الصحراء الليبية كانت خضراء رطبة قبل 10 آلاف عام

صحراء ليبيا هي من أكثر المناطق العالمية التي تعتبر قاحلة (بيكساباي)
صحراء ليبيا هي من أكثر المناطق العالمية التي تعتبر قاحلة (بيكسابي)

هشام بومجوط

لطالما اعتقد خبراء البيئة أن الصحراء الكبرى التي تضم أجزاء من ليبيا والجزائر كانت في السابق أرضا خضراء، لكن دراسة جديدة كشفت أن هذه المنطقة كانت قبل حوالي 10 آلاف سنة منطقة رطبة ومرتعا لحيوانات وأسماك من أنواع مختلفة.

استنطاق الحفريات
اعتمد باحثون من ألمانيا وبلجيكا في هذه الدراسة التي نشرت يوم 19 فبراير/شباط الجاري بمجلة "بلوس وان"، على 17 ألف حفرية تم العثور عليها في الفترة الممتدة ما بين 2003 و2006 في موقع مساحته حوالي 145 مترا مربعا بمنطقة تكركوري جنوبي غربي ليبيا، أي قرب الحدود الجزائرية.

وتمكّن العلماء من استنطاق هذه الحفريات واستخراج قصصها في الفترة التي تعود إلى ما قبل حوالي 10200 سنة إلى 4500 سنة، وقد كانت المفاجأة كبيرة حيث اكتشفوا أن هذه المنطقة التي هي اليوم صحراء قاحلة كانت بالأمس منطقة رطبة وكان لها أيضا رافدان مع نهر النيل.

يقول الباحث ويم فان نير من المعهد الملكي للعلوم الطبيعية في التعليق الذي رافق الدراسة، إن أهمية هذا العمل تكمن في معرفة تقريبية لكيفية تحوّل المناطق والأراضي الخصبة والخضراء إلى مناطق قاحلة، وذلك تحسبا لمواجهة التغيرات المناخية، الظاهرة التي نعيشها اليوم.

وتشير هذه الحفريات إلى أن المنطقة كانت عامرة بالحيوانات من كل الأنواع وبعض الأشجار والنباتات من مختلف الفصائل، وأن هناك مجموعات من البشر سكنت المنطقة، وهو ما تؤكده بقايا من الرسوم الحائطية التي كان يلجأ إليها الرجل البدائي للتعبير عما بداخله أو رسم محيطه.

الأنواع التي سكنت المنطقة
بحسب الدراسة، فإن 80% من هذه الحفريات تعود للأسماك التي عاشت في الفترة ما بين 10200 و8000 عام، و19% هي حفريات لثدييات، أما الباقي فهي تعود لبعض أصناف الطيور والرخويات والبرمائيات.

‪إحدى واحات ليبيا وهي ما بقي من هذه المنطقة التي كانت خضراء رطبة‬ (بيكسابي)
‪إحدى واحات ليبيا وهي ما بقي من هذه المنطقة التي كانت خضراء رطبة‬ (بيكسابي)

ومن أهم الأسماك التي تم العثور على بقاياها، سمك القط، والبلطي النيلي نسبة إلى نهر النيل. ومن البرمائيات نجد العلجوم والتمساح والسلحفاة، ومن الثدييات اليربوع والأرنب والنمس المصري والقط البري والوشق والفنك والغنم والغزال ووحيد القرن وغيرها من الثدييات.

أما الطيور فوجد العلماء بقايا 21 نوعا كالغراب الذي لا يعرف بعد سبب انقراضه في المنطقة، والصقر ويبدو أن 10 من هذه الأنواع تعيش بالقرب من المسطحات المائية كطائر البجع والغاق.

الإنسان يستجيب للتغيرات
وقد لاحظ العلماء أن حجم السمك تضاءل وعددها تراجع بنسبة 40% ما بين 5900 و4650 سنة خلت، وذلك مقابل تزايد عدد الثدييات.

وهو ما دفع الإنسان آنذاك إلى تغيير نمط غذائه، فبينما كان يعتمد على أكل الأسماك بالدرجة الأولى، أصبح يعتمد أكثر على الصيد البري قبل أن يتحوّل إلى تربية المواشي.

وحتى استهلاكه للأسماك طرأت عليه تغيرات، حيث وجد العلماء أن إنسان ذلك الوقت أصبح يميل أكثر إلى أكل نوع من الأسماك التي تشبه سمك القط التي لا تعيش في أعماق المياه حيث تفضل السطح، مما يجعل صيدها سهلا.

وتعليقا على الدراسة قال خبير التغيرات المناخية الجزائري كمال جموعي في تصريح هاتفي للجزيرة نت "مثل هذه الدراسات قيمة ومثيرة وضرورية، لأنها تساهم في فهم ما حصل على كوكبنا وكيف تحولت الأراضي الخضراء إلى مناطق قاحلة، مما يسهم في الإعداد لمواجهة مثل هذه الظواهر على المدى الطويل".

المصدر : الجزيرة