الحمض النووي يروي قصة جديدة عن أصول السكان الأصليين للأوروغواي

الحملات العسكرية الأوروبية على أوروغواي كانت سببا رئيسا في تدمير رفات السكان الأصليين (الفرنسية)

يقتصر التاريخ الحديث للأوروغواي -ذلك البلد الواقع على منتصف أسفل الساحل الشرقي لقارة أميركا الجنوبية- على الصراع الأوروبي الذي شكلته المصالح الاستعمارية للقوى الإسبانية والبريطانية والبرتغالية، إذ إننا لا نعرف أي شيء عن تاريخ سكان الأوروغواي الأصليين.

غير أن دراسة حديثة نشرت في دورية "بي إن إيه إس نيكساس" (PNAS Nexus) في 21 أبريل/نيسان الماضي استطاعت سماع صدى شعوب الأوروغواي الأصليين بعدما كان مفقودا منذ عصور ما قبل التاريخ.

وطبقا للبيان الصحفي الذي نشرته إحدى مدونات "جامعة إيموري" (Emory University) الأميركية، فإن هذه الدراسة تقدم أول رصد للتسلسل الوراثي الكامل الخاص بشعب أوروغواي القدامى. ومن ثم فإنها تمنحنا نظرة تاريخية على السكان الأصليين لهذه المنطقة.

والجدير بالذكر أن الحملات العسكرية الأوروبية على هذه المنطقة كانت سببا رئيسا في تدمير رفات السكان الأصليين، ولذا فقد بات التعرف على سمات السكان الأصليين أمرا صعب المنال.

وحسب التقرير الذي نشره موقع "ساينس ألرت" (Science Alert)، فإن الباحثين قاموا بتحليل رفات اثنين من الأشخاص الذين عاشوا قبل فترة طويلة من رحلة كريستوفر كولومبوس التي عبرت المحيط الأطلسي لاستكشاف العالم الجديد (الأميركتين).

أميركا الجنوبية كانت موطن تنوع إقليمي ولم تكن تنتمي إلى أصل واحد (رويترز)

هجرات مختلفة

وقد كشفت نتائج هذه التحاليل عن أدلة جديدة تشير إلى أن سكان أميركا الجنوبية الأصليين لا يتبعون جميعا هجرة واحدة. ويذكر جون ليندو، عالم الأنثروبولوجيا بجامعة إيموري والمشارك في الدراسة أن هذه النتائج "تدعم الفكرة القائلة بأن أميركا الجنوبية كانت موطن تنوع إقليمي، وذلك عوضا عن الفكرة الأحادية التي تزعم أن الشعوب في أميركا الشمالية والجنوبية تنتمي إلى عرق أميركي أصلي واحد".

وقد اكتُشِفت الرفاتان في موقع حفر أثري عمره ألفا عام يقع على مدينة روشا الساحلية في جنوب شرق أوروغواي. كما كشفت التحاليل الوراثية أن الرفات الأول لأنثى، وعمره يقدر بحوالي 1400 عام. غير أنه كان من الصعب تحديد جنس الرفات الثاني، والذي يبدو أنه عاش منذ حوالي 650 عاما.

وعلى الرغم من أن هاتين الرفاتين تفصلهما قرون عديدة من السنوات، فإن جيناتهما قد ساعدت على الربط بين سكان أوروغواي الأصليين وشعوب البرازيل الشرقية وشعوب بنما القديمة (تلك الأرض الممتدة التي تربط بين أميركا الجنوبية وأميركا الشمالية).

غياب ارتباط الشعوب الأصلية للأوروغواي وسكان الأمازون سببه انفصال حدث بين الأجداد (رويترز)

عرق مندثر

ومن المثير للدهشة أن جينومي الرفاتين المكتشفتين لا يبدو أنهما يرتبطان بأي شكل وثيق بسكان الأمازون الأصليين (الشعوب الأصلية التي ما زالت تسكن غابات الأمازون في أميركا الجنوبية)، مما يُرَجِّح أن هناك فصلا قد حدث بين الأجداد، مما تسبب في غياب هذا الارتباط الجيني بين الشعوب الأصلية التي سكنت أميركا الجنوبية.

ويذكر ليندو أن هذا الأمر "يتعارض مع نظرية الهجرة الأحادية". غير أن الفصل في هذا الجدل يتطلب مزيدا من الأدلة، والتي يصعب جمعها بسبب مناخ أميركا الجنوبية. فعلى النقيض من أوروبا، فإن الظروف الرطبة والدافئة في معظم أنحاء قارة أميركا الجنوبية لا تساعد على حفظ المادة الوراثية داخل عظام الموتى، فضلا عن أن عمليات الإبادة الجماعية والعبودية أسهمت في تشتت وتشريد السكان الأصليين، ولذا فإن تتبع الجينوم الخاص بهم -قبل فترة الغزو الأوروبي- يعد أمرا صعبا.

والجدير بالذكر أن الفصل الأخير من الماضي العرقي الخاص بالسكان الأصليين في أوروغواي كتب عام 1831، عندما قُضِي على آخر مجموعة من السكان الأصليين على يد الدولة، ولذا، فإن أوروغواي تفتقر إلى معرفة أصلها العرقي.

ويختتم ليندو أن هذه "التسلسلات الجينية الكاملة لسكان أوروغواي الأصليين مكّنتنا من إعادة بناء، ولو كان جزءا صغيرا على الأقل من التاريخ الوراثي لهذه الشعوب".

المصدر : ساينس ألرت + مواقع إلكترونية