المجال المغناطيسي للأرض عمره أكثر من 4 مليارات عام

بلورات الزركون ساعدت في تحديد اتجاه المجال المغناطيسي الماضي وشدته (يوريك ألرت)
بلورات الزركون ساعدت في تحديد اتجاه المجال المغناطيسي الماضي وشدته (يوريك ألرت)

ليلى علي

باستخدام أحجار الزركون، أقدم المعادن على الأرض، توصل العلماء إلى أن عمر المجال المغناطيسي للأرض يرجع إلى أكثر من أربعة مليارات سنة، أي بعمر الأرض تقريبا، كما يقدم البحث الجديد من جامعة روتشستر دليلا على أن المجال المغناطيسي الذي تشكل لأول مرة حول الأرض كان أقوى مما كان يعتقد العلماء سابقا.

سيساعد البحث -الذي نشر في مجلة PNAS، في 21 يناير/كانون الثاني 2020- العلماء على استخلاص استنتاجات حول استدامة الدرع المغناطيسي للأرض، وعما إذا كانت هناك كواكب أخرى في النظام الشمسي لديها الظروف الملائمة لإيواء حياة عليها.

يقول جون تاردونو المشارك بالبحث وأستاذ علوم الأرض والبيئة بجامعة روتشستر "هذا البحث يخبرنا عن ماهية تكوين الكوكب الصالح للحياة".

ولتحديد عمر الحقل المغناطيسي للأرض أهمية قصوى لفهم تطور الكوكب، لأن الحقل يحمي الغلاف الجوي من الرياح الشمسية.

كما يوفر غياب أو وجود المجال المغنطيسي الأرضي أيضا مقياسا فريدا للظروف الأساسية المبكرة لتشكل حياة.

إن الدليل على وجود حقل مغنطيسي أرضي عمره 4.2 مليارات عام، جاء من التحليلات المغناطيسية القديمة لحجر الزركون.

المجال المغناطيسي اليوم وقديما
الدرع المغناطيسي للأرض اليوم يتم توليده في اللب الخارجي للأرض، حيث تتسبب الحرارة الشديدة في اللب الداخلي الكثيف للأرض في تحريك الطبقة الخارجية، المكونة من الحديد السائل، محدثة دوامة وتقلبات، وتوليد تيارات كهربائية، لتولد ظاهرة تسمى الجيودينامو التي تشغل المجال المغناطيسي للأرض.

وتتأثر التيارات الموجودة في اللب الخارجي السائل بشدة بالحرارة التي تتدفق من اللب الداخلي الصلب. وبسبب الموقع ودرجات الحرارة القصوى للمواد الموجودة في قلب الأرض لا يستطيع العلماء قياس المجال المغناطيسي بشكل مباشر.

ولكن لحسن الحظ، تحتوي المعادن التي ترتفع إلى سطح الأرض على جزيئات مغناطيسية صغيرة تشير إلى اتجاه وكثافة المجال المغناطيسي.

وباستخدام بيانات مغناطيسية ضوئية جديدة، ومجهر إلكترونى، وبيانات جيوكيميائية، قام الباحثون بتأريخ وتحليل بلورات الزركون، أقدم المعادن على وجه الأرض، التي تم جمعها من مواقع في أستراليا.

يحتوي الزركون، وهو عبارة عن عُشر ملليمتر، على جزيئات مغناطيسية أصغر حجما تشير إلى مغنطة الأرض في وقت تشكيل الزركون.

‪الدرع المغناطيسي للأرض اليوم يتم توليده في اللب الخارجي‬  (بيكسابي)
‪الدرع المغناطيسي للأرض اليوم يتم توليده في اللب الخارجي‬ (بيكسابي)

ووجدت الأبحاث -التي أجراها تاردونو- أن المجال المغناطيسي للأرض يبلغ من العمر 4.2 مليارات سنة على الأقل، وهو بذلك كان موجودا تقريبا منذ بداية عمر الكوكب.

غير أنه وعلى الجانب الآخر، فإن اللب الداخلي للأرض يعد حديثا نسبيا، فقد تشكل منذ حوالي 565 مليون عام فقط، وفقا للأبحاث التي نشرها تاردونو وزملاؤه في وقت سابق من هذا العام.

ترسيب أكسيد المغنسيوم
وبينما اعتقد الباحثون في البداية أن المجال المغناطيسي المبكر للأرض كان ضعيفا، تشير بيانات الزركون الجديدة إلى أنه كان مجالا مغناطيسيا قويا.

ولكن نظرا لأن اللب الداخلي لم يكن قد تشكل بعد، فإن الحقل القوي -الذي نشأ في الأصل قبل أربعة مليارات عام- يجب أن يكون مدعوما بواسطة آلية أخرى تقوم بتشغيله.

يقول تاردونو "نعتقد أن هذه الآلية هي الترسيب الكيميائي لأكسيد المغنسيوم داخل الأرض". ومن المحتمل أن إذابة أكسيد المغنسيوم كانت تتم بسبب تأثير الحرارة الشديدة الناتجة عن تشكل قمر الأرض. كما أنه وأثناء مرحلة تبريد الأرض، يمكن أن يتأكسد أكسيد المغنسيوم منشطا بذلك عملية الانتقال الحراري والجيودينامو.

ويعتقد الباحثون أن الأرض الداخلية استنفدت في النهاية مصدر أكسيد المغنسيوم إلى درجة أن الحقل المغناطيسي قد انهار بالكامل تقريبا قبل 565 مليون عام.

لكن تكوين اللب الداخلي للأرض وفر مصدرا جديدا للتشغيل الديناميكي الأرضي والدرع المغناطيسي الكوكبي للأرض اليوم.

انهيار الدرع المغناطيسي للمريخ
يقول تاردونو "المجال المغنطيسي المبكر للأرض كان بالغ الأهمية لأنه كان يحمي الغلاف الجوي ويحافظ على مياه الأرض عندما كانت الرياح الشمسية أكثر كثافة".

ويضيف: من شبه المؤكد أن آلية توليد الحقل المغناطيسي مهمة جدا لدراسة الكواكب الأخرى والكواكب خارج مجموعتنا الشمسية. ومن المعروف أن النظرية الرائدة، بخصوص كوكب المريخ، أنه كان مثل كوكب الأرض، له حقل مغناطيسي مبكر. ومع ذلك، انهار الحقل، ولم يولد المريخ مجالا جديدا عكس الأرض.

ويختم بالقول "بمجرد أن فقد كوكب المريخ درعه المغناطيسي، فقد ماءه. لكننا ما زلنا لا نعرف سبب انهيار الدرع المغناطيسي. لذا نحن مهتمون باستدامة المجال المغناطيسي. وهذه الدراسة توفر لنا المزيد من البيانات في محاولة معرفة مجموعة العوامل التي حافظت على الدرع المغناطيسي لكوكب الأرض".

المصدر : الجزيرة