فَقْد الجينات مكن الخفافيش مصاصة الدماء من الاعتماد على نظام غذائي دموي

تعتمد الخفافيش مصاصة الدماء على الدم مصدرا للغذاء، غير أننا لا نعرف الكيفية التي تأقلمت بها هذه الخفافيش مع هذا النظام الغذائي الغريب.

الخفافيش مصاصة الدماء تمتلك نظاما غذائيا يختلف عن غيرها من الخفافيش (بيكسابي)

تمتلك الخفافيش مصاصة الدماء نظاما غذائيا يختلف عن غيرها من الخفافيش، فهي تعتمد على دماء الفرائس التي تصطادها. وتعدّ الخفافيش مصاصة الدماء حيوانات اجتماعية ذكية، إذ تتقاسم الطعام مع رفاقها الذين يتضورن جوعا خاصة أولئك الذين شاركتهم الغذاء من قبل.

الدم مصدرا للغذاء

ولكن الاعتماد على الدم -الغني بالبروتينات- ليكون مصدرا للتغذية يُفقِد هذه الخفافيش العناصر الغذائية الأخرى كالسكريات والفيتامينات. فكيف تستطيع الخفافيش مصاصة الدماء البقاء على قيد الحياة اعتمادا على تغذية منخفضة الطاقة كتلك؟

ولذا، فقد سعت دراسة سابقة نشرت عام 2018 في دورية "نيتشر إيكولوجي آند إيفوليوشن" (Nature Ecology & Evolution) إلى معرفة الخريطة الجينية الخاصة بالخفافيش مصاصة الدماء، وذلك لفهم الكيفية التي ساعدت الخفافيش على التكيف مع هذا النظام الغذائي الغريب.

ميكروبات الأمعاء في الخفافيش لها دور في توفير العناصر الغذائية غير الموجودة في الدم (بيكسابي)

وكشفت الدراسة عن وجود ارتباط بين الجينات واعتماد الخفافيش على الدم مصدرا للغذاء، كما بَيّنت أن ميكروبات الأمعاء في الخفافيش تضطلع بدور في توفير العناصر الغذائية غير الموجودة في الدم، غير أن هذه الدراسة لم تفسر الكيفية التي تكيفت بها الخفافيش لتتمكن من التغذية على الدم.

وقدمت دراسة بحثية حديثة أكثر شمولا إجابة وافية لهذا السؤال، وأودعت نسخة الدراسة الأولية على موقع "بيو أركايف" (bioRxiv) في 19 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ولم تُقيَّم بعد من قبل الأقران.

وحسب التقرير الصحفي الذي نشره موقع "ذا ساينتست" (The Scientist) تعقيبا على الدراسة، فقد قارن الباحثون الجينوم الخاص بالخفاش مصاص الدماء الشائع من نوع "ديسمودَس روتوندَس" (Desmodus rotundus) مع 25 نوعا آخر من الخفافيش، من ثم فإن الدراسة الحديثة قد ضمّت إليها 16 نوعا جديدا من الخفافيش التي لم تشملها الدراسة السابقة.

فقدان الجينات يعيق إنتاج بروتينات وظيفية ويمنح الخفافيش قدرة إدراكية مميزة (ويكيبيديا-أُوي شميدت)

فَقْدٌ جيني

كشفت الدراسة عن فقدان الخفافيش مصاصة الدماء 13 جينا موجودا بشكل طبيعي في غيرها من الخفافيش، وهذه الجينات إما طافرة أو غائبة تماما من الجينوم الخاص بالخفافيش مصاصة الدماء؛ وهو ما يعيق هذه الجينات عن إنتاج بروتينات وظيفية، ومن ثم يدفع إلى تفضيل الدم كمصدر للغذاء، كما أنه يمنح الخفافيش قدرة إدراكية مميزة.

وفي هذه الدراسة، حرص مايكل هيلر -قائد الدراسة الأولية عالم الجينوم في "مركز لوُوِّي لعلم جينوم التنوع البيولوجي الانتقالي" (LOEWE Centre for Translational Biodiversity Genomics) بألمانيا- وفريقه على الرصد الدقيق للفقد الجيني، أملا منهم في معرفة الدور الذي تسهم به التغيرات الجينية في إحداث تكيفات مختلفة بالسلوك.

والجدير بالذكر أن دراسة سابقة نشرت في دورية "موليكيولار بيولوجي آند إيفوليوشن" (Molecular Biology and Evolution) قد رصدت فقدان 3 من هذه الجينات بالفعل التي تختص بمستقبلات الطعام الحلو واللاذع في الخفافيش، وهو ما أيّدته الدراسة الحالية، فضلا عن اكتشافها فقدان 10 من الجينات الأخرى في الخفافيش مصاصة الدماء لم تشر إليها أي دراسة سابقة.

فقدان الجين المسؤول عن تكسير السربروستيرول يفسر امتلاك الخفافيش ذاكرة اجتماعية استثنائية (بيكسابي)

تمايز جيني

هناك نوعان من الجينات المفقودة يحتمل أن لها دورا في زيادة إفراز الأنسولين (الهرمون المنظم لأيض السكريات)، ويعدّ هذا طبيعيا فالخفافيش لا تحتاج إلى كثير من الأنسولين نظرا لانخفاض نسبة السكريات في نظامها الغذائي.

كما تفتقر هذه الخفافيش إلى الجين المسؤول عن تثبيط التربسين (الإنزيم المشارك في هضم البروتينات وامتصاصها)، وذلك يؤدي في النهاية إلى زيادة نسبة هذا الإنزيم في الدم زيادة تساعد الخفافيش على هضم محتواها الغذائي الغني بالبروتين، كما يؤدي فقدان جين (REP15) إلى زيادة التخلص من الحديد، مما يمنع الخفافيش من التسمم بهذا المعدن الوفير في الدم.

ويعتقد العلماء أن بعض هذه الجينات المفقودة يؤثر في جوانب أخرى ترتبط بسلوك الحيوان، إذ تفتقر هذه الخفافيش إلى الجين المسؤول عن تكسير "السربروستيرول" (Cerebrosterol) -الناتج من أيض الكوليسترول- الذي يلعب أدوارا مختلفة في نمو الدماغ وعمله، وهذا يعني أن أدمغة الخفافيش تحتوي على مستويات أعلى من هذه المادة، وهو ما يفسر امتلاك الخفافيش ذاكرة اجتماعية استثنائية.

غير أن هناك أمرا آخر بالغ الخطورة يكمن في الغياب الوظيفي للجين المقاوم للميكروبات، المعروف باسم (RNASE7)، وهذا يتعارض مع التحاليل الوراثية السابقة التي أشارت إلى وجوده في الخفافيش، وهو ما يتطلب مزيدا من البحث لمعرفة الدور الذي يضطلع به هذا الجين في أنواع الخفافيش الأخرى.

المصدر : مواقع إلكترونية