بكتيريا "تتنفس الصخور" قد تكون أساسا لتطوير الحوسبة الكمية

قد توفر بكتيريا "شوانيلا وانيدنسيس" التي تأكل وتتنفس الصخور أسسا علمية لتطور الحوسبة الكمومية (ويكيميديا)
بكتيريا "شوانيلا أونيدنسيس" تأكل الصخور وتتنفسها وقد توفر أسسا علمية لتطور الحوسبة الكمية (ويكيميديا)

طارق قابيل

وجد باحثون في كلية الآداب والعلوم بجامعة جنوب كاليفورنيا في دورنسيف ومعهد "وايزمان" للعلوم، أن "الأسلاك" النانوية البروتينية التي تربط الخلية البكتيرية بسطح صلب، تميل إلى نقل الإلكترونات مع دوران معين.

وقالوا إن هذه القدرة على اختيار الدوران الكمي للإلكترون قد يكون لها آثار على استخدام البكتيريا في التكنولوجيا الحيوية وفي الجهود المتزايدة لإنشاء خلايا طاقة قائمة على البكتيريا، فضلا عن التقنيات الإلكترونية المستقبلية.

وقد ظهرت الدراسة في مجلة "الجمعية الكيميائية الأميركية" الصادرة يوم 11 ديسمبر/كانون الأول 2019.

بكتيريا تتنفس الصخور
بينما تستخدم معظم الكائنات الحية الأكسجين للحصول على الطاقة، هناك بكتيريا كهربية تأكل وتتنفس الصخور وجزيئات المعادن مثل المنغنيز والرصاص والحديد وغيرها، مثل بكتيريا "شوانيلا أونيدنسيس" (Shewanella oneidensis).

تم اكتشاف وعزل هذه البكتيريا لأول مرة في بحيرة أونيدا بنيويورك عام 1988، وهي تعلق على سطح الصخور التي تحتوي على المعادن.

وتطلق البكتيريا خيوطا طويلة تسمى الأسلاك النانوية التي تستخدم للاتصال مباشرة بالمعدن، وتنقل الإلكترونات إلى جزيئات معدنية، فيحدث تدفق للتيار الكهربائي، وهذا ما يبقيها حية. ومن حيث التمثيل الغذائي، فإنها "تتنفس" المعادن أو الأقطاب الكهربائية.

وتحت إشراف أستاذ الفيزياء وعلم الفلك والكيمياء بجامعة جنوب كاليفورنيا الدكتور محمد النجار، ورون نعمان من معهد وايزمان، درس الباحثون البكتيريا التي يمكنها استخدام الأسطح الصلبة بالطريقة نفسها التي تستخدم بها الحيوانات الأكسجين للتنفس.

‪تم اكتشاف وعزل بكتيريا
‪تم اكتشاف وعزل بكتيريا "شوانيلا أونيدنسيس" لأول مرة في بحيرة أونيدا بنيويورك عام 1988 (ويكيميديا)‬ تم اكتشاف وعزل بكتيريا "شوانيلا أونيدنسيس" لأول مرة في بحيرة أونيدا بنيويورك عام 1988 (ويكيميديا)

وبدلا من إلقاء الإلكترونات المتولدة أثناء عملية التمثيل الغذائي على جزيئات الأكسجين المستنشقة، ترسل البكتيريا الإلكترونات إلى بروتينات متخصصة تصل إلى سطح خارجي.

وقال كبير الباحثين في جامعة جنوب كاليفورنيا سهند برباديان "على عكس معظم الكائنات القادرة على استخدام الأكسجين كمستقبل للإلكترون، تنقل هذه البكتيريا الإلكترونات إلى معدن صلب، أو -كما تفعل في مختبرنا- إلى أقطاب كهربائية خارج الخلية".

للوصول إلى السطح الخارجي، يتم نقل الإلكترونات عبر جزيئات البروتين المختلفة التي تشكل قنوات كهربائية. وتحتوي هذه البروتينات على حقول مغناطيسية يمكن أن تفضل دورانا معينا أثناء انتقال الإلكترونات.

اللف المغزلي
اللف المغزلي أو كمية التحرك الزاوي للإلكترونات خاصية تعبر عن دوران الجسيم الأولي حول نفسه، وتمثل ظاهرة ميكانيكية كمية أصيلة.

ويمكن تقريب ظاهرة اللف المغزلي للإلكترون إلى الفهم عن طريق تشبيهها بدوران الأرض حول نفسها، إضافة إلى دورانها حول الشمس، فكذلك يلف الإلكترون حول نفسه ويدور في الوقت نفسه في مدار حول النواة.

ويقترن اللف المغزلي للإلكترون بعزم مغناطيسي هو الأصل في ظاهرة مغناطيسية المواد. ويمكن أن تؤثر الحقول المغناطيسية على اتجاه دوران الإلكترون الكمي، وقلبه من أعلى إلى أسفل، والعكس. وهذا لا يتطلب الكثير، وحتى الخلية البكتيرية يمكنها القيام بذلك.

‪العديد من الجزيئات البيولوجية تظهر في نسختين تشبه اليدين فيما يسمى الكيرالية (ويكيبيديا)‬ العديد من الجزيئات البيولوجية تظهر في نسختين تشبه اليدين فيما يسمى الكيرالية (ويكيبيديا)
‪العديد من الجزيئات البيولوجية تظهر في نسختين تشبه اليدين فيما يسمى الكيرالية (ويكيبيديا)‬ العديد من الجزيئات البيولوجية تظهر في نسختين تشبه اليدين فيما يسمى الكيرالية (ويكيبيديا)

الكيرالية
يقول برباديان إن "العلماء وجدوا أن هذه الحقول المغناطيسية تتأثر بخاصية البروتينات التي يطلق عليها الكيرالية".

وتظهر العديد من الجزيئات -وخاصة الجزيئات البيولوجية- في نسختين، كل منهما صورة طبق الأصل للأخرى، ويطلق العلماء على هذا اسم "الكيرالية" أو "عدم التناظر المرآتي".

ووفقا للباحثين، تؤثر كيرالية البروتين على قطبية الحقول المغناطيسية التي تعاني منها الإلكترونات لأنها تنتقل عبر البروتين للوصول إلى خارج البكتيريا التي تتنفس الصخور.

يقول النجار إن "هذه الدراسة هي الأولى التي تؤكد أن البروتينات الموصلة كهربائيا في هذه الخلايا تقوم باختيار دوران الإلكترونات".

الدوران قيد الاستخدام
درس النجار وزملاؤه هذه البكتيريا "التي تتنفس الصخور"، والتي قد تُستخدم يوما ما في إنتاج الطاقة المستدامة لسنوات، ويقول
إن اكتشاف أن البروتينات الموصلة للإلكترون في هذه البكتيريا يمكن أن تختار دورانا إلكترونيا معينا يعتمد على الكيرالية، قد يكون مفيدا في تطوير أجهزة إلكترونية معينة تسمى الإلكترونيات الدورانية.

ولا تستخدم الإلكترونيات الدورانية شحنة الإلكترونات فحسب، بل تستخدم أيضا دورانها الكمي، وقد يكون مفيدا بشكل خاص في الحوسبة الكمية.

تختلف دراسة الإلكترونيات الدورانية عن الدراسة القديمة للإلكترونيات المغناطيسية، في أنه تتم دراسة الدوران الذاتي للإلكترون والعزم المغناطيسي المرتبط به، بالإضافة إلى شحنة الإلكترون الأساسية، والتحكم بالدوران من قبل كل من المجالات المغناطيسية والكهربائية.

وقال النجار إن "هناك بحثا مستمرا عن المواد التي يمكن أن تكون بمثابة أساس لتقنيات الإلكترونيات الدورانية الجديدة". ويضيف "يظهر عملنا أن السيتوكرومات  (فئة من البروتينات) البكتيرية قد تكون مرشحة مثيرة للاهتمام للإلكترونيات الدورانية".

ويمكن أن يساعد فهم كيفية تأثير البروتينات على الدوران الكمي للإلكترونات، العلماء على فهم كيفية تأثير الحقول المغناطيسية على بعض العمليات البيولوجية.

المصدر : الجزيرة