الجنس البشري ليس الوحيد الذي يلعب دور الطبيب والمريض.. الشمبانزي يفعلها كذلك

يركز فريق البحث على البعد الاجتماعي للسلوك، مثل من هم الفاعلون الرئيسيون والمستقبلون الرئيسيون للعلاج، بالإضافة إلى عمليات التعلم الاجتماعي التي تسمح بانتقاله.

مشروع الشمبانزي أوزوجا لاحظ لأول مرة كيف يعالج الشمبانزي جروحه بالحشرات (يورك ألرت)

لاحظ فريق بحثي من جامعة أوسنابروك الألمانية (Osnabrück University) ومشروع الشمبانزي أوزوجا (Ozouga Chimpanzee Project) -لأول مرة عام 2019- حيوان شمبانزي يعالج جروحه وجروح أفراد من نفس نوعه عن طريق استخدام الحشرات.

وقام الباحثون بالتحقيق في سلوك مجتمع يضم حوالي 45 شمبانزي يعيش في حديقة سافانا تدعى لوانجو الوطنية (Loango National Park) تبلغ مساحتها 1550 كيلومترا مربعا تقع غرب الغابون، مع التركيز بشكل خاص على علاقاتها الاجتماعية وتفاعلاتها وخلافاتها مع المجموعات الأخرى، وسلوكها في الصيد واستخدام الأدوات ومهاراتها المعرفية والتواصلية.

ومؤخرا، تم نشر نتائج البحث تحت عنوان "تطبيق الحشرات على جروح الذات والآخرين في الشمبانزي في البرية" بدورية "كارنت بيولوجي" (Current Biology) في 7 فبراير/شُباط الجاري.

لم يتم توثيقه من قبل

تعد هذه الحديقة موطن مشروع الشمبانزي أوزوجا بقيادة الدكتور توبياس ديشنر والبروفيسور سيموني بيكا عالم الأحياء المعرفي بجامعة أوسنابروك.

وبحسب بيان صحفي -نشر على موقع "يوريك ألرت" Eurek Alert- تتذكر أليساندرا ماسكارو، وهي عالمة أحياء تطورية ناشئة متطوعة بالمشروع، ملاحظتها الأولى، وتقول "كنت أتابع أنثى شمبانزي تُدعى سوزي، وشاهدتها وهي تميل إلى القدم المصابة لابنها المراهق سيا. يبدو أنه كان لديها شيء بين شفتيها ثم قامت بتطبيقه على الجرح الموجود في قدم سيا".

وتضيف ماسكارو "في وقت لاحق من ذلك المساء، أعدت مشاهدة مقاطع الفيديو الخاصة بي ورأيت أن سوزي قد مدت يدها أولا لالتقاط شيء وضعته بين شفتيها ثم وضعته مباشرة على جرح مفتوح في قدم سيا. بمناقشة هذه الملاحظات والوظيفة المحتملة للسلوك مع أعضاء الفريق، أدركنا أننا لم نشهد مثل هذا السلوك مطلقا وأنه لم يتم توثيقه من قبل".

الشمبانزي في الغابون يعالج الجروح بالحشرات (يورك ألرت)

بالنظر إلى لقطاتها، أدركت ماسكارو أن سوزي قد انتزعت العلاج الموضعي مباشرة من الجانب السفلي من الورقة، وبدا وكأنه حشرة صغيرة داكنة. وبعد أسبوع، شاهدت لارا ساذرن، وهي طالبة دكتوراه بفريق البحث، ذكر شمبانزي بالغا يسحب ورقة من فمه، ويلتقط حشرة بشفتيه، ويمسكها بإبهامه والسبابة. ثم قام بتطبيق ما انتزعه من الشجيرة على جرح عمره يوم واحد في ثنية ذراعه.

وبمناقشة تلك الملاحظات والوظيفة المحتملة للسلوك مع أعضاء الفريق، أدركوا أنهم لم يشاهدوا مثل هذا السلوك مطلقا وأنه لم يتم توثيقه من قبل، وبدأت ماسكارو وزملاؤها في ملاحظتها بانتظام.

وكما أشار تقرير منشور على موقع "ساينس ألرت" Science Alert وعلى مدار 15 شهرا التالية، وثق باحثو مشروع الشمبانزي بعناية 20 حدثا مشابها آخر على الساحل الغربي لأفريقيا. ومعظم الأوقات، قامت حيوانات الشمبانزي بعلاج جروحها بالحشرات مجهولة الهوية، ولكن كانت هناك عدة مناسبات ساعدت فيها بعضها البعض أيضا.

حديقة لوانجو الوطنية تقع غرب الغابون (غيتي إيميجز)

التطبيب الذاتي

يقول عالم الأحياء بيكا "التطبيب الذاتي، حيث يستخدم الأفراد أجزاء نباتية أو مواد غير غذائية لمكافحة مسببات الأمراض أو الطفيليات، قد لوحظ عبر أنواع حيوانية متعددة بما في ذلك الحشرات والزواحف والطيور والثدييات".

ويضيف "الشمبانزي والبونوبو، على سبيل المثال، يبتلعان أوراق النباتات ذات الخصائص المضادة للديدان ويمضغان الأوراق المرة التي لها خصائص كيميائية لقتل الطفيليات المعوية."

ورغم ملاحظات الشمبانزي التي استمرت لعقود في أفريقيا، فإن هذه المرة الأولى التي يلاحظ فيها سلوك مشابه بين مجتمعاته، وهذا يشير إلى أن الجنس البشري ليس الوحيد الذي يلعب دور الطبيب والمريض.

ومن المعروف أن الشمبانزي يُظهر العديد من السلوكيات التي يبدو أنها اجتماعية على السطح، بما في ذلك تقاسم الطعام، والتبني، والصيد التعاوني، ويبتلع أوراق النباتات الطبية للمساعدة في درء الالتهابات المعوية، لكن التطبيق الموضعي للحشرات كدواء اكتشاف جديد.

الشمبانزي يُظهر العديد من السلوكيات التي يبدو أنها اجتماعية (غيتي إيميجز)

ويقوي التطبيق الموضعي للعلاج على جروح شمبانزي آخر فكرة أن البشر ليسوا وحدهم الذين يمكنهم التصرف لصالح شخص آخر. ويمكن أن تساعدنا دراسة الشمبانزي بشكل أكبر على فهم كيف بدأت هذه السلوكيات الاجتماعية في التطور لأول مرة وما فوائدها التطورية.

ومن المعروف أن البشر أنفسهم يستخدمون الحشرات بطريقة مشابهة جدا، حيث إن الأجسام الصغيرة لبعض اللافقاريات لها خصائص طبية. وتشير السجلات المكتوبة، على سبيل المثال، إلى أن "العلاج باليرقات" قد استخدم من قبل البشر لعلاج الجروح لآلاف السنين في جميع أنحاء العالم.

يعود البروفيسور بيكا فيقول "اللافت بشكل خاص أن نشهد أن الأفراد لا يعالجون فقط جروحهم فقط بل جروح الآخرين غير المرتبطين. نادرا ما تُلاحظ مثل هذه الأمثلة على السلوكيات الاجتماعية الإيجابية الواضحة بالأنواع غير البشرية".

التطبيق الموضعي للعلاج يقوي فكرة أن البشر ليسوا وحدهم الذين يتصرفون لصالح شخص آخر (غيتي إيميجز)

الخطوة التالية

كخطوة تالية، يهدف الباحثون إلى استعادة أجزاء الحشرات المتبقية لتحديد أنواعها وإجراء اختبارات بيولوجية للتحقق من الخصائص الصيدلانية المحتملة. علاوة على ذلك، سيركز الفريق على البعد الاجتماعي للسلوك، مثل من هم الفاعلون الرئيسيون والمستقبلون الرئيسيون "للعلاج" بالإضافة إلى عمليات التعلم الاجتماعي التي تسمح بانتقاله.

ويختم الدكتور ديشنر بالقول "تقدم ملاحظاتنا أول دليل على أن الشمبانزي يلتقط الحشرات بانتظام ويضعها على الجروح المفتوحة.. وتظهر دراستنا أنه لا يزال هناك الكثير لاستكشافه، وبالتالي مازال يتعين علينا بذل المزيد من الجهد لحمايته في بيئته الطبيعية".

المصدر : ساينس ألرت + يوريك ألرت