ثلث طعام العالم في سلة المهملات وأكثر من 800 مليون يعانون الجوع.. فما الحل؟

بعض التغييرات الطفيفة في أنماط حياتنا اليومية وسلوكياتنا قد تسهم في حل مشكلة الهدر الغذائي.

أكثر من ثلث الطعام الذي ينتج للاستهلاك الآدمي يُهدر أو يبدد سنويا (بيكسابي)

يكتسي الحد من الهدر الغذائي أهمية بالغة في وقت كشفت فيه جائحة كوفيد-19 عن هشاشة سلاسل الإمداد الغذائي العالمية. فقد واجهت الكثير من المتاجر الكبرى في جل دول العالم صعوبة بالغة للحفاظ على أرففها ممتلئة في ظل تهافت المستهلكين على الشراء والتخزين بداية الجائحة.

وأشار تقرير أممي إلى أن ما يتراوح بين 720 و811 مليون شخص في العالم قد عانوا من الجوع عام 2020، أي ما يقارب 161 مليونا إضافيا مقارنة بعام 2019. ولم يتمكن في العام نفسه حوالي 2.37 مليار شخص من الحصول على غذاء كاف.

سعوديون يحاولون التصدي لظاهرة هدر الطعام
المستهلكون في البلدان الغنية يهدرون ما يعادل مجمل الطعام الذي تنتجه أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى (الفرنسية)

بيد أن نحو ثلث الغذاء الذي يُنتج سنويا في العالم للاستهلاك الآدمي -أي نحو 1.3 مليار طن- إما يفسد أو ينتهي به المطاف في مكبات النفايات، بحسب دراسة أُعدت لحساب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "فاو" "FAO" عام 2011.

وأشارت الدراسة إلى أن المستهلكين في البلدان الغنية يهدرون ما يعادل مجمل الطعام الذي تنتجه أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى (أي 230 مليون طن).

لكن فقدان الطعام وهدره يمثل أيضا هدرا للموارد الطبيعية من مياه وأراض وطاقة وأيد عاملة ورأس مال. وعندما يلقى الطعام في مكبات النفايات ينتج كميات كبيرة من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري التي تسهم بارتفاع درجة حرارة الأرض وتفاقم تغير المناخ.

أسباب وحلول

ولفتت الدراسة إلى أن معظم خسائر الغذاء في الدول منخفضة الدخل تنجم عن ضعف البنية التحتية ونقص الخبرة بطرق تخزين الطعام ومعالجته، علاوة على أحوال الطقس غير المواتية التي تعجل بفساد الطعام.

في حين أن سلوكيات المستهلكين وتفضيلاتهم في الدول مرتفعة الدخل، والالتزام بتواريخ انتهاء الصلاحية والإنتاج الصارمة، يسهمان في هدر كميات كبيرة من الغذاء. فقد تُهدر فواكه وخضراوات طازجة بسبب عيوب طفيفة في مظهرها قد لا تؤثر على مذاقها.

ويشغل تقليص النفايات الغذائية وتعزيز الأمن الغذائي حيزا كبيرا من اهتمام الباحثين. وقد عرض تقرير على موقع "ذا كونفرسيشن" "The Conversation" بعض الحلول التي قد تساعد في تقليص النفايات الغذائية والحد من هدر الطعام، منها:

قد تستخدم الطائرات المسيرة في الزراعة لتعزيز كفاءة استخدام الموارد المتاحة (غيتي)

تقنيات الزراعة الدقيقة والمسيرات

أثبتت الدراسات أن الآفات الزراعية وتقنيات الحصاد غير الفعالة تلعبان دورا كبيرا في مفاقمة مشكلة النفايات الغذائية، ولهذا قد تسهم زيادة الإنفاق على التطبيقات التكنولوجية والبنية التحتية، في هذه المراحل المبكرة من سلسلة الإمداد الغذائي، في الحد من هدر الطعام وتقليص النفايات الغذائية في الدول منخفضة الدخل.

وأشارت دراسة نشرت في دورية "جورنال أوف كلينر برودكشن" "Journal of Cleaner Production" إلى أن الطائرات المسيرة التي تدار بالذكاء الاصطناعي قد تساعد المزارعين في تحقيق الاستفادة المثلى من الموارد المتاحة، والحد من استخدام المبيدات الحشرية التي تؤذي النظم البيئية للأغذية، إذ إن المبيدات تلوث المياه وتؤدي إلى تدهور خصوبة التربة وتلوث العشب.

وثمة فوائد أخرى لاستخدام الطائرات المسيرة في مجال الزراعة، منها زيادة غلة المحاصيل وخفض التكاليف وتحسين صحة المواشي.

برامج حث المستهلكين على تقليص النفايات

تمثل سلوكيات المستهلكين جزءا كبيرا من مشكلة الهدر الغذائي، مما حدا بالباحثين إلى البحث عن طرق لإقناع الأسر بالحد من هدر الطعام الصالح للأكل.

ووضعت دراسة حديثة برنامجا لتقليص النفايات الغذائية يقوم على توفير معلومات لمجموعة من الأسر بالعاصمة البريطانية لندن ومقاطعة أونتاريو في كندا بشأن كيفية التخطيط للوجبات مسبقا، وشراء الطعام وتخزينه وتحضيره واستخدام الفائض من الأطعمة.

نحو ثلث الغذاء الذي يُنتج سنويا للاستهلاك الآدمي إما أن يفسد أو يلقى في المكبات (شترستوك)

وركز الباحثون على أهمية ترشيد الإنفاق وتوفير المال من خلال إبراز حجم الخسائر المالية الناجمة عن هدر الطعام سنويا. إذ استعان الباحثون ببيانات عن كميات النفايات الغذائية التي تنتجها كل أسرة من الأسر المشاركة واحتسبوا القيمة المالية لهذه النفايات. وخلصت الدراسة إلى أن هذه النصائح والمعلومات حثت الأسر المشاركة على خفض كميات النفايات الغذائية التي تنتجها بنسبة 30%.

وبالمثل، طُور نظام جديد يسمى "وينو" "Winnow" يعتمد على الذكاء الاصطناعي للحد من هدر الطعام في المطاعم وزيادة الأرباح. ويتضمن النظام ميزانا ذكيا أسفل سلة النفايات الغذائية وكاميرا تلتقط صور النفايات الملقاة في السلة.

ومن خلال تقنية التعرف على الصور، يميّز النظام أنواع الطعام الملقاة في السلة ويحدد قيمتها المالية وتكلفتها البيئية، ثم يرسل تقريرا للشركات والطهاة لضبط الإنفاق ومعالجة مشكلة الإنتاج الزائد.

الاستفادة من الطعام الفائض

وثمة طرق عديدة للاستفادة من الطعام الفائض وفقا لنموذج الاقتصاد الدائري. فقد تتحول النفايات الغذائية إلى طاقة متجددة عبر عملية الهضم اللاهوائي "Anaerobic digestion". إذ تعمل البكتيريا على تحليل المادة العضوية في غياب الأكسجين، لإنتاج الغاز الحيوي.

وقد يستخدم الفائض من الطعام الصالح للأكل لتحضير أطباق جديدة أو منتجات غذائية جديدة. وقد تأسست شركة "رينيوال ميل" "Renewal Mill" لتحويل النفايات الغنية بالألياف الناتجة عن عمليات معالجة المواد الغذائية (مثل فول الصويا) إلى طحين ليباع بالجملة. وقد تستخدم النفايات الغذائية أيضا كعلف للحيوانات أو سماد حيوي.

بعض التغييرات في أنماط حياتنا اليومية وسلوكياتنا قد تسهم في حل مشكلة الهدر الغذائي (شترستوك)

تغيير سلوكياتنا

لعل بعض التغييرات الطفيفة في أنماط حياتنا اليومية وسلوكياتنا قد تسهم أيضا في حل مشكلة الهدر الغذائي.

فبإمكانك دعم الشركات والمطاعم التي تستخدم الأطعمة الفائضة في منتجاتها أو وجباتها، ووضع جدول أسبوعي لاستهلاك المنتجات الغذائية التي تشتريها بناء على تاريخ الإنتاج وانتهاء الصلاحية المدون على العبوة، والامتناع عن إلقاء الأطعمة التي لم تذبل تماما في سلة المهملات، وشراء ما تحتاجه فقط من الأغذية، ولا سيما في المناسبات الخاصة والولائم.

ولا تبالغ في شراء الثمار المثالية فقط من المتاجر الكبرى، فإن الفاكهة والخضراوات ذات العيوب الشكلية والندوب لا يختلف مذاقها عن غيرها ذات الشكل "المعتاد".

المصدر : ذا كونفرسيشن + مواقع إلكترونية