باحثة مصرية تطلب إعادة فحص "المومياء الحامل".. وفريق بولندي يفسر كيف تم "تخليل" الجثة

"مشروع مومياء وارسو" كشف عن أول حالة معروفة لمومياء مصرية قديمة حامل (الفرنسية)

كشفت دراسة جديدة لفريق من العلماء البولنديين -نشرت بدورية "جورنال أوف أركيولوجيكال ساينس" (Journal of Archaeological Science) في عدد يناير/كانون الثاني الجاري- كيف تمكن جنين محفوظ داخل أحشاء مومياء امرأة مصرية قديمة من البقاء لأكثر من ألفي عام، حتى يومنا هذا، وشبّه الباحثون عملية تحنيط الجنين بعملية "تخليل بيضة".

كانت المرأة المصرية القديمة قد ماتت قبل أكثر من ألفي عام، ولا تزال هويتها وكيفية موتها لغزَين بلا حل. وذكر تقرير نشر على موقع "ساينس ألرت" (Alert Science) أن "مشروع مومياء وارسو" كشف طريقة الحفاظ على الجنين داخل جسد المومياء المصرية.

وقال فريق البحث بقيادة عالمة الآثار البيولوجية "مارزينا أورايك سيسيلكي" في جامعة وارسو إن الرحم بقي على حاله سليما لم يمسسه شيء، وإنه تم حفظ الجنين على شكل "مخلل"، موضحا أنها ليست المقارنة الأكثر جمالية، ولكنها تنقل الفكرة.

مومياء السيدة الغامضة

في أبريل/ نيسان 2021، كشف "مشروع مومياء وارسو" (Warsaw Mummy Project) بجامعة وارسو -الذي تم إطلاقه في عام 2015- عن أول حالة معروفة لمومياء مصرية قديمة حامل، وكانت لبقايا مومياء من القرن الأول قبل الميلاد ضمن مجموعة المتحف الوطني في وارسو، وتم إحضارها إلى هناك عام 1826.

وكشف الفحص الدقيق باستخدام التصوير المقطعي أن المرأة كانت بين 20-30 سنة عندما توفيت، وكانت في الأسبوع 26 إلى 30 من الحمل. وظلت العديد من الأسئلة حول المرأة مثل من هي وكيف ماتت؟ -منذ ما يزيد قليلا على ألفي عام- لغزا محيرا للعلماء، ومن هنا عُرفت باسم "السيدة الغامضة" (Mysterious Lady).

ومؤخرا، ألقى العلماء نظرة فاحصة على الجنين لمعرفة كيفية حفظه حتى عصرنا الحالي، ووفقا للدراسة الجديدة التي أجراها فريق "مشروع مومياء وارسو"، فإن الحفظ حدث عن طريق تحمض جسد المرأة أثناء تحللها.

التقدير الحجمي للجنين من بيانات التصوير المقطعي المحوسب (جورنال أوف أركيولوجيكال ساينس)

وأوضح الفريق أنه تم "تخليل" الجثة في بيئة حمضية، وقالت أورايك سيسيلكي عالمة الأنثروبولوجيا وعالمة الآثار والمديرة المشاركة لمشروع مومياء وارسو "أثناء عملية التحنيط، تم تغطية المتوفاة بالنطرون (مزيج ملح طبيعي يتم جمعه من قاع البحيرات الجافة واستخدمه المصريون القدماء لتجفيف الجثث وتطهيرها)، أو الصودا الطبيعية التي كانت تهدف إلى تجفيف الجسم". ومع ذلك، بقي الجنين في الرحم وبدأ "يتخلل" في البيئة الحمضية.

وقال فويتشن إيسمون من أكاديمية العلوم البولندية -وهو عالم ضمن "مشروع مومياء وارسو" والذي قاد الدراسة- "بقي الجنين في الرحم ولم يمسسه أحد وبدأ يتخلل. إنها ليست المقارنة الأكثر جمالية، ولكنها تنقل الفكرة".

وأضاف الباحثون "تنخفض درجة حموضة الدم في الجثث، بما في ذلك محتوى الرحم، بشكل ملحوظ، وتصبح أكثر حمضية، وتزداد تركيزات الأمونيا وحمض الفورميك بمرور الوقت".

ووفق البحث، فقد عمد المصريون القدماء إلى ملء الجسم وتعبئته ووضعه في مادة النطرون ليحد بشكل كبير من وصول الهواء والأكسجين. والنتيجة النهائية هي رحم محكم الإغلاق يحتوي على الجنين.

المومياء والتابوت (المتحف الوطني في وارسو)

جدال كبير

وفي المقابل، كتبت الدكتورة سحر سليم -وهي أستاذة بقسم الأشعة بكلية طب قصر العيني/ جامعة القاهرة- تعليقا أوليا على اكتشاف الفريق البحثي في مقالة علمية نشرتها في عدد يناير/كانون الثاني من دورية "جورنال أوف أركيولوجيكال ساينس"، وطرحت سؤالا حول ما إذا كان ما وجدوه هو بالفعل جنين، وأشارت إلى أنه لا يمكن الكشف عن أي عظام عبر فحوص المومياء، لذلك فإن تحديد وجود الجنين أمر غير مؤكد.

وقالت سليم "إن الباحثين استندوا في التشخيص إلى المظهر الخارجي لكتلة الحوض التي تشبه جنينا ملفوفا، ولكن دون الكشف عن أي تكوين تشريحي أو عظام".

وأضافت أن "ما اعتقد الباحثون أنه جنين قد يكون عبوات حشوية أو مواد تحنيط مكثفة أو ورما متكلسا في الحوض"، ودعتهم إلى إعادة إجراء التصوير المقطعي المحوسب للمومياء باستخدام البروتوكول المناسب الذي يشرف عليه مختصو الأشعة المعنيون بفحص المومياوات.

لكن أورايك سيسيلكي وفريقها يجادلون بأن هذا لم يكن غير متوقع. حيث تكون عظام الجنين ضعيفة للغاية في المعادن خلال الثلثين الأولين من الحمل، ما يعني أنه من الصعب اكتشافها في المقام الأول بعد الخضوع لعمليات الحفظ. ويصعب العثور على عظام الجنين أثناء الحفريات الأثرية. ويرى الفريق أن اختلاف شكل السيدة الغامضة وجنينها يعود إلى أن عملية تحنيطهما تمت بشكل مختلف عما هو معتاد.

التصوير المقطعي للجنين في مومياء السيدة الغامضة (مشروع مومياء وارسو – مواقع إلكترونية)

 

تجربة البيضة

ولا يختلف الأمر عن عملية التحنيط الطبيعية التي تحدث في مستنقعات الخث، حيث تقوم البيئة شديدة الحموضة "بتخليل" الأنسجة الرخوة، ولكنها تزيل المعادن من العظام.

وكتب العلماء "يمكن مقارنة عملية نزع المعادن في العظام في بيئة حمضية بتجربة البيضة. تخيل وضع بيضة في إناء مليء بحمض. تذوب قشرة البيض، ولا يتبقى سوى الجزء الداخلي من البيضة (الزلال والصفار) والمعادن من قشر البيض المذاب في الحمض".

ويرجع سبب اختلاف جسد السيدة الغامضة وجسد الجنين في هذا الصدد إلى أنهما تحنطا بشكل مختلف. حيث تم تحنيط السيدة باستخدام النطرون، والجنين في رحمها محكم الإغلاق ومحنط في البيئة الحمضية الناتجة عن التفاعل الكيميائي.

وإضافة إلى ذلك، فإن المعادن المتسربة من عظام الجنين قد تترسب في الأنسجة الرخوة للجنين نفسه والرحم المحيط به، ما ينتج عنه محتوى معدني أعلى من المتوقع. وهذا يعني أن هذه الأنسجة سيكون لها كثافة إشعاعية أعلى في فحوصات التصوير المقطعي المحوسب.

وشرحت أورايك سيسيلكي "ربما كان للأمر علاقة بالمعتقدات والبعث في الحياة الآخرة. ولا يزال من الصعب استخلاص أي استنتاجات لأننا لا نعرف ما إذا كانت هذه هي المومياء الحامل الوحيدة. وفي الوقت الحالي، هي بالتأكيد المومياء المصرية الحامل الوحيدة المعروفة".

وتشير النتائج إلى أن مومياوات حوامل أخرى ربما تختبئ على مرأى من الجميع في مجموعات المتحف الأخرى. وقد يساعد هذا البحث علماء الآثار والأنثروبولوجيا في الكشف عن سبب ترك الجنين سليما عندما تمت إزالة الأعضاء الداخلية الأخرى للسيدة الغامضة من أجل عملية التحنيط.

المصدر : ساينس ألرت + مواقع إلكترونية