تشمل أنظمة استشعار وتخفٍ.. العالم يستلهم تقنيات المستقبل من أجنحة الفراشات

التقزح اللوني على جناح فراشة مورفو ديديوس يساعد على تطوير ألواح شمسية ذات كفاءة عالية (فليكرز)

المحاكاة الحيوية هي تقليد النماذج والأنظمة والعناصر الموجودة في الطبيعة بغرض حل المشكلات البشرية المعقدة. وهي محاكاة تعود كممارسة إلى بدء الخليقة، لكنها اكتسبت زخما كبيرا في الفترة الأخيرة بوصفها توجها علميا مستقبليا.

من ذلك الدراسة الجديدة التي نشر موقع يوريك ألرت (Eurek Alert) تقريرا عنها يوم 14 يوليو/تموز الجاري، وأظهرت استلهام العلماء الخصائص المدهشة لتركيبة أجنحة الفراشات لتطوير تقنيات مستقبلية في مجالات مختلفة مثل أنظمة الاستشعار الدقيقة وتطوير الألواح الشمسية وأنظمة التخفي.

راجع العلماء الصينيون بجامعة جياو تونغ في شنغهاي في دراستهم الجديدة تلك، التي نشرت في ناشيونال ساينس رفيو (National Science Review)، التوجهات التقنية المستلهمة من أجنحة الفراشات، والتي أثبتت تفوقها على أنظمة مماثلة مستوحاة من الأنواع الطبيعية الأخرى.

ألواح شمسية

في جامعة أستراليا الوطنية، قام باحثون في دراسة نشرت في دورية إيه سي إس فوتونيكس (ACS Photonics) ببناء هياكل مماثلة لأجنحة فراشة مورفو ديديوس (Morpho Didius) ذات البنية النانوية والمخروطية الشكل، تبعثر الضوء لخلق تقزح أزرق مذهل، للتحكم بدقة في اتجاه الضوء.

وتستخدم تقنيات التحكم الدقيق في تشتيت الضوء وانعكاسه مع امتصاص الألوان منه في تطوير الجيل القادم من الألواح الشمسية عالية الكفاءة والتطبيقات الأخرى التي تتطلب معالجة دقيقة للضوء.

ويأمل الباحثون في استخدام هذه التقنية لجعل الأجسام غير الشفافة شفافة لألوان معينة كجزء من تطبيقات التخفي الجديدة. وكذلك في الهندسة المعمارية للتحكم في كمية الضوء والحرارة التي تمر عبر النوافذ.

أجهزة استشعار مستوحاة من تركيبة أجنحة الفراشات تحذر من حدوث الزلازل (جامعة سراي)

أما العلماء في جامعتي سراي وساسكس فقد استلهموا من المحاكاة الحيوية لأجنحة الفراشة لتطوير مادة مبتكرة يمكن أن تكون حجر الزاوية للجيل التالي من أجهزة الاستشعار الذكية. وهي عبارة عن بلورات ضوئية مرنة متغيرة الألوان يمكن استخدامها لتطوير أجهزة استشعار دقيقة.

وحسب بيان جامعة ساري، فإن أجهزة الاستشعار القابلة للارتداء والقوية ومنخفضة التكلفة يمكنها الاستجابة بشكل حساس للضوء، أو درجة الحرارة أو الإجهاد أو غيرها من المحفزات الفيزيائية والكيميائية، مما يجعلها خيارا واعدا لتطبيقات الاستشعار الذكية في عدة مجالات كالرعاية الصحية وسلامة الغذاء والتحذير من حدوث الزلازل.

كرة البولنيغ واستشعار الرطوبة

يشبه العلماء سقوط قطرة ماء على فراشة بسقوط كرة بولينغ على إنسان، ورغم ذلك لا يبدو أنها تتأثر كثيرا بتساقط الأمطار عليها، ويكمن السر في تركيبة أجنحتها التي تحتوي على نتوءات صغيرة جدا تساعد على تحطيم القطرة، وفي غلافها الشمعي الذي يعمل على طرد الماء ونشره.

بالإضافة إلى حماية الفراشة من الإصابة، فإن تفتيت الماء بشكل سريع يمنع أجنحة الحشرة من البرودة، ويبقيها دافئة ويخلصها من ثقل الماء الذي قد يجعل طيرانها أمرا صعبا.

وهذه الخصائص الفريدة تلهم العلماء لتطوير مواد تتمتع بخصائص مشابهة لمنع تراكم الجليد على أجنحة الطائرات على سبيل المثال.

وينسب العلماء التقزح اللامع للون الأزرق المعدني على أجنحة فراشة مورفو ديديوس (أي تغير اللون مع تغيير زاوية النظر) إلى الهياكل النانوية الصغيرة الشبيهة بالأعمدة الموجودة على قشور أجنحتها.

ووجدت الدراسة، التي نشرها باحثون من جامعة إكستر في مجلة الأكاديمية الأميركية للعلوم بي إن إيه إس (PNAS)، أن جزيئات البخار تلتصق بشكل مختلف بين قمم هذه الأعمدة وأسفلها.

ويرى الباحثون أن هذه الاستجابة الانتقائية لجزيئات البخار هي مفتاح لتطوير تطبيقات تكنولوجية جديدة كأجهزة استشعار الرطوبة وعلامات الأمان الضوئية وأسطح التنظيف الذاتي والملابس الواقية.

الأسود الفائق وتطبيقاته

تعرف أجنحة بعض أنواع الفراشات رغم سمكها الرفيع، بألوانها السوداء الفائقة، وتصل درجة سوادها إلى 100 مرة سواد الفحم أو المخمل الأسود. وهي قادرة رغم سمكها الرفيع على امتصاص 99.94% من الضوء، حسب دراسة منشورة في نيتشر كومينيكيشن (Nature Communications).

وعلى عكس بعض الحيوانات السوداء الأخرى، لا يرجع هذا التلوين الاستثنائي إلى زيادة الميلانين (كما هي الحال في ريش الغراب أو شعر قطة سوداء)، بل إلى البنية المعقدة للأجنحة المغطاة بقشور، والتي يتشكل سطحها من شبكة من التلال والثقوب توجّه الضوء نحو الداخل حيث تعمل هياكل نانوية تشبه الأعمدة على تشتيته وامتصاصه.

أجنحة بعض أنواع الفراشات رغم سمكها الرفيع تتميز بلون أسود فائق يصل إلى 100 مرة سواد الفحم (فليكرز)

ونظرا لقدرته على "احتجاز" الضوء، يمكن لهذا اللون الأسود الفائق أن يحسن أداء الأدوات البصرية، ولهذا السبب يتم استخدامه اليوم في علم الفلك والفضاء. كما يجد أهميته أيضا في زيادة كفاءة الألواح الشمسية لامتصاص المزيد من الطاقة الشمسية.

يقول الباحثون الصينيون في دراستهم الجديدة المشار إليها إنه يتعين القيام بالمزيد من البحث للاستفادة من خصائص أجنحة الفراشات في تصنيع النظم الوظيفية ذات الاستجابات المتعددة والكفاءات العالية التي تمكّن من تلبية نقص الطاقة العالمي والتدهور البيئي الصحي العالمي.

المصدر : الصحافة الأميركية