العثور على حالة خامسة للمادة تعرف بالصلابة الفائقة

Said سعيد - عشرات الآلاف من الجزيئات تنظّم تلقائيًا في بنية بلورية تحدد نفسها بينما تتقاسم نفس الدالة الموجية - وهي علامات الصلابة - العثور على حالة خامسة للمادة تعرف بالصلابة الفائقة
عشرات آلاف الجزيئات تنظّم تلقائيًا في بنية بلورية تحدد نفسها بينما تتقاسم نفس الدالة الموجية (الجزيرة)

الصغير محمد الغربي

حصل فيزيائيون نمساويون على أدلة جديدة على وجود واحدة من أغرب حالات المادة، تجمع فيها بين خصائص فيزيائية متناقضة فتكون صلبة ومائعة في نفس الوقت.. إنها حالة الصلابة الفائقة.

ما انفكت حالات المادة تثير اهتمام الباحثين وفضولهم لا سيما في الظروف غير التقليدية وعلى المستوى الذري، إذ يسعى العلماء منذ سنوات لإثبات وجود حالة خامسة للمادة -إلى جانب الحالات الكلاسيكية المعروفة للمادة الصلبة والسائلة والغازية وحالة البلازما- تمتلك فيها بعض الغازات خواص الصلابة والميوعة الفائقة عند درجات متدنية جدا، وهي حالة الصلابة الفائقة.

حالة كمومية
يشير مصطلح "الصلابة الفائقة" إلى إحدى الحالات الكمومية للمادة، فالمادة فائقة الصلابة تكون صلبة في درجة حرارة قريبة من الصفر المطلق، أي 273.15 درجة مئوية تحت الصفر، لكن جزءا من ذراتها ينساب عبر هيكل صلب من ذرات أخرى لنفس المادة مثل مائع فائق دون احتكاك بينها أو تبديد للطاقة.

وحسب الفيزياء الكمية فإن أحد شروط تحقق حالة الصلابة الفائقة هو أن تكون الذرات في نفس الحالة الكمومية ويتحدد سلوكها بنفس الدالة الموجية، أي أن كل ذرات الغاز متطابقة مع بعضها البعض.

‪الوجود النظري والتجريبي لحالة جديدة للمادة ظل يثير جدلا متواصلا في الأوساط العلمية‬ (الجزيرة)
‪الوجود النظري والتجريبي لحالة جديدة للمادة ظل يثير جدلا متواصلا في الأوساط العلمية‬ (الجزيرة)

جهود مضنية
وقد توقع العلماء الروس وجود هذه الحالة منذ العام 1969، لكن وجودها النظري والتجريبي ظل يثير جدلا متواصلا في الأوساط العلمية. وقد عمل الفيزيائيون على البحث عنها منذ فترة طويلة باستخدام غاز الهيليوم فائق الميوعة (درجة اللزوجة قريبة من الصفر). لكنهم بعد عقود من الجهود النظرية والتجريبية، لم يعثروا على دليل قاطع لا لبس فيه حول مرور هذه المادة بحالة الصلابة الفائقة.

لذلك تحول الباحثون في السنوات الأخيرة إلى دراسة الغازات الذرية، خاصة تلك التي لها تفاعلات ثنائية القطب قوية مثل غازي الإيريبيوم والديسبروسيوم.

أدلة جديدة
وفي هذا الإطار، نشر باحثون نمساويون من جامعة إنسبروك ومن أكاديمية العلوم النمساوية مؤخرا ورقة بحثية عن توصلهم إلى ملاحظة السمات المميزة لحالة الصلابة الفائقة في غازي الإيريبيوم والديسبروسيوم، وهما من الغازات الكمومية المكونة من الذرات ذات الطابع الثنائي القطب القوي، وتظهر أوجه تشابه كثيرة مع غاز الهيليوم فائق الميوعة حسب دراسات علمية سابقة.

قام الباحثون بتبريد الغازين -في تجربتين منفصلتين- إلى درجة حرارة قريبة من الصفر المطلق، حيث توقع العلماء في هذه الظروف أن تنظم الذرات نفسها تلقائيًّا في هياكل بلورية، لكنها تستمر في الوقت نفسه في إظهار علامات الميوعة الفائقة.

أشارت نتائج التجربة إلى توصل الباحثين النمساويين إلى إثبات حدوث حالة الصلابة الفائقة للغازين مع اختلاف في الخصائص، "فبينما كان سلوك الصلابة الفائقة عابرا في الإيريبيوم مثلما أكدت التجارب" كما تقول رئيسة فريق البحث فرانشيسكا فرلينو، "أظهر هذا السلوك استقرارًا غير مسبوق في غاز الديسبروسيوم".

ويتوقع الباحثون أن تمهد هذه الأدلة الجديدة حول وجود حالة الصلابة الفائقة الطريق لأبحاث علمية جديدة لكشف أسرار هذا الطور الغريب للمادة في المستقبل.

المصدر : الجزيرة