أمل لعلاج عقم الذكور.. تقنية جديدة تكشف طبيعة سباحة الحيوانات المنوية

كان الاعتقاد الشائع لمدة 343 عاما أن الحيوان المنوي يسبح للأمام عن طريق تحريك ذيله للوصول إلى البويضة (فليكرز)

في عام 1677، أي منذ 343 عاما، اكتُشفت الحيوانات المنوية لأول مرة في التاريخ، لكن الأمر استغرق حوالي 200 عام قبل أن يتفق العلماء على دورها في تشكّل البشر، وفي العصر الحديث فهم العلماء بشكل أفضل الدور الذي يلعبه الحيوان المنوي في التكاثر.

وعلى الرغم من أن هناك أكثر من 50 مليون حيوان منوي تسعى للوصول إلى البويضة، أي ما يعادل أكثر من 6 أضعاف عدد سكان لندن أو نيويورك، فإنه في النهاية يصل حيوان منوي واحد فقط لتخصيب البويضة التي ستصبح في النهاية إنسانا.

وكان الاعتقاد الشائع طوال تلك الفترة أن الحيوان المنوي يقوم بهذه الرحلة الملحمية ببساطة عن طريق تحريك ذيله للسباحة إلى الأمام مسافة متناسبة مع ما يحتاجه الإنسان لتسلق جبل إيفرست للعثور على البويضة.

لكن دراسة حديثة نشرت بدورية ساينس أدفانسز (Science Advances) يوم 31 يوليو/تموز الماضي وجدت أن الحيوانات المنوية قد خدعت العلماء لقرون عدة.

التكوين المسبق

اعتقد أنصار نظرية "التكوين المسبق" أن البويضة تحتوي على صورة مصغرة (قزم) من الإنسان اليافع، وأن التكوين يبدأ عند التنبيه بالسائل المنوي، وعندما اكتشف أنتوني فان ليفنهوك الحيوان المنوي في الإنسان لأول مرة بعد اختراعه أول مجهر ضوئي بسيط، فقد عارض نظرية التوالد التلقائي، وقدم أدلة كثيرة تؤيد رأيه.

اكتشف أنتوني فان ليفنهوك الحيوان المنوي لأول مرة بعد اختراعه أول مجهر ضوئي بسيط (ويكيواند)

وصف ليفينهوك الحيوانات المنوية بأنها "حيوان حي له ذيل، عند السباحة يضرب بقوة بحركة تشبه ثعبان البحر في الماء"، ولهذا اتجهت النظرية إلى افتراض أن الحيوان المنوي هو الذي يحتوي على الجنين، وفي النهاية أتى العالم سبالانزاني وأثبت أن تكوين فرد جديد يحتاج إلى أمشاج أنثوية وذكرية.

اللافت للنظر أن تصوراتنا لكيفية سباحة الحيوانات المنوية إلى الأمام عن طريق تحريك ذيلها من جانب إلى آخر لم تتغير منذ ذلك الحين، لكن البحث الجديد أظهر أن فهمنا لكيفية سباحة الحيوانات المنوية خلال 343 عاما الماضية كان مغلوطا.

مفاجأة غير متوقعة

باستخدام أحدث التقنيات المجهرية ثلاثية الأبعاد، تمكن فريق من الباحثين من المملكة المتحدة والمكسيك من إعادة حساب الحركة السريعة لذيول الحيوانات المنوية في الأبعاد الثلاثية رياضيا.

إذ استخدم الباحثون كاميرا فائقة السرعة قادرة على التقاط أكثر من 55 ألف إطار في الثانية، إلى جانب ما يسمى بالماسح الضوئي الذي يولد طاقته الخاصة من خلال اللمس، للمسح ثلاثي الأبعاد لذيول الحيوانات المنوية بشكل فعال أثناء السباحة بِحُرية.

وجد هيرميس غاديلا، المحاضر الأول في الرياضيات التطبيقية ونمذجة البيانات بجامعة بريستول (University of Bristol)، معد الورقة البحثية وزملاؤه أن الحيوانات المنوية لها ذيول متعرجة، وتذبذب على جانب واحد فقط، مما يجعلها تسبح في دوائر.

ووجد الباحثون أن حركة الذيل الشبيهة بالسوط يمكن أن تضرب أكثر من 20 ضربة سباحة في أقل من ثانية واحدة. وأن الحيوانات المنوية تسبح بالفعل بحركة أسطوانية مثل ثعالب الماء، بدلا من الالتواء مثل ثعبان البحر بسبب "ذيولها المتزعزعة" على جانب واحد.

أدت هذه النتيجة إلى إسقاط الاعتقاد السائد لمدة 343 عاما، بأن ذيول الحيوانات المنوية تضرب "بحركة تشبه الثعابين"، مما شكل مفاجأة غير متوقعة للعلماء، وأكد الباحثون أن هذا الاعتقاد كان مجرد خداع بصري ناتج عن رؤية الحركة السريعة والمتزامنة للغاية للحيوانات المنوية تحت المجاهر القياسية ثنائية الأبعاد.

أسرار التكاثر البشري

يمكن أن تساعد النتائج الجديدة لهذه الدراسة في فهم أسباب العقم عند الذكور ومعالجتها بشكل أفضل، حيث ذكر غاديلا في مقاله على موقع ذا كونفرزيشن (The Conversation) أن "أكثر من نصف حالات العقم ناجمة عن العوامل الذكورية، إلا أن فهم ذيول الحيوانات المنوية البشرية أمر أساسي لتطوير أدوات تشخيصية مستقبلية لتحديد الحيوانات المنوية غير السليمة".

تسبح الحيوانات المنوية البشرية مسافة متناسبة مع تسلق الإنسان جبل إيفرست للعثور على البويضة لتخصيبها (ويكيبيديا)

وقال عالم الأحياء ألبرتو دارسون، المشارك في الدراسة من الجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك (National Autonomous University of Mexico)، إن هذا الاكتشاف سيحدث ثورة في فهمنا لحركة الحيوانات المنوية وتأثيرها على الإخصاب الطبيعي.

المصدر : الصحافة الأسترالية