المنازل الصغيرة تقلل البصمة البيئية لساكنيها

NEW YORK, NY - JULY 16: An ecological living module, a 22 square meter 'tiny house,' is on display at the United Nations Plaza, July 16, 2018 in New York City. Constructed primarily from locally-sourced, bio-based renewable materials, the tiny house was developed by Yale University and UN Environment. The groups hope the module will spark public discussion and new ideas on how sustainable design can provide affordable housing and limit the overuse of natural resources
انتشار المنازل الصغيرة ازداد دون اهتمام بدراسة آثارها البيئية (الفرنسية)

فكرت المهدي

في أوائل العقد الأول من القرن العشرين، ظهر تيار بيئي يدعو الناس إلى السكن في منازل صغيرة وفق نمط حياة الحد الأدنى، وذلك بدافع تقليل انبعاثات الكربون التي تضر بكوكبنا. تدريجيا، ازداد الاهتمام بالمنازل الصغيرة، وهي تلك الوحدات السكنية التي تقل مساحتها عادة عن 37 مترا مربعا.

نقص في الدراسات
من البديهي أن يكون لتقليص حجم المنزل أثر بيئي جيد، كونه يشغل مساحة أصغر وبالتالي استهلاك أقل للموارد. لكن لم يتم إجراء أبحاث متعمقة لقياس كيف تغير السلوكيات البيئية للأشخاص عند قيامهم بهذه الخطوة الجذرية، الأمر الذي دفع ماريا ساكستون، طالبة الدكتوراه في التصميم والتخطيط البيئي في جامعة فرجينيا التكنولوجية، إلى العمل على سد هذه الفجوة المعرفية، من خلال تطوير دراسة يمكن أن تقدم أدلة قابلة للقياس لدراسة تلك التغيرات.

قامت ساكستون بمتابعة ثمانين شخصا ممن انتقلوا للعيش في منازل صغيرة جدا (tiny houses)، رصدت فيها حياتهم وممارساتهم البيئية لمدة عام ونيف، وذلك بهدف حساب آثارهم البيئية هناك ومقارنتها مع آثارهم البيئية السابقة في منازلهم الواسعة.

وجدت ساكستون أنه نتيجة لتغيير ثمانين شخصا منازلهم إلى الحجم الصغير وتغييرهم نمط حياتهم إلى نمط الحد الأدنى، فقد تم تخفيض الأضرار الناجمة عن ممارساتهم البيئية بحوالي 45% في المتوسط.

المنازل الصغيرة هي تلك الوحدات السكنية التي تقل مساحتها عادة عن 37 مترا مربعا (رويترز)
المنازل الصغيرة هي تلك الوحدات السكنية التي تقل مساحتها عادة عن 37 مترا مربعا (رويترز)

البصمة البيئية ومساحات المنازل
اعتمدت الدراسة على التعبير عن البصمة البيئية للمشارك الواحد بالمساحة (مقدرة بالهكتار العالمي) التي يحتاجها لنمط حياة جيدة بما في ذلك السكن والنقل والمواد الغذائية والسلع والخدمات الأخرى. حيث يعادل الهكتار العالمي الواحد حوالي 2.5 فدان، أو ما يقرب من حجم ملعب كرة قدم واحد.

وخلصت الدراسة إلى أن متوسط ​​البصمة البيئية للمشارك 3.87 هكتارات عالمية، أو حوالي 9.5 أفدنة، وهذا يعني أن الأمر يتطلب 9.5 أفدنة لدعم نمط حياة ذلك الشخص لمدة عام واحد، في حين كان متوسط ​​بصمة ذلك المشارك 17.3 فدانا قبل الانتقال إلى تلك المنازل الصغيرة.

وهكذا فإنه من الممكن إنقاذ حوالي 366 مليون فدان من الأراضي المنتجة بيولوجيا إذا تم تخفيض 10% فقط من حجم المنازل الأميركية إلى الحجم الصغير.

وبالطبع لم يكن السكن هو العنصر الوحيد الذي تغير، فقد لوحظت الآثار البيئية الإيجابية في جميع المكونات الرئيسة في حياة المشاركين، بما في ذلك الغذاء والنقل واستهلاك السلع والخدمات.

وقد تم اعتماد عادات أكل أكثر وعيا بالبيئة، مثل تناول مزيد من الأطعمة المنتجة محليا، والاتجاه نحو الزراعة، واستخدام أقل لوسائل المواصلات، كما اتجه المشاركون إلى استخدام السيارات الأكثر كفاءة في استهلاك الوقود، وتقلصت قائمة المشتريات، وأعيد تدوير مزيد من البلاستيك والورق، وتقلص حجم النفايات. 

المنازل المتنقلة تمثل نموذجا للمنازل الصغيرة جدا (غيتي)
المنازل المتنقلة تمثل نموذجا للمنازل الصغيرة جدا (غيتي)

الآثار السلبية للمنازل الصغيرة
تمكنت الدراسة من تحديد أكثر من 100 سلوك قد تغير بعد تقليص حجم المنزل، منها ما يقرب من 86% ذات تأثير إيجابي، في حين كان الباقي سلبيا. بالطبع لم تكن تلك الآثار السلبية مشتركة بين جميع المشاركين في الدراسة. فعلى سبيل المثال، اضطر بعض المشاركين إلى قطع مسافات أطول بعد الانتقال إلى المناطق الريفية حيث المنازل ذات المساحة الصغيرة.

كما تناول كثيرون وجباتهم في مطاعم التجمعات السكنية نظرا لافتقارهم لمساحة كافية للمطبخ. كذلك لم تكن لدى البعض مساحة كافية لتخزين المواد التي من الممكن إعادة تدويرها مستقبلا، من المهم إذن تحديد هذه السلوكيات لفهم الآثار السلبية المحتملة للمعيشة المنزلية الصغيرة وتمكين المصممين من معالجتها.

أخيرا يمكن أن تقدم هذه الدراسة، التي نشرت على موقع "كونغرزيشن" في 13 أبريل/نيسان الجاري، الدعم لشركات تصنيع المنازل الصغيرة، وغيرهم ممن يحاولون تغيير قوانين تقسيم المناطق في مدنهم لدعم المنازل الصغيرة والمستدامة.

المصدر : الجزيرة