600 مكعب من يورانيوم النازيين مفقودة في الولايات المتحدة.. فأين هي؟

One of the 'Heisenberg cubes'. (John T. Consoli/University of Maryland)
هذا المكعب الذي لا يتجاوز قطره 5 سم، يبلغ وزنه كيلوغرامين اثنين (جون كونسولي-جامعة ماريلاند)

لن يثير مكعب رمادي صغير على مكتب شخص ما اهتمامك، بل ربما تعتقد أنه ثقالة للورق. إلا أنك ستندهش عندما تعلم أن وزن هذا المكعب الذي لا يتجاوز قطره 5 سم، يبلغ كيلوغرامين اثنين، وذلك لأنه مصنوع من أثقل عنصر معدني على وجه الأرض، ألا وهو اليورانيوم.

كانت هذه المكعبات جزءا من تجارب المفاعلات النووية التي صممها النازيون خلال الحرب العالمية الثانية. وعلى حد علم الباحثين، فقد بقي 14 مكعبا فقط في العالم، من بين أكثر من ألف مكعب تم استخدامها في تجارب ألمانيا النازية على الأسلحة النووية. وتم إرسال ما يزيد على 600 مكعب منها إلى الولايات المتحدة في الأربعينيات، وما زال مصير معظم تلك المكعبات مجهولا.

وبعد سنوات من البحث، كتبت ميريام هيبرت وتيموثي كوث من قسم علوم المواد والهندسة في جامعة ماريلاند (University of Maryland)، كتابا يزعمان فيه أنهما تمكنا من معرفة مصير تلك المكعبات.

اقتفت ميريام هيبرت وتيموثي كوث آثار مكعبات اليورانيوم النازية في الولايات المتحدة (جون كونسولي-جامعة ماريلاند)

مكعبات نازية صغيرة

يصف كوث المكعبات لموقع "بيزنس إنسايدر" (Business Insider) بأنها "البقايا الوحيدة" للجهود النووية لألمانيا النازية، ويضيف "أنها كانت الدافع لمشروع مانهاتن بأكمله".

في الفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية، كانت ألمانيا رائدة على مستوى العالم في الفيزياء. وفي عام 1938، كشف الكيميائي الألماني أوتو هان أنه أحدث الانشطار النووي عن طريق تفجير النيوترونات في نواة اليورانيوم.

وقد حذر عدد من العلماء الفارين من أوروبا إلى الولايات المتحدة، بما فيهم ألبرت آينشتاين وإنريكو فيرمي، من أن ألمانيا يمكن أن تطور قنبلة ذرية.

لا يعتبر اليورانيوم في شكله الطبيعي شديد النشاط الإشعاعي، لذا لا تعتبر هذه المكعبات خطيرة. لكن في حال وضع نيوترون على اليورانيوم، وتحديدا النظير "يو-235" (U-235)، فسيؤدي ذلك إلى ازدهار اليورانيوم وتكسر بنيته الكيميائية.

ولإحداث الانفجار، لا بد من حدوث تفاعل متسلسل: يتم التقاط النيوترون بواسطة ذرة يورانيوم أخرى، والتي تنقسم لتنتج المزيد من النيوترونات. ولضمان حصول هذا التفاعل، لا بد من تدخل وسيط أيضا. وقد نجحت الولايات المتحدة في استخدام الغرافيت وسيطا، وأنشأ العلماء في مشروع مانهاتن تفاعلا نوويا متسلسلا مستداما ذاتيا في ديسمبر/كانون الأول 1942.

بينما اختار فيرنر هايزنبرغ وكورت ديبنر -العاملان في البرنامج النووي الألماني النازي- الماء الثقيل وسيطا، حيث يتم استبدال ذرات الهيدروجين من الماء بالديوتيريوم.

وقد تمكن النازيون من تطوير مفاعلين نموذجيين، كان أكبرهما يحتوي على 664 مكعبا من اليورانيوم، بينما يحتوي المفاعل الأصغر على ما يقرب من 400 مكعب، ولم يعمل أي منهما على الإطلاق.

الصورة من sciencealert.comAlsos intelligence officers after locating German uranium cubes, Haigerloch, Germany. (Samuel Goudsmit/AIP Emilio Segrè Visual Archives)
أطلق الحلفاء المهمة "ألسوس" للتحقق من البرنامج النووي النازي (مواقع التواصل)

المهمة "ألسوس"

لم تكن قوات الحلفاء تعرف أبعاد البرنامج النووي النازي. وفي عام 1943، أطلقت مهمة سرية سميت بـ"ألسوس" (Alsos) للتحقيق في الأمر.

سافر فريق مكون من 12 شخصا -بما في ذلك الجنود والعلماء والمترجمون الفوريون- عبر إيطاليا وفرنسا وألمانيا، بحثا عن آثار تجارب النازيين النووية. ومع اقتراب الحرب من نهايتها، تحول هدف المهمة إلى التأكد من أن مصير المواد النووية لن يؤول إلى السوفيات.

وفي أبريل/نيسان 1945، استولت قوات الحلفاء على 1.6 طن من مكعبات اليورانيوم التي كانت قد عثرت عليها في جنوب ألمانيا، حيث يختبئ هايزنبرغ وفريقه إلى جانب المفاعل الكبير في ألمانيا، ولم يتم العثور على المفاعل الصغير.

تم إرسال جميع المكعبات تقريبا إلى الولايات المتحدة التي كانت شديدة السرية بشأن برنامجها النووي، وهو ما يفسر عدم وجود وفرة من السجلات العامة بشأن اليورانيوم النازي، وكل ما يعرف عنه أنه يوجد حاليا 14 مكعبا من أصل ألف كانت موجودة فيما سبق.

The note that accompanied Koeth's cube. (Timothy Koeth) الصورة من sciencealert.com
تلقى تيموثي كوث رسالة خطية مع هدية هي عبارة عن مكعب يورانيوم من مكعبات النازيين (تيموثي كوث)

هدايا تذكارية ومقتنيات نادرة

يمتلك كوث -الذي كان شغوفا بجمع ما يتعلق بالأشياء النووية منذ مراهقته- مكعبين من المكعبات النووية، وقد حصل على المكعب الأول هدية عيد ميلاد منذ حوالي عقد من الزمان، مع ورقة مكتوب عليها "مأخوذ من مفاعل نووي حاول هتلر بناءه في ألمانيا. هدية من نينغر".

وتبين أن روبرت دي نينغر كان جيولوجيا في هيئة الطاقة الذرية الأميركية في الخمسينيات من القرن الماضي. وعثر كوث وهيبرت على وثائق تظهر أنه عمل مع مشروع مانهاتن، حيث واجه الجيولوجيون في المشروع مهمة صعبة تتمثل في الحصول على اليورانيوم.

أما المكعب الثاني فقد حصل عليه كوث من عضو هيئة تدريس سابق في جامعة ماريلاند، والذي حصل عليه بدوره من عضو هيئة تدريس آخر هو ديك دوفي الذي كان يعمل مهندسا كيميائيا في مصنع في بيفرلي بولاية ماساشوستس أثناء الحرب، حيث كان يقوم بمعالجة خردة اليورانيوم.

وصرّحت ميريام هيبرت -لبيزنس إنسايدر- بأن "حفيدة ماري كوري تمتلك مكعبا أيضا وتستخدمه ثقالة للباب".

وهكذا يعتقد هيبرت وكوث أن معظم المكعبات النازية التي وصلت إلى الولايات المتحدة قد أعيد استخدامها في البرنامج النووي الأميركي، وتم انتقاء بعضها والاحتفاظ به هدايا تذكارية. أما بالنسبة للـ400 مكعب من المفاعل الثاني، فقد وجد هيبرت وكوث بعض الوثائق التي تشير إلى بيعها في السوق السوداء لصالح الاتحاد السوفياتي.

أكد باحثون تاريخ مكعب يورانيوم وأنه يعود لفترة الحكم النازي (الجزيرة)

من مفاعل نووي إلى جهود مكافحة الانتشار

ويمتلك المختبر الوطني شمال غرب المحيط الهادي واحدا آخر من المكعبات النازية، لكنه لا يمتلك أي سجلات توثق تاريخه. لذلك قام باحثان هناك -وهما جون شوانتس وبريتاني روبرتسون- بابتكار طريقة جديدة لتأريخ المكعب، إضافة إلى منتجات اليورانيوم الأخرى بدقة أكبر مما كان ممكنا في السابق.

تعتمد هذه الطريقة على قياس مستويات ذرتي البروتكتينيوم والثوريوم التي تتراكم بمرور الوقت مع تحلل اليورانيوم، والتي يمكن معها تقدير نطاق عمري زمني لليورانيوم.

وفي الاجتماع السنوي للجمعية الكيميائية الأميركية الذي عقد في أغسطس/آب الماضي، كشف شوانتس وروبرتسون أنه عند تطبيق الطريقة المقترحة على المكعب الموجود في مختبرهم، حصلوا على نتائج تقريبية تفيد بأنه يعود بالفعل إلى السنوات التي كانت فيها ألمانيا النازية تعمل على تطوير أسلحة نووية.

واليوم يستخدم هذا المكعب بغرض التدريب، حيث يقوم المختبر الوطني بتدريب أفراد الأمن على كيفية التعرف على المواد النووية والمشعة عند رؤيتها.

وفي تقرير نشر على موقع "ساينس ألرت" (Science Alert) بتاريخ 10 سبتمبر/أيلول الجاري، أعرب شوانتس عن أنه يجد "هذا نوع من تاريخ المكعب النازي مثيرا للاهتمام، حيث تم إنتاجه أول مرة لبرنامج نووي، والآن يتم استخدامه لمنع انتشار الأسلحة النووية".

المصدر : بيزنس إنسايدر + ساينس ألرت