لماذا تنام الكائنات الحية؟ وهل يؤدي الحرمان من النوم إلى الموت؟

أثبتت التجارب أن حرمان الكائنات من النوم يؤدي إلى موتها (شترستوك)

يعتبر النوم من بين أهم احتياجات جسم الإنسان، وأحد أبرز القواسم المشتركة بينه وبين جميع الكائنات الحية، لكن العلماء مازالوا إلى اليوم يحاولون تحديد الوظيفة البيولوجية الأساسية للنوم ويقومون بالعديد من الأبحاث والدراسات في هذا المجال.

في تقرير نشرته صحيفة "لوفيغارو Le Figaro" الفرنسية، تقول الكاتبة سيسيل تيبير إن النوم الذي نقضي فيه ثلث حياتنا ما زال يحمل الكثير من الأسرار الغامضة ويثير الكثير من الأسئلة عن سبب الحاجة إليه وتأثيره على أجسامنا وأدمغتنا.

وتؤكد ناديا جوسلين، أستاذة علم النفس بجامعة مونتريال الكندية، والتي تُجري أبحاثًا حول اضطرابات النوم، إنه لا يزال لدينا الكثير لاكتشافه حول النوم، حيث توجد العديد من الفرضيات ولا يوجد أي إجماع علمي حتى الآن.

ومن أسهل الطرق لفهم سبب حاجتنا إلى النوم هي مراقبة ما يحدث للجسم عندما نُحرم منه. في عام 1963، بقي الشاب الأميركي راندي غاردنر -وكان حينها في الـ17 من عمره- مستيقظا لمدة 11 يومًا و25 دقيقة ضمن مشروع علمي كان يُجريه مع زملائه في الفصل.

بعد تلك المدة، بدت عليه بعض الاضطرابات في الذاكرة والسلوك، بالإضافة إلى صعوبات في التركيز وتباطؤ في الكلام وبعض الهلاوس. وفي نهاية هذه التجربة، نام راندي 15 ساعة متتالية ثم استعاد جميع قدراته. لاحقا، تخلت موسوعة غينيس للأرقام القياسية عن تحدي أطول فترة دون نوم بسبب المخاطر الصحية المحتملة.

النوم أحد أهم احتياجات الإنسان وهو القاسم المشترك بينه وبين الكائنات الحية (شترستوك)

النوم أو الموت؟

يقول لوران سونييه، الباحث في مركز أبحاث علم الأعصاب في ليون، إنه لا يمكن إجراء هذا النوع من التجارب على البشر لأسباب أخلاقية، حيث إن تأثيراتها اللاحقة ليست واضحة.

وحتى اليوم، لم تثبت أي حالات وفاة معروفة رسميا بسبب الحرمان من النوم لدى البشر. أما بالنسبة للحيوانات، ففي عام 1894، حرمت الطبيبة الروسية ماري دي ماناسين عددا من جراء الكلاب من النوم، الأمر الذي أدى إلى موتها، وكانت تلك أول دراسة تثبت الطبيعة الحيوية للنوم. وبعد قرن من الزمان، قام باحثون في الطب النفسي من جامعة شيكاغو بالولايات المتحدة بحرمان 10 فئران من النوم، وأدى ذلك إلى موتها جميعا.

ويوضح سونييه أن العلماء لاحظوا مشاكل في تنظيم درجات الحرارة واضطراب في الاستجابة المناعية عند حرمان الحيوانات من النوم، لكنهم وجدوا في المقابل أن أدمغة الحيوانات كانت في حالة جيدة جدا، ولم تكن هناك أسباب واضحة للوفاة.

ويعمل سونييه حاليا على دراسة النوم لدى ذباب الفاكهة، وهي إحدى أكثر الحيوانات استخداما في علم الأحياء، ويوضح أن سبب دراسة هذه الحشرات هي أنها من أبسط الحيوانات من حيث التنظيم العصبي، والهدف هو محاولة اكتشاف الوظيفة الأصلية للنوم لديها.

يقول سونييه "إذا قمت بحرمان ذبابة غير بالغة من النوم، ستصبح عاجزة عن التعلم طوال حياتها. وعند حرمان الذبابة البالغة من النوم لمدة 24 ساعة، فإنها تستعيد قدراتها الطبيعية بعد ساعتين من النوم".

من النظريات الشائعة أن وظيفة النوم هي الحفاظ على الطاقة (شترستوك)

توفير الطاقة

من النظريات الشائعة أن وظيفة النوم هي الحفاظ على الطاقة، وتوضح جوسلين أن فترة النوم يصاحبها انخفاض في التمثيل الغذائي، وبالتالي انخفاض في استهلاك الطاقة.

لكن كثيرا من العلماء يرون أن هذه الفرضية غير مقنعة، لأن النوم يوفر ما يعادل السعرات الحرارية الموجودة في كوب من الحليب. ويؤكد سونييه أنه إذا كان دور النوم هو توفير الطاقة، لكان بالإمكان الاكتفاء بقسط من الراحة دون نوم، بدلا من فقدان الوعي لساعات طويلة، مع ما يصاحبه من مخاطر، خاصة أن الدماغ يستهلك في مرحلة الأحلام القدر نفسه من الطاقة التي يستهلكها في اليقظة.

تضيف جوسلين أن من الفرضيات الأخرى ما يُعرف بنظرية إخلاء السموم، أي أن الدماغ يقوم خلال ساعات النوم بالتخلص من السموم المتراكمة خلال ساعات اليقظة.

ورغم أن الدماغ يمثل 2% فقط من كتلة الجسم، فإنه يستهلك حوالي 20% من طاقتنا الإجمالية، ويصاحب هذا الاستهلاك إنتاج الفضلات، ومن بينها الجذور الحرة وبروتينات تاو والأميلويد، والتي يتسبب وجودها في شكل لويحات بموت الخلايا العصبية، وهو ما يؤدي إلى مرض ألزهايمر.

ويؤكد سونييه أنه بسبب الانشغال الدائم للدماغ أثناء اليقظة، فإنه يستغل ساعات النوم للتخلص من السموم المتراكمة، لا سيما بروتينات الأميلويد. لكن فرضية التخلص من السموم لا تشرح بشكل كامل الوظيفة الأساسية للنوم، حيث إن أدمغة الحشرات -على سبيل المثال- غير مجهزة بالنظام الذي يسمح بإفراغ السموم.

يقوم الدماغ خلال الليل بما يُشبه عملية التحديث وضغط الملفات والتخلص من المعلومات غير الضرورية (شترستوك)

ماذا يحدث للدماغ؟

تستند نظرية أخرى إلى فكرة أن الدماغ يعمل مثل القرص الصلب، ويقوم خلال ساعات النهار بتجميع المعلومات المختلفة، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة حجم نقاط الاشتباك العصبي، والبعض منها ليس له أي فائدة.

ويُقدَّر أن كل خلية عصبية في دماغ الإنسان تحتوي على قرابة 10 آلاف نقطة تشابك عصبي في اللحظة الزمنية الواحدة، وبمرور الوقت تصبح هذه النقاط أكبر حجما وأكثر عددا. ويقول سونييه إنه "إذا استمر هذا النمو بشكل متواصل، فلن يتسع لها الدماغ".

وحسب هذه الفرضية، يقوم الدماغ خلال الليل بما يُشبه عملية التحديث وضغط الملفات والتخلص من المعلومات غير الضرورية.

وتوضح جوسلين أن النوم يعمل على تقوية بعض نقاط الاشتباك العصبي والتخلص من النقاط الأخرى قليلة الأهمية، وهو ما يتيح لنا فرز جميع المعلومات التي تلقيناها خلال ساعات النهار.

ويعتقد العلماء أن النوم يعمل على تخزين المعلومات والتجارب والمواقف التي نمر بها خلال النهار في الذاكرة طويلة الأمد. تقول جوسلين "نعتقد أن المعلومات التي نتلقاها على مدار اليوم يتم تخزينها أولا في الحُصين، وهو منطقة من الدماغ مسؤولة إلى حد بعيد عن الذاكرة قصيرة الأمد. ومن أجل التخزين على المدى البعيد، يجب أن ننقلها إلى مناطق أخرى من القشرة الدماغية، ونعتقد أن النوم يمكّننا من القيام بهذه العملية الانتقالية".

من المعروف أيضا أن النوم يلعب دورا في نضج الدماغ أثناء الطفولة، وكذلك تقوية جهاز المناعة. ويعتقد بعض العلماء أن النوم يساعد على تجديد مخزون من الجزيئات المفيدة للدماغ أثناء النهار بالإضافة إلى إفراز الهرمونات اللازمة لإصلاح الخلايا ونموها.

المصدر : لوفيغارو