اكتشاف أقدم سجل محفوظ لمادة عضوية قد تمثل الحمض النووي الخاص بديناصور "كوديبتركس"

يحفظ الحمض النووي الأسرار الخاصة والمميزة للكائن الحي. ولكن هل من الممكن أن يبقى كتيب الأسرار ذلك محفوظا لملايين السنين بعد وفاته؟

إعادة للبنية الخاصة بجسد ديناصور "كوديبتركس" عاش قبل 125 مليون عام (يوريك ألرت-غانغ زويانغ)

يعتبر الحمض النووي كتيب الإرشادات الداخلي الذي يحمل المادة الوراثية المنوطة بحفظ صفات وخصائص الكائن الحي. إذ يُعقد ويُلَف بواسطة بروتينات أخرى حتى يمكنه شغل مساحة صغيرة متمثلة في الكروموسومات الموجودة في نواة الخلية.

وتوفر دراسة الحمض النووي معرفة كبيرة بخصائص وصفات الكائن. فهل من الممكن أن تَحتَفِظ حفريات الديناصورات والكائنات المنقرضة ببقايا من الحمض النووي حتى يومنا هذا؟

حفريات الديناصورات قد تحتفظ ببقايا من الحمض النووي الخاص بها (ويكيبيديا-تيورارين)

حفريات تحمل الأسرار

كان هذا السؤال موضع اهتمام للعلماء. ففي عام 2017 أفاد باحثون بوجود تراكيب محفوظة في أحافير النباتات والطحالب، ويحتمل أنها لنواة الخلية. غير أن هذه المزاعم لطالما أثارت الجدل، إذ إنه من الصعب تمييز نواة خلية داخل كتلة عشوائية متحجرة.

غير أن دراسة حديثة نشرت في دورية "كوميونيكيشنز بيولوجي" (Communications Biology) يوم 25 سبتمبر/أيلول الماضي، وجدت بقايا لحمض نووي في أحافير ديناصور موجودة في الصين يقدر عمرها بـ125 مليون عام، مما يجعل هذه الحفريات أقدم سجل محفوظ لمواد الكروموسوم في حفرية فقارية.

وطبقا للتقرير الصحفي الذي نشره موقع "لايف ساينس" (Live Science) تعقيبا على الدراسة، فقد قارن الباحثون بين الغضروف المتحجر لديناصور "كوديبتركس" (Caudipteryx) وبين خلايا الدجاج المعاصر. إذ عثر الباحثون على تكوينات في الحفريات تشبه إلى حد كبير خيوط الحمض النووي المعقدة مع البروتين، أو ما يعرف بالكروماتين. وبالتالي، فإن هذا يدفعنا إلى التساؤل: ما مصير الحمض النووي والكروموسومات بعد موت الخلية؟

وفي هذا الصدد تقول عالمة الأحياء القديمة في الأكاديمية الصينية للعلوم أليدا بايلول، التي قادت هذه الدراسة، "إنْ كان هناك أي جزيء يشبه الحمض النووي، فإنه سيكون حتما قد خضع للتغير والتعديل الكيميائي".

وحتى إن خضع الحمض النووي للتغير طيلة هذه السنين، فإن "العثور على مادة خاصة بالكروموسومات في الحفريات سيعين العلماء على كشف أجزاء من التسلسل الجيني للديناصورات".

تحتفظ الغضاريف بشكل جيد بالخلايا المكونة لها أكثر من العظام (يوريك ألرت – أليدا بايلول)

الغضاريف نسيج جيد

ويتعين على الباحثين أولا اكتشاف ما إذا كان الحمض النووي موجودا في هذه الأحافير. وحتى وقت قريب اعتقد العلماء أن عملية التحلل والتعفن تدمر محتوى الخلايا قبل أن تأخذ عملية التحجر في حفظ هذه المكونات. لذا فإن "أي بنى مجهرية يعثر عليها داخل الخلايا المتحجرة تعتبر مكونات بالية لأنها بالفعل قد تحللت قبل أن تتحجر"، كما تقول بايلول.

وعلى الرغم من ذلك، فإن العلماء عثروا في السنين الأخيرة على عدد من الهياكل الخلوية في بعض الحفريات القليلة. إذ أشارت دراسة نشرت في دورية "ساينس" (Science) عام 2014 إلى اكتشافهم خلايا سرخس عمرها 190 مليون عام تم دفنها وتحجيرها سريعا من خلال الرماد البركاني. إذ تظهر بعض هذه الخلايا وهي في مرحلة الانقسام الخلوي، كما حُفِظت الكروموسومات بشكل واضح في بعض هذه الخلايا.

وفي عام 2020، أشارت ورقة بحثية نشرتها بايلول إلى إمكانية وجود مادة وراثية محفوظة في جمجمة ديناصور "هيباكروصورس" (Hypacrosaurus) صغير. إذ عثر على هذا الحمض النووي المحتمل في الغضاريف، وهي أنسجة ضامة تكوّن المفاصل.

ولذا، فقد اهتم فريق بايلول بالغضاريف على وجه الخصوص لأنها نسيج جيد للحفاظ على الخلايا، وربما تكون أكثر أهمية من العظام التي طال الاهتمام بها.

حفرية ديناصور "كوديبتركس" قد تكون أقدم سجل محفوظ لمادة وراثية خاصة بكائن فقاري (ويكيبيديا-داديروت)

مخبأة في الحجر

ولهذا، اتجه الباحثون إلى عينة لديناصور "كوديبتركس" في أحد متاحف الصين. إذ تحتوي هذه العينة على غضروف جيد الحفظ. وقد عمد الباحثون إلى تخضيبه بمادة الصباغ التي تستخدم في تصوير الحمض النووي في الأنسجة المعاصرة. إذ ترتبط الصباغ بالحمض النووي، ومن ثم تتحول إلى لون مميز، مما يسمح بتمييز الحمض النووي عن بقية النواة.

وبعد الفحص الجيد للغضاريف المتحجرة والمصبوغة باستخدام عدد من الطرق المجهرية، فقد تعرف الباحثون على خلايا تحتوي على هياكل تشبه النوى تماما وبداخلها خليط من الكروماتين.

غير أن هذا التشابه بين أنوية الديناصور المصبوغة وبين الخلايا الحديثة لا يثبت بالضرورة أنها تحتوي على حمض نووي بداخلها. وتختتم بايلول قائلة إن هذا الأمر يشير إلى "احتواء هذه النوى على مكونات عضوية، ربما يكون بعضها لحمض نووي بالفعل. غير أننا لا نستطيع الجزم بهذا الأمر حاليا. فما زلنا بحاجة إلى معرفة ماهية هذه الجزيئات العضوية".

المصدر : لايف ساينس + مواقع إلكترونية + يوريك ألرت