيف فينتر أنه "بفضل تعليقات الأطفال الصادقة جدا، فقد أصبحت المقالات مصدرا (للمعرفة العلمية) لعامة الجمهور، بدءا من الأطفال حتى أجدادهم".

وعن المتطلبات التي يبحثون عنها في الأطفال المُراجِعين، يقول فينتر إنهم ينشدون الأطفال "الحريصين على التعلم والمستعدين لتخصيص الوقت من أجل المشاركة في هذه العملية. وإضافة إلى ذلك، فلا بد أن يكون لديهم مشرف علمي، ويجب أن يكون عالما مهنيا لديه الخبرة في البحث والمراجعة"؛ إذ لا تقوم المجلة بقبول الأطفال المُراجِعين مباشرة، بل يتم التقدم للمراجعة من خلال مرشد العلوم عبر موقع المجلة الإلكتروني، ويشير فينتر إلى أن "المرشدين العلميين -الذين يعملون مع المُراجِعين الأطفال الشباب- يمثلون 55 دولة، بما في ذلك المنطقة العربية".

تنقسم المقالات إلى "مفاهيم أساسية" و"اكتشافات جديدة" (فرونتيرز فور يانغ ماينز)
المقالات تنقسم إلى "مفاهيم أساسية" و"اكتشافات جديدة" (فرونتيرز فور يانغ ماينز)

إحصاءات خطيرة

ويشير فينتر أن هناك عالمين وراء إنشاء هذه المبادرة، هما روبرت نايت من جامعة كاليفورنيا في بيركلي؛ وهو صاحب الفكرة الأولية، وإيدان سيغيف من الجامعة العبرية في القدس؛ الذي شارك في إنشاء المجلة. وحتى الآن، فإن هذه المجلة تصدر بـ3 لغات: الإنجليزية والعربية والعبرية.

يشار إلى أن موقع المجلة صُنِّف من قبل جمعية المكتبات الأميركية على أنه واحد من أفضل مواقع الأطفال عام 2014، وذلك قبل أن يحتوي الموقع على أول 50 مقالا.

ويذكر فينتر في إجابته عن أحد الأسئلة الموجهة لها بخصوص نسبة مشاركة المنطقة العربية في تصفح هذه المقالات أن "هناك ما يزيد على 20 مليون مشاهدة وتحميل -عالميا- لإجمالي صفحات النسخة الإنجليزية من المجلة، من بينها 200 ألف فقط من المنطقة العربية"؛ مما يعني أن نسبة تفاعل الوطن العربي بأكمله مع هذه المبادرة لا يتعدى 0.01%. وقد بلغ زائرو النسخة العربية من الموقع حتى الان ٥٠٠ الف زائر.

وقال فينتر في إجابته إن أعلى الدول تصفحا لموقع المجلة مرتبة كالآتي:

  1.  الولايات المتحدة
  2. المملكة المتحدة
  3. كندا
  4. ألمانيا
  5. إسرائيل
  6. هولندا
  7. أستراليا
  8. البرازيل
  9. سويسرا
  10. إسبانيا

ويذكر فينتر أن "الصين لم تأت ضمن أعلى 15 دولة تصفحا لموقع المجلة"، ولذا فإن فريق المجلة يخطط لإصدار نسخة منها باللغة الصينية، إذ يأملون تحقيق ذلك خلال هذا العام، كما أنهم يسعون لإصدار نسخة أخرى بالفرنسية.

ويرى الدكتور قابيل أن هذه المجلة تعد فرصة ثمينة "لمناقشة مخرجات البحوث العلمية مع الأطفال، والاستماع لوجهة نظرهم حيال هذه الاكتشافات، كما تساعد على الاقتراب من تفكير الأطفال ومعرفة اهتماماتهم وتفكيرهم وقراءة أحلامهم في مجالات العلوم والتكنولوجيا". وهو ما يعود بنفع كبير على الطفل والمجتمع ككل.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية