عالم الوراثة التونسي حمدي مبارك: تعزيز الخارطة الجينية العربية يمر عبر تطوير البنوك الحيوية

من المهم جدا وجود التمثيل العربي الذي يعزز برامج الجينوم والبنوك الحيوية العربية لكي تكون الاكتشافات المنبثقة عن هذه الدراسات شاملة ومتنوعة.

الدكتور حمدي مبارك يقود فريق بحث عربيا هدفه سد الفجوة العربية في دراسات الجينوم البشري (الجزيرة)

يتولى الدكتور حمدي مبارك الباحث في علم الوراثة الجزيئية وعلم الجينوم قيادة فريق بحث عربي يعمل على تعزيز التنوع في البحث الجيني وسد الفجوة العربية في دراسات الجينوم البشري.

ويسعى من خلال ذلك إلى الإسهام في المجهود العالمي لإنشاء قواعد بيانات جينية أكثر شمولا عبر دراسة التركيبة الجينية للشعوب العربية، إذ يعدّ ذلك ضروريا لفهم الأساس الجيني للأمراض وتوضيح العوامل البيولوجية أو عوامل الخطر الوبائية.

واهتمت دراسة صدرت يوم 12 أكتوبر/تشرين الأول الجاري في دورية "سِل جينوميكس" (Cell Genomics) بعنوان "المبادرة العالمية للتحليل التلوي للبنوك الحيوية: تعزيز الاكتشاف الجيني عبر الأمراض التي تصيب الإنسان" بدور البنوك الحيوية في خلق آفاق جديدة لعلم الجينوم.

ويوضح الدكتور حمدي مبارك، في حواره مع الجزيرة نت عبر البريد الإلكتروني، أن هذه الدراسة التي شارك فيها في إطار المبادرة العالمية للتحليل الجيني للبنوك الحيوية تناولت أكثر من 2.2 مليون عينة من 23 بنكا حيويا في جميع أنحاء العالم، وكان الهدف من ورائها تعزيز الاكتشافات الجينية للأمراض البشرية.

وتم التركيز على 14 مرضا من بينها الربو والنقرس والتهاب الزائدة الدودية والسكتة الدماغية وبعض أنواع السرطان، وأكدت النتائج وجود أكثر من 300 موقع في الجينوم سبق إثبات علاقتها بالمرض، كما حددت ما يقارب 200 طفرة جينية جديدة.

البنوك الحيوية ومشاريع الجينوم
البنوك الحيوية توفر موردا مهما في علم الجينوم والطب الدقيق والطب الشخصي (شترستوك)

مسيرة علمية ثرية انطلقت من تونس

الدكتور حمدي مبارك عالم تونسي حاصل على الأستاذية من جامعة تونس المنار بتونس العاصمة، والماجستير من جامعة باريس 11، والدكتوراه من جامعة "إيفري فال ديسون" (Evry Val d’Essonne) بباريس.

وهو متخصص في علم الوراثة البشرية الجزيئي، اشتغل باحثا ما بعد الدكتوراه في وراثة الصفات المعقدة بجامعة طوكيو، كما عمل باحثا بجامعة "في يو" (VU) بأمستردام، ويقود الدكتور مبارك اتحادا تعاونيا دوليا (اتحاد التوأمة الوراثي) لدراسة علم التوأمة ووزن التوائم عند الولادة، ويعدّ أول عالم يعثر على الجينات الأولى المسؤولة عن التوأمة ثنائية الزيجوت، كما يشغل حاليا منصب مدير الشراكات العلمية في قطر جينوم.

وتشمل خبرته وأبحاثه عددا من المجالات، منها التحليلات الجينية والوبائية للصفات المعقدة كالسمات السلوكية والنفسية العصبية والتناسلية، والدراسة الجزيئية للأمراض المعقدة كالسرطانات والتهاب الكبد المزمن "بي".

وله اهتمامات بعلوم الوراثة المتعلقة بالاكتئاب والإدمان، بالإضافة إلى استخدام مهارات المعلوماتية الحيوية لتحليل البيانات الجينية العالية الإنتاجية، والمعرفة الجزيئية والخلوية، لدراسة العلاقات بين السلوك البشري ونمط الحياة والأمراض النفسية وعلم الوراثة.

البنوك الحيوية ومشاريع الجينوم
المبادرة العالمية للتحليل التلوي للبنوك الحيوية تشمل أكثر من 2.2 مليون عينة من 23 بنكا حيويا (شترستوك)

المبادرة العالمية للتحليل التلوي للبنوك الحيوية

يقدم الدكتور حمدي مبارك المبادرة العالمية للتحليل التلوي للبنوك الحيوية باعتبارها مبادرة بحثية أُسّست سنة 2019 بقيادة باحثين من معهد "برود" التابع لمعهد "ماساتشوستس للتكنولوجيا" وجامعة هارفارد وباحثين من جميع أنحاء العالم، وتهدف لوضع أساس لمزيد من الدراسات التعاونية للأمراض التي لم تحظ بالدراسة الكافية، وتعزيز تمثيل الشعوب أو السلالات التي لم تدرس سابقا.

ويضيف أن هذا التعاون بوسعه أن يساعد أيضا البنوك الحيوية ذات الموارد المحدودة في الوصول إلى مزيد من البيانات والخبرة التحليلية.

ويقول الدكتور مبارك "بالعمل معا، يمكننا تعزيز فهم الإسهامات الجينية في الأمراض البشرية الشائعة وبناء قاعدة بيانات جينية بشرية أكثر شمولا وتنوعا".

البنوك الحيوية البشرية.. نحو التوسع والانتشار

البنوك الحيوية البشرية هي مستودعات لتخزين العينات البيولوجية (مثل الدم والأنسجة والخلايا وما إلى ذلك) وما يرتبط بها من معلومات (مثل الجينوم والبيانات الصحية) لاستخدامها في المجالات البحثية.

وتوفر البنوك الحيوية ذات البيانات الصحية المرتبطة بالمعلومات الجينومية موردا مهما في علم الجينوم والطب الدقيق والطب الشخصي، وهي موارد قيّمة وأساسية للنهوض بالتكنولوجيا الحيوية وصحة الإنسان والبحث والتطوير في علوم الحياة.

ويضيف الدكتور مبارك أن البنوك الحيوية توجد في قائمة "10 أفكار تغير العالم الآن" المنشورة في مجلة "تايم" (TIME) عام 2009، وقد تم إنشاء العديد من هذه البنوك الواسعة النطاق في البلدان المتقدمة كالدانمارك والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية واليابان.

أما في العالم العربي فتتمحور معظم أنشطة البنوك الحيوية حول تجميع عينات خاصة بالأمراض الوراثية والأمراض النادرة، وتوجد هذه البنوك الحيوية في تونس والأردن ومصر والسعودية، أما قطر فأنشأت بنكا حيويا على نطاق مجتمعي واسع.

البنوك الحيوية ومشاريع الجينوم
خبرة الدكتور حمدي مبارك وأبحاثه تشمل استخدام مهارات المعلوماتية الحيوية لتحليل البيانات الجينية (شترستوك)

تعزيز الخارطة الجينية العربية

يقول الدكتور حمدي مبارك "نعمل في برنامج قطر جينوم، عضو مؤسسة قطر، على دراسة التركيبة الجينية للسكان القطريين والشعوب العربية الأخرى، وإنشاء قواعد بيانات جينومية واسعة النطاق، وإتاحة الفرص للباحثين لإدخال الطب الدقيق والرعاية الصحية الشخصية إلى نظام الرعاية الصحية الوطني".

ويضيف "هذه ليست المرة الأولى التي نشارك فيها في بحث دولي ونمثل الخارطة الجينية العربية التي للأسف ما زالت غير ممثلة تمثيلا كافيا بالمقارنة بهيمنة الدراسات المتركزة على شعوب ذات أصول أوروبية".

ويتابع الدكتور مبارك أن من المهم جدا وجود التمثيل العربي الذي يأمل في أن يتعزز ببقية برامج الجينوم والبنوك الحيوية العربية لكي تكون الاكتشافات المنبثقة عن هذه الدراسات شاملة ومتنوعة، مشيرا إلى أن هناك تقدما عربيا ملحوظا في اتجاه التركيز على البحث والتطوير في المجال العلمي والطبي بخاصة بعد بروز جائحة "كوفيد-19".

فالعديد الدول العربية -وفق الدكتور مبارك- أعلنت في المدة الأخيرة عن برامج رائدة للجينوم وهذا هو المطلوب في ظل أهمية البحث العلمي للارتقاء بالشعوب علميا ومعرفيا.

ومشاريع الجينوم Technology, science, DNA, genetic engineering. Dna molecule in low poly arm
العديد من الدول العربية بدأت مشاريع خاصة للجينوم وأصبح بعضها يمتلك بنوكا حيوية (شترستوك)

التعاون وتبادل البيانات ضرورة

تتميز الأمراض التي تصيب الإنسان بمجموعة محددة من الأعراض الناشئة عن تغيرات معينة في المسارات البيولوجية، غير أن المرضى الذين يعانون من أمراض مماثلة ليسوا متطابقين، ويوضح الدكتور مبارك أن من أكثر القصص إثارة في الطب هي التقدم الهائل الذي تشهده الرعاية الصحية الشخصية، والمعروفة أيضا بالطب الدقيق.

ونتائج مثل هذه الدراسات تمكّن الباحثين من إعطاء الأولوية لدراسة متغيرات جينية معينة لفهم الآليات البيولوجية الكامنة وراء المرض في مجموعات سكانية محددة بشكل أفضل، ومن ثم تطوير أساليب الوقاية والعلاج المناسبة.

والمطلوب اليوم، حسب الدكتور حمدي مبارك، هو تكثيف التعاون وتبادل البيانات والخبرات بين العلماء، فالبحث العلمي اليوم تطور وأصبح أكثر انفتاحا وشفافية، ويجب إعطاء الفرصة وتحفيز الباحثين في الدول ذات الموارد الأقل للحاق بالركب، فالغاية واحدة وهي تحقيق المنفعة للبشرية جمعاء.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية