كيف تغلبت الحياة على قسوة العصر الجليدي؟

ذوبان الثلوج أمد الحياة بفقاعات الأكسجين بنهاية العصر الجليدي (يوريك ألرت)
ذوبان الثلوج أمدّ الحياة بفقاعات الأوكسجين في نهاية العصر الجليدي (يوريك ألرت)

محمد شعبان

واجهت الحياة العديد من التحديات، إذ كانت الأرض بمثابة كرة ثلجية منذ أكثر من 700 مليون عام خلت، وهو ما دفع العلماء للتساؤل: هل كان يمكن للحياة أن تنشأ في ظل هذه الظروف القاسية؟

الحياة أسفل الغطاء الجليدي
أجابت دراسة حديثة عن هذا التساؤل. فوفقا لما نشر في دورية "بي.إن.أي.إس" العلمية في الثاني من ديسمبر/كانون الأول الجاري، فإن الحياة لم تكن لتنشأ وتزدهر لولا ذوبان طبقات الجليد المكونة للمحيطات. ومن ثم كونت المياه الذائبة فقاعات الأوكسجين التي شقت بدورها طريقا إلى المحيطات لتجد حياة مخلقة كيميائيا في انتظارها.

يوضح عالم الرسوبيات ماكسويل ليشت -من جامعة مكغيل في كندا- هذه الآلية فيما نقله موقع ساينس ألرت، قائلا "على الرغم من أن معظم المحيطات كانت مجمدة وغير صالحة للحياة بسبب نقص الأوكسجين، فإنه مع بداية ذوبان طبقات الجليد أصبح هناك إمداد دائم بالمياه الغنية بالأوكسجين.

وهو ما نطلق عليه "مضخة الأوكسجين الجليدية" التي من خلالها تم إطلاق فقاعات الهواء -التي أُسرت من قبل أثناء العصر الجليدي- إلى الماء أثناء ذوبان الجليد، ومن هنا بدأ إثراء تلك المحيطات بالأوكسجين.

‪المياه المذابة شكلت عنق الزجاجة التي مكنت الحياة من الازدهار‬ (ويكيميديا)
‪المياه المذابة شكلت عنق الزجاجة التي مكنت الحياة من الازدهار‬ (ويكيميديا)

مصائب قوم عند قوم فوائد
كانت البكتيريا هي المستفيد الأول من تلك الأحداث، وذلك لقدرة البكتيريا على التكيف مع البيئة الجليدية، إذ إنها استخدمت الحديد المذاب في المياه كمصدر للغذاء. وبتوافر الأوكسجين، قامت البكتريا بأكسدة الحديد والتخلص من الأكاسيد الناتجة بترسيبها.

بذلك تكون قد خلفت وراءها الدليل على وجود حياة، وذلك في الرواسب الموجودة في قاع البحار. مما مكن ليشت وزملاءه من إعادة بناء مستويات الأوكسجين اعتمادا على نسب الأكسدة الموجودة في طبقات هذه الرواسب. وذلك بعكس ما اعتقده العلماء سابقا من أن الحياة قد صمدت بشكل أو بآخر في برك المياه الذائبة على السطح.

ودرس العلماء تكوينات الحديد عبر ثلاث قارات، وذلك في ناميبيا وأستراليا والولايات المتحدة الأميركية. إذ كانت نسب نظائر الحديد وعنصر السيريوم دليلا على ندرة الأكسجين في المياه.

وفي المقابل، كلما اقتربنا من نهاية العصر الجليدي، وجدنا رواسب مؤكسدة بشكل ملحوظ، مما يعني أننا كلما اقتربنا من الخط الرسوبي الفاصل بين الأرض الثلجية وأرضنا الحالية، وجدنا تلك الرواسب الغنية بدلالات الأكسدة التي خلفتها البكتيريا البحرية جراء أكسدة الحديد.

‪المناطق القطبية المتجمدة تعد موقعا فريدا لدراسة مرحلة الأرض البكر‬ (ويكيميديا)
‪المناطق القطبية المتجمدة تعد موقعا فريدا لدراسة مرحلة الأرض البكر‬ (ويكيميديا)

تفسيرات جديدة ورؤى مستقبلية
وعن أهمية هذه الدراسة، يقول جالين هالفرسون من جامعة مكغيل "إن هذه الدراسة لا تقدم تفسيرا للكيفية التي استطاعت بها الحياة التغلب على العصر الجليدي فحسب، بل إنها توضح أيضا سبب عودة ظهور رواسب الحديد مرة ثانية في السجل الجيولوجي وذلك بعد اختفائها منه لمدة مليار عام".

كما يشير الباحثون إلى أننا ما زلنا بحاجه لمزيد من الأبحاث لمعرفة كيف استطاعت البيئة الإبقاء على الشبكة الغذائية، حيث تزخر النظم البيئية الموجودة حاليا في المناطق القطبية المتجمدة بتنوع مدهش من أشكال الحياة كما نراها اليوم، ولذا يفكر الباحثون في دراستها في المستقبل.

المصدر : الجزيرة