قطط وفئران تتسبب في مأساة الانقراض على الجزر

Said سعيد - ساهمت الجرذان في مأساة الانقراض على الجزر - صورة من أرشيف الجزيرة - قطط وفئران تتسبب في مأساة الانقراض على الجُزُر
الخبراء يقولون إن الجرذان نجحت في غزو 90% من مجموعات الجزر المتقاربة حول العالم (الجزيرة)

أحمد الديب

في رواية "مزرعة الحيوان" -رائعة جورج أورويل- نص دستور الحيوانات الأول بعد ثورتهم المجيدة على أن "جميع الحيوانات متساوية"، قبل أن يلحق تعديل دستوري بهذه المادة لتصير "جميع الحيوانات متساوية، لكن بعضها أكثر مساواة من الآخرين"!

تعديل أتى بعدما بدأت بذور السلطة تؤتي ثمارها في نفوس الخنازير التي طال عليها الأمد في الحكم حتى تسربت إليها كثير من صفات البشر.

قطط وفئران جلبها البشر
كثير من البشر يعتبرون بالفعل أن بعض الحيوانات "أكثر مساواة" من بعضها. فنحن نفضل الكلاب والقطط والخيول والأبقار على الفئران والأفاعي والعقارب والذباب.

وقد يدفعنا لذلك أهمية الحيوان الغذائية أو الاقتصادية أو طباعه أو حتى ملامحه. أسباب تخصنا وحدنا ولا شأن لها بالصالح العام للطبيعة التي نحيا فيها مع جيراننا من المخلوقات، التي يعتمد بقاؤها على التوازن الدقيق للغاية بين الأنواع الحية.

وقصور نظر البشر هذا تضافر مع أنانيتهم المطلقة فظهر الفساد في البر والبحر، وحتى في الجُزُر، التي تقدر أعدادها بحوالي 465 ألف جزيرة متفرقة في بحار العالم، تتجاوز نسبة مجموع مساحاتها بقليل 5% من مساحة اليابسة الكلية.

وقد شهدت تلك المساحات الضئيلة (ثلاثة أرباع منها) انقراضات للثدييات والطيور والزواحف والبرمائيات في العصر الحديث (منذ 1500 عام)، طبقا لدراسة منشورة حديثا بدورية بلوس وان PLOS One.

واليوم تعتبر الجزر وطنا لنسبة 36% من الأنواع الحية المهدّدة بالانقراض، وتوشك أن تصير لهم قبورا. والسبب؟ القطط والفئران التي جلبها البشر معهم للجزر!

سجلات حافلة
يقول الدكتور "نك هولمز" المدير العلمي لمركز حماية الجزر بمنطقة خليج سان فرانسيسكو -والباحث الرئيس في الدراسة – في تصريح خاص للجزيرة نت عبر البريد الإلكتروني "نجحت الجرذان في غزو ما يتراوح بين 80% إلى 90% من مجموعات الجزر المتقاربة حول العالم. وقد بدأ توافدها إليها مع عصور الاكتشافات والاستعمار الأوروبي، مسافرة في الخفاء على ظهور السفن".

ويضيف "أما القطط فلم تكن بحاجة إلى التخفي، وإنما اصطحبها المسافرون معهم -باعتبارها حيوانات أليفة- قبل أن يحدث ما يكسر تلك الألفة، وتجد القطط أنفسها مرة أخرى في مواجهة الحياة البرية، وتنسلّ بالتدريج من الاستئناس إلى حياة التوحش والافتراس، وهو ما أدى بالفعل إلى انقراض العديد من الأنواع، بينما تنتظر عدة أنواع أخرى في جزر العالم مصائر مشابهة".

القطط قد تدخل إلى بيئات غير بيئاتها الطبيعية فتخل بالتوازن وتسبب الانقراضات (مواقع التواصل الاجتماعي)
القطط قد تدخل إلى بيئات غير بيئاتها الطبيعية فتخل بالتوازن وتسبب الانقراضات (مواقع التواصل الاجتماعي)

تحتل القطط (التي تهدد اليوم بقاء 430 نوعا من المخلوقات) المركز الثاني بين الأنواع المغيرة التي تدخل إلى بيئات غير بيئاتها الطبيعية فتخلّ بالتوازن وتسبب الانقراضات، تليها مباشرة القوارض المغيرة التي تهدد 420 نوعا. أما المركز الأول فيحتفظ به فطر مجهري -انتشر في العالم أيضا مع ازدهار التجارة البحرية- مختص في استهداف البرمائيات، ويهدد منها خمسمئة نوع تقريبا!

إزاحة الأنواع المغيرة
يقول الدكتور هولمز "لإنقاذ التنوع الحيوي على الجزر، ووضع حد لكوارث الانقراضات المتوالية عليها، يجب العمل فورا على إزاحة هذه الأنواع المُغيرة. ودراستنا تقدم خارطة طريق عالمية لأهم الأماكن التي تحتاج إلى التدخل العاجل".

ووضع الباحثون قائمة من 169 جزيرة، سيؤدي القضاء على الأنواع المغيرة فيها إلى إنقاذ نسبة 9.4% من الأنواع التي ترزح تحت شبح الانقراض العاجل.

وتتصدر القائمة جزيرة "سوكورو" المكسيكية التي يهدد فيها غزو القطط والفئران طيور جلم الماء وسحالي أشجار سوكورو المميزة بلونها الأزرق الجميل.

وفي جزيرة سان خوسيه المكسيكية أيضا قد يساعد التخلص من الضواري المُغِيرة في إنقاذ ما تبقى من أرانب الفرشاة والجرذان الكنغرية التي لم تعد تعيش بأي مكان آخر في البرية.

أما على جزيرة "جُوف" البريطانية القريبة من جزيرة سانت هيلينا، فاجتياح الفئران يهدد كثيرا من أنواع الطيور المستوطنة، من شراشير "جُوف" وزمج الماء الأطلنطي وقطرس تريستان، وقد سجلت الكاميرات مشاهد مروعة للفئران وهي تتوافد في ظلام الليل على فرخ من صغار الأخير وتنهشه حيا قبل أن يعود والداه في الصباح ليجداه جثة هامدة.

كل هذا الرعب بدأ بزوجين لـ -قط وفأر- هبطا من سفينة قادها البشر إلى جزيرة نائية معزولة لم تعرف منذ فجر تاريخها مثيلا للكائنات الوافدة.

ومنذ ذلك الحين والضحايا تتساقط والأنواع تفنى ولا نبالي، فقط لأن بعض الحيوانات -فيما يبدو- أقل مساواة من الآخرين.

المصدر : الجزيرة