قصة نيازك الجزائر وتهريبها في أول كتاب عنها أعده البروفيسور جلول بلحاي

أول كتاب حول النيازك الجزائرية من إعداد البروفيسور جلول بلحاي
البروفيسور جلول بلحاي تتبع قصة النيازك الجزائرية في أول كتاب عنها (الجزيرة)

بعد حصوله على شهادة الدكتوراه في علوم الجيولوجيا من جامعة باب الزوار عام 1996، قرر البروفيسور جلول بلحاي خوض غمار تخصص علم النيازك الذي كان آنذاك تخصصا نادرا في الجامعات الجزائرية.

وتمكن جلول بلحاي في فترة وجيزة من تحويل الاهتمام وأنظار المشرفين على جامعة باب الزوار إلى هذا التخصص وهو ما سمح له بإنشاء مخبر في علوم النيازك وتكوين فريق واسع من الباحثين في علم الأكوان.

خبرته الطويلة في هذا التخصص دفعته إلى تأليف كتاب حول النيازك الجزائرية حمل اسم "النيازك والحفر النيزكية في الجزائر" (Les Météorites et les Cratères d’Impact Météoritiques en Algérie) وصدر هذا العام 2022، ووضع فيه جهد أكثر من 20 عاما، وأصبح أول مؤلف في الجزائر حول النيازك، هذه الحجارة الثمينة التي سبقت شهرتها في المخابر العالمية شهرة الخبراء الجزائريين.

الجزيرة نت التقت البروفيسور جلول بلحاي وحاورته في سهرة رمضانية حكى فيها قصة هذه النيازك الجزائرية التي طافت حول العالم.

الدكتور جلول بلحاي كوّن على مدى 20 عاما فريقا متخصصا في علم النيازك (الجزيرة)
  • في البداية.. لماذا كتاب حول النيازك الجزائرية؟

وجود النيازك على كوكب الأرض يعود لملايين السنين، إلا أن الاهتمام بها من الناحية العلمية لم يبدأ سوى عام 1803 في فرنسا، آنذاك أثير جدل حول أهميتها وحتى حول ما إذا كانت هذه الأحجار فعلا تسقط من السماء لأن بعض العلماء كان يشكك في ذلك.

وفي عام 1864 أي خلال فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر أعلنت المديرية العامة للمناجم آنذاك أنها عثرت على نيزك في منطقة سور الغزلان التابعة لولاية البويرة، وتقع جنوب غرب العاصمة الجزائر، وكان بذلك أول نيزك يتم العثور عليه في الجزائر.

بعدها تم العثور على نيزك آخر في منطقة دلس الساحلية، شرق العاصمة الجزائر عام 1865، ثم في نفس العام تم العثور على نيزك ثالث في منطقة تمنطيط التابعة لولاية أدرار جنوب غرب الجزائر، ولكن هذه المرة كان بحوزة شيخ زاوية، وهو النيزك الذي يزن حوالي 510 كيلوغرامات، وهو الآن في المتحف الوطني الفرنسي للتاريخ بباريس، ويعد من بين أثقل النيازك التي تم العثور عليها في العالم. وعلى العموم فقد تم خلال الفترة الاستعمارية العثور على 12 نيزك من أثمن النيازك آخرها كان نيزك رقان عام 1956.

ومن هنا تلاحظ بأن قصة النيازك في الجزائر لها أهميتها من الناحية العلمية، وكان لزاما على أحد من الخبراء توثيق كل ذلك في كتاب لضمان انتقال هذه المعارف إلى الأجيال القادمة ومن هنا جاء الكتاب الأول في الجزائر حول النيازك.

  • كيف كان اهتمام العلماء بالنيازك الجزائرية في تلك المراحل الأولى من اكتشافها أي في القرن الـ19؟

في تلك الفترة لم تكن الدراسات العلمية التي أجريت على النيازك في مختلف بلدان العالم بقدر عال من الأهمية نظرا لنقص الإمكانات وأيضا لعدم وجود اهتمام كبير بها لأن الكثير من الخبراء كانوا يجهلون أهميتها.

لقد بدأ الاهتمام بهذه الحجارة مع بداية اهتمام الأميركيين بغزو الفضاء في الستينيات من القرن المنصرم لأنها المادة الوحيدة القادمة من الفضاء التي يحوزها البشر، وقد زاد هذا الاهتمام وبلغ ذروته في الثمانينيات، حيث عكف الكثير من العلماء على دراستها في المخابر وكانت النتائج مذهلة.

من نيازك الجزائر نيزك "عرق الشاش 02" وعمره حوالي 4 مليارات و565 سنة (الجزيرة)
  • لماذا هناك اهتمام متزايد بالنيازك في صحراء الجزائر؟

بدأ الاهتمام بالنيازك في الجزائر عام 1989 من طرف خبراء أجانب، ففي عام 1991 تمكن فريق ألماني من اكتشاف منطقة في الصحراء تسمى "العرق الأصفر" تقع غرب منطقة عين صالح (80 كيلومترا / 50 كيلومترا) وهي منطقة مرتفعة وتكسوها رمال وحجارة بيضاء، تقع جنوب الجزائر، ويسهل العثور فيها على النيازك.

وخلال فترة وجيزة تمكن الفريق الألماني من جمع حوالي 450 نيزكا؛ هي من أهم النيازك المعروفة حاليا في أوساط العلماء في العالم. وبعدها توافد الكثير من البعثات العلمية من إيطاليا وفرنسا للبحث عن النيازك وتم العثور على الكثير منها، وقد تم إخراجها من الجزائر بطرق مشروعة عبر المطارات، وغير مشروعة، حيث هناك شبكات تهريب نمت مع مرور الوقت في الصحراء.

  • متى بدأ اهتمامك بالنيازك؟

في عام 1996 حصلت على شهادة الدكتوراه في تخصص الجيولوجيا وبعدها قررت العمل على النيازك لأني وجدت أن هذا التخصص كان بحاجة كبيرة إلى مزيد من الاهتمام العلمي به.

وبدأت أولا في العمل على دراسة الحفر التي خلفتها النيازك وكانت أولى مهماتي الميدانية عام 1998 بمدينة الأغواط بالصحراء، حيث قمنا بدراسات على حفرة "حاسي الدلاعة"، وقمت بعدها بإنشاء أول فريق بحث علمي في هذا التخصص بجامعة باب الزوار، ومع مرور الوقت كبر هذا الفريق وهو يضم حاليا علماء بعضهم انتقل للعمل خارج الوطن.

من نيازك الجزائر نيزك "أصفر 086" الذي تم اكتشاف مواد بروتينية فضائية فيه (الجزيرة)
  • حدثنا عن أهم الفصول التي جاءت في كتابك؟

طبعا في البداية هناك مقدمة تحدثت فيها عن تاريخ النيازك في العالم من الناحية النظرية، وتطرقت فيها إلى حديث ابن سينا عنها وأبرزت كيف كان من بين العلماء الذين أكدوا أن النيازك تسقط فعلا من السماء وقام بتقسيمها الى نيازك حديدية وصخرية.

وتحدثت أيضا عما جاء حول النيازك في القرآن الكريم وكيف قمت سمّيتُ النيزك الذي عثرت عليه عام 2002 في منطقة عرق لصفر بـ"الحسبان"، كما سمّيتُ بعد ذلك كل النيازك التي هي بحوزتي بالحسبان.

وفي الفصل الأول تحدثت عن النيازك الجزائرية من حيث أنواعها وتكوينها الحديدي والصخري وغيرها وأهميتها وكل ما يتعلق بها. وفي الفصل الثاني تحدثت عن الحفر التي خلفتها النيازك في الجزائر وفي العالم بصفة عامة، ولعلمكم فإن هناك 180 حفرة في العالم، منها 4 في صحراء الجزائر، بينما فرنسا لديها حفرة واحدة.

وتحدثت في هذا السياق عن خطر سقوط النيازك على البشر، وهناك أمثلة كثيرة على ذلك مثل نيزك تشيليابنسك الذي سقط عام 2013 في روسيا وخلف حوالي 1400 جريح منهم 200 طفل.

  • هل يمكن تفادي ذلك؟

الكثير من المختبرات العالمية تعمل حاليا على ذلك كمحاولة تغيير مسار النيازك، لكن النتائج المتحصل عليها لحد الآن ليست في مستوى التطلعات.
اقتراب النيازك من الأرض يتم تحديده وفق مقياس "تورين" (Turin)، وأيضا مقياس "باليرما" (Palerme) التي تم استحداثهما لتصنيف خطورة النيزك من حيث قربه من الأرض.

وفي 2008 سقط نيزك في صحراء السودان، انفجر إلى حوالي 600 قطعة وأصبح يعرف بـ"المحطة ستة"، وقد تمكن الأميركيون من تحديد مساره 12 ساعة قبل سقوطه على الأرض، وقاموا بتجهيز بعثة علمية حلت بالسودان بعد ساعات فقط من سقوطه، ومن هنا يمكننا الاستنتاج أنه لا يمكننا اليوم تفادي سقوط النيازك، ربما نستطيع ذلك مستقبلا.

من نيازك الجزائر؛ قطعة من نيزك الإدريسية الذي سقط في ولاية الجلفة عام 1989 (الجزيرة)
  • هل يمكن استرجاع النيازك الجزائرية الموجودة حاليا في المتاحف والمخابر العالمية؟

في عام 2002 طلبت من السلطات الجزائرية إنشاء مرصد وطني للنيازك، لكن لحد الآن لم يلق طلبي أي اهتمام، ليس هناك على ما يبدو اهتمام بالموضوع، ولذلك لا يمكننا الحديث عن إمكانية استرجاع هذه الحجارة الكنز.

النيازك هي حجارة قادمة من الفضاء الخارجي ونحن العلماء في الجزائر وفي دول العالم الثالث ليس لدينا إمكانية اكتشاف الفضاء، وبالتالي فإن هذه النيازك هي بمثابة نافذة على الكون الخارجي وأنا أتوقع بأن تطور العلوم سيمكننا من اكتشاف المزيد عن الفضاء الخارجي.

فمثلا نيزك "أصفر 86" سقط في صحراء الجزائر عام 1986 وقد تمت دراسته عام 1994؛ حيث وجد فيه الخبراء ذرات تعود لفترة ما قبل ميلاد الشمس وهذا أمر مذهل. ومؤخرا، خضع هذا النيزك لدراسة علمية جديدة وقد كانت النتائج مذهلة حيث اكتشف العلماء أنه كان يحمل بروتينات من خارج الفضاء.

  • كيف تتصور مهمة المرصد الوطني للنيازك؟

مهمة هذه الهيئة ستكون رصد النيازك واقتفاء آثارها وأيضا استرجاع ما يمكن استرجاعه من المتاحف والمخابر العالمية التي تعج بهذه الحجارة الثمينة التي ليس لدينا عنها سوى صور.

في إحدى المرات، وصلتني دعوة لتنشيط ندوة علمية حول نيزك دلس الذي سقط في عام 1865 شرق العاصمة الجزائرية، ونحن لا نملك عينة منه، فقمت بمراسلة إدارة متحف فيينا طلبت منها صورا لهذا النيزك الذي يزن حوالي 10 غرامات، تم شراؤه من متحف باريس عام 1882. وهناك قطعة أخرى من نيزك دلس بمتحف بومباي بالهند، لست أدري كيف وصلت هناك لكنه فعلا واقع مؤسف نعمل جاهدين على تغييره.

هناك 180 حفرة نيزكية في العالم، منها 4 في صحراء الجزائر وحدها (الجزيرة)
  • هل من كلمة أخيرة؟

يجب التأكيد مجددا على أهمية إنشاء مرصد وطني للنيازك، نحن بحاجة إلى هذه الهيئة خاصة فيما تعلق باقتفاء آثارها لأن هناك شبكات تهريب واسعة على الحدود المالية والمغربية.

على الحدود المغربية مثلا هناك شبكات تعمل على مستوى مدن الراشدية وأرفود وطاطا؛ علما أن مدينة أرفود بها أكبر سوق سوداء لبيع النيازك ومن ثم نقلها إلى المخابر العالمية، والكثير منها يتم تحت مسمى "نيازك شمال أفريقيا "، وفي الحقيقة فإن أغلبها جزائرية وأنا متأكد من أن عدد النيازك الجزائرية في المخابر والمتاحف العالمية يناهز 14 ألف نيزك وليس 1200 نيزك كما يشاع.

أنا متأكد من أنه باستطاعتنا استعادة الكثير من هذه النيازك لأن لا أحد اليوم يمكنه أن ينكر بأنها جزائرية أو يرفض عودتها لبلدها الأصلي، هي حجارة ثمينة ومع الأسف شهرتها في المخابر العالمية سبقت شهرة خبرائنا.

المصدر : الجزيرة