ألف عام من النشاط الشمسي تسجلها حلقات الأشجار بدقة متناهية

إعادة بناء النشاط الشمسي باستخدام حلقات الأشجار (تصميم الصغير الغربي)

قام فريق دولي من الباحثين بإعادة بناء النشاط الشمسي بدقة غير مسبوقة على مدى الألف سنة الأخيرة، باستخدام قياسات الكربون المشع في حلقات الأشجار.

وتساعد هذه النتائج التي كشفت عن أحداث شمسية غير معروفة لدى العلماء في فهم ديناميكيات الشمس بشكل أفضل، إلى جانب تحسين دقة تأريخ المواد العضوية باستخدام الكربون المشع. وقد نشرت نتائج الدراسة مؤخرا في الدورية العلمية "نيتشر جيوسايتس" (Nature Geoscience).

من المعروف أنه لا يمكن ملاحظة ما يحدث في مركز الشمس إلا من خلال ما يحدث على سطحها، إذ تكشف البقع الشمسية، على سبيل المثال، درجة النشاط الشمسي، فكلما زادت البقع الشمسية على سطح الشمس، دل ذلك على زيادة نشاطه المركزي.

ومع أن البقع الشمسية معروفة منذ العصور القديمة، فإن توثيقها بالتفصيل لم يتيسر إلا مع اختراع التلسكوب قبل حوالي 400 عام. وبفضل ذلك، نعرف اليوم أن عدد البقع يتغير في دورات منتظمة مدتها 11 عاما، وأن هناك دورات طويلة الأمد من النشاط الشمسي، تترك أثرها على مناخ الأرض.

غير أن إعادة بناء كيفية تطور النشاط الشمسي قبل بدء السجلات النظامية ظلت صعبة إلى اليوم، لذلك يسعى العلماء إلى تطوير طرق مبتكرة لدراسة النشاط الشمسي في الماضي البعيد من خلال الآثار التي يتركها على سطح الأرض.

النشاط الشمسي وحلقات الأشجار

لهذا الغرض، قام فريق بحثي دولي بإشراف المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ (ETH Zurich) وفقا للبيان الصحفي للمعهد، بتتبع مسار الشمس خلال دورة 11 عاما باستخدام قياسات تركيز الكربون المشع في حلقات الأشجار.

ولإعادة بناء النشاط الشمسي على مدى ألف عام مع دقة زمنية عالية لا يتعدى هامش الخطأ فيها سنة واحدة، استخدم الباحثون، وفقا لبيان للمعهد السويسري، حلقات أشجار قديمة عثر عليها في إنجلترا وسويسرا أمكن تحديد أعمارها بدقة عن طريق حساب الحلقات. وتحتوي هذه المواد العضوية على كمية مهمة من الكربون، منها جزء ضئيل جدا من الكربون المشع، ذرة واحدة مشعة من كل ألف مليار ذرة كربون.

ومن خلال حساب عدد ذرات الكربون المشع باعتبار أن نصفه يضمحل في غضون 5700 سنة، وهي المدة المعروفة بنصف العمر، أمكن للعلماء استنتاج تركيز الكربون المشع الموجود في الغلاف الجوي عند تشكل حلقة النمو، إذ إن الكربون المشع ينتج بشكل أساسي عن طريق الجسيمات الكونية، التي يعمل المجال المغناطيسي الشمسي على إبعادها عن الأرض إلى حد أكبر أو أقل حسب قوة النشاط الشمسي.

دورات منتظمة في ألف عام

وقد قام الباحثون عبر استخدام مقياس متطور للطيف بإعادة بناء النشاط الشمسي كاملا على مدى الفترة الممتدة بين عامي 969 و1933 ميلادية.

وأتاحت لهم النتائج التي حصلوا عليها تأكيد انتظام دورة النشاط الشمسي كل 11 عاما، وكشفوا أن التفاوت في شدة النشاط بين الأوج والحضيض خلال دورة واحدة يزداد كلما زاد النشاط الشمسي ويتقلص في فترات انخفاضه. وستتيح هذه الملاحظة الجديدة للعلماء فهما أفضل للديناميات الداخلية للشمس، بحسب الباحثين.

رسم بياني لتغيرات النشاط الشمسي خلال الألف سنة الأخيرة (المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا)

وأكدت نتائج الدراسة كذلك بعض الأحداث الشمسية الاستثنائية مثل تلك التي وقعت عام 993 وتسمى "حدث الجسيمات الشمسية" (Solar Particle event)، وقذفت الشمس أثناءه جزيئات عالية الطاقة كالبروتونات في الفضاء. وتؤدي هذه الجسيمات إذا وصلت إلى الأرض، إلى زيادة طفيفة في إنتاج الكربون المشع.

وكشف مؤلفو الدراسة حدثين آخرين من هذا النوع غير معروفين سابقا وقعا في عامي 1052 و1279، مما يشير إلى أن مثل هذه الأحداث، التي يمكن أن تتداخل مع الدوائر الإلكترونية على الأرض والأقمار الصناعية وتعطلها، تحدث بشكل متكرر أكثر مما كان يعتقد سابقا.

ونظرا لوجود أرشيفات حلقات الأشجار على مدار الـ14 ألف عام الماضية، يرغب الباحثون في المستقبل القريب في استخدام طريقتهم لتحديد تركيزات الكربون المشع السنوية منذ نهاية العصر الجليدي الأخير إلى اليوم.

وأكد الباحثون أنه يمكن استخدام البيانات الواردة في الدراسة الجديدة لتأريخ المواد العضوية بشكل أكثر دقة باستخدام الكربون المشع. وقد تم تضمين هذه البيانات بالفعل في الإصدار الأخير من منحنيات معايرة الكربون الراديوي المعترف بها دوليا (IntCal).

المصدر : مواقع إلكترونية