الأقمار الصناعية.. عيون ترصد الأرض من الفضاء

Satellite above the Earth makes measurements of the weather parameters. Monitoring of tracking in a storm zone, cyclone. Elements of this image furnished by NASA
قمر صناعي خلال قياسه عوامل الطقس مثل العواصف والأعصاير (شرستوك)

القمر الصناعي جهاز يتم إرساله إلى الفضاء ليدور حول الأرض في مدارات محددة، ويقوم بمهمات متنوعة، تتضمن إرسال واستقبال إشارات راديوية كهرومغناطيسية، من محطات أرضية مبنية لهذا الغرض، إضافة إلى مهمات أخرى متخصصة.

وهو نظام اتصالات قائم بذاته، يستمد طاقته من الألواح الشمسية المزوّد بها، التي تحول بدورها طاقة الضوء إلى طاقة كهربية تخزّن في بطاريات، أو عن طريق مصادر نووية. ويتمتع القمر بالقدرة على إعادة إرسال وتوزيع تلك الإشارات مرة أخرى إلى محطات أرضية أخرى ضمن نطاق عمله.

النشأة والتاريخ

قبل ثورة الأقمار الصناعية كانت الاتصالات محدودة جدا، فلم تكن الإشارات التلفزيونية تغطي مسافات بعيدة، وكانت الحواجز الطبيعية والمحدثة تحجبها وتشوشها. وكذا بالنسبة للمكالمات الهاتفية؛ حيث كانت محدودة المسافة أيضا، ومن المكلف للغاية تركيب أسلاك الهاتف لمسافات طويلة سواء فوق الأرض أو تحت المياه. فكان لا بد من ثورة تقنية جديدة تذهب بالاتصالات إلى مدى أبعد ونطاق أوسع، فجاءت ثورة الأقمار الصناعية.

كانت الأقمار الصناعية مجرد أفكار نظرية في خيال العلماء والأدباء، حتى أطلق السوفيات أول قمر صناعي بحجم كرة الشاطئ في الرابع من أكتوبر/تشرين الأول 1957، وكانت مهمته قياس كثافة طبقات الجو المختلفة، وأطلق عليه السوفيات اسم "سبوتنيك-1″، وكان بداية سلسلة "سبوتنيك" للأقمار الصناعية السوفياتية.

وبعد شهر، وتحديدا في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني 1957، أطلق السوفيات القمر الصناعي "سبوتنيك-2" الذي كان أكبر حجما ووزنا من سابقه، وهو من حمل الكلبة الشهيرة "لايكا"، التي تعتبر أول كائن حي يصل إلى الفضاء.

ثم أطلقت وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" القمر الصناعي "إكسبلورر-1" في يناير/كانون الثاني 1958. وتتابع إطلاق أقمار سلسلة إكسبلورر هذه، حتى جاءت أول صورة فضائية للأرض من مستكشف ناسا إكسبلورر-6 عام 1959.

وفي فترة زمنية قصيرة نسبيا، تطورت تكنولوجيا الأقمار الصناعية من التجريبية، مثل سبوتنيك، إلى المتطورة والقوية. ومع التحسينات النوعية في أنظمة الدفع والطاقة للأقمار الصناعية فقد زاد عمرها الافتراضي إلى 20-30 سنة.

وأدّت ابتكارات تقنية أخرى، مثل مركبات الإطلاق منخفضة التكلفة والقابلة لإعادة الاستخدام، واتساع النطاق الترددي الذي زاد من عدد القنوات وحجم البيانات المنقولة، إلى زيادة الطلب على خدمات الأقمار الصناعية في السنوات القادمة.

ويجري حاليا تطوير مجموعات ضخمة من آلاف الأقمار الصناعية المصممة لتوفير الوصول للإنترنت إلى أي مكان على وجه الأرض. وستتمتع أقمار الاتصالات الصناعية المستقبلية بمزيد من قدرات المعالجة على متنها، والمزيد من الطاقة، وهوائيات ذات فتحة أكبر ستمكن الأقمار الصناعية من التعامل مع المزيد من عرض النطاق الترددي.

المكونات

يمكن إجمال الأجزاء الرئيسية التي يتكون منها القمر الصناعي بما يلي:

  • نظام الطاقة، قد يكون شمسيا، مع ما يلزم من بطاريات لحفظ الطاقة، أو نوويا، ويستطيع إبقاء القمر الصناعي والأنظمة العاملة فيه قيد التشغيل طيلة فترة حياة القمر الصناعي في مداره.
  • نظام للتحكم في موقع القمر الصناعي، يحافظ على بقائه في مداره الصحيح.
  • نظام اتصالات يتكون من مرسلات ومستقبلات للمعلومات، بما في ذلك الهوائيات اللازمة، وذلك من أجل إرسال واستقبال البيانات والمعلومات من وإلى المحطة الأرضية.
  • أنظمة جمع المعلومات، مثل الكاميرا والكواشف المختلفة، والمجسّات والمتحسّسات ومحلّلات الطيف، وأجهزة قياس مختلفة.
  • أنظمة الدفع، التي تشمل الصواريخ وأنواع الوقود اللازمة، من أجل إيصال القمر إلى مداره الصحيح، وإجراء التصحيحات اللازمة على الموقع.

كيفية العمل

يعمل نظام التتبع والقياس والتحكم عن بعد كرابط اتصال ثنائي الاتجاه بين القمر الصناعي والمحطة الأرضية. ويسمح ذلك للمحطة الأرضية بتتبع موقع القمر الصناعي والتحكم في أنظمة الدفع والحرارة وغيرها من أنظمة القمر الصناعي. ويمكنه أيضا مراقبة درجة الحرارة والفولتية الكهربائية والمعلومات المهمة الأخرى للقمر الصناعي.

ويتطلب إطلاق قمر صناعي إلى الفضاء صاروخا قويا متعدد المراحل لدفعه إلى المدار الصحيح. ويستخدم مقدمو خدمات إطلاق الأقمار الصناعية صواريخ خاصة لإطلاقها من مواقع مثل مركز كينيدي للفضاء في قاعدة كاب كانافيرال للقوات الجوية الأميركية بفلوريدا، وقاعدة بايكونور الفضائية في كازاخستان، وكورو في غيانا الفرنسية، وقاعدة فاندنبرغ الجوية في كاليفورنيا، وشيتشانغ في الصين، وجزيرة تانيغاشيما في اليابان.

الأنواع والاستخدامات

 يمكن تصنيف الأقمار الصناعية بحسب موقعها ضمن فئتين:

أولا: الأقمار الاصطناعية المتزامنة مع الأرض، أي تدور حول الأرض متزامنة مع دوران الأرض حول محورها، وهي توضع في مدار يصل إلى ارتفاع 35 ألفا و800 كيلومتر عن سطح الأرض، وتدور في الاتجاه ذاته يوميا حول الكوكب من الشرق إلى الغرب، وبسبب هذا النوع من الحركة تظهر ثابتة بالنسبة إلى من يراقبها من الأرض، ويستخدم هذا النوع في الاتصالات ودراسة الطقس.

ثانيا: الأقمار الاصطناعية القطبية التي تدور حول الأرض من الشمال إلى الجنوب بين القطبين، وتتمتع بأهمية كبيرة في ما يتعلق بتكوين تصور عن حال كوكب الأرض، إذ تستخدم في دراسة الطقس والكوارث الطبيعية وتزوّد الأرض بمعلومات عن الحالات الطارئة وبيانات الحرارة والضغط والرطوبة الخاصة بالغلاف الجوي.

وتستعمل هذه الأقمار الاصطناعية القطبية كمحطات فضائية، كما هي الحال في محطة الفضاء الدولية التي وصلت إلى مدارها عام 1998، ويمكن رصدها من سطح الأرض في الليالي الصافية، كما أن الأقمار الاصطناعية القطبية تظهر في الموضع ذاته مرتين يوميا، مرة في النهار ومرة في الليل.

أما من الناحية الوظيفية، فأبرز الأقمار الاصطناعية هي:

  • أقمار الاتصالات:

وتعدّ الأكثر انتشارا اليوم، وتتزايد الحاجة إليها بشكل مستمر، وتتضمن الاتصالات أقمار البث التلفزيوني والمكالمات الهاتفية والاتصال بالإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية.

وتستخدم معظم أقمار الاتصالات "المدار الأرضي المنخفض" فهو الأنسب للمكالمات والأجهزة المحمولة، بينما تستعمل أقمار البث التلفزيوني "المدار المتزامن مع الأرض" لتغطية البقعة الجغرافية ذاتها بشكل مستمر.

  • المراصد الفلكية:

مع ازدياد التلوث البيئي والضوئي والراديوي على الأرض، ازدادت صعوبة مراقبة الفضاء، لذا تم إطلاق عدد من الأقمار كتلسكوبات فضائية على المدار الأرضي المنخفض، ولكونها خارج الغلاف الجوي، تستطيع هذه الأقمار رصد الفضاء بشكل أفضل من المراصد الأرضية، ويعود إليها الفضل في اكتشافات علمية عدة خلال العقود الأخيرة.

  • أقمار مراقبة الأرض:

عادة ما تستخدم هذه الأقمار أدنى مدارات ممكنة حول الأرض مع هدف موحد هو المراقبة لأغراض مدنية، وبالأخص فيما يتعلق بالتغيرات السريعة والكوارث الطبيعية والحد من انتشار الأمراض، وتتضمن هذه الفئة الأقمار الصناعية الخاصة بالطقس، وبعضها مصمم لرسم الخرائط الجوية وتحديثها بشكل دوري، وتفيد هذه الأقمار في التحذير المبكر من الأعاصير أو البراكين الثائرة.

ويمكن تفصيل هذه الأغراض المدنية كما يلي:

  1. رصد جودة الهواء والمياه، ورسم خرائط لاستخدام الأراضي والتنمية والبنية التحتية، مع تقييم الامتثال لقواعد استخدام الأراضي وحقوق الملكية.
  2. تقييم ورصد إمكانية تطوير الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية والوقود الحيوي.
  3. رسم خرائط للغابات ورصدها، عن طريق تحديد ما يصيبها من تدهور، وإعادة التأهيل والتعافي.
  4. توفير الإنذار المبكر للأمراض المنقولة بواسطة الحشرات والكوارث الطبيعية.
  5. رسم خرائط للتجمعات السكانية الحضرية والإسكان ورصدها.
  6. توفير معلومات عن صحة المحاصيل والغلات الزراعية، والقدرة على الوصول إلى الأسواق، والآفات الزراعية والأمراض التي تصيب المزروعات.
  7. رسم خريطة للبنية التحتية التي يحتمل أن تمثل خطورة، مثل مرافق إدارة النفايات والمنشآت النووية.
  • الأقمار الاصطناعية العسكرية:

هنالك شحّ كبير في المعلومات عن هذا النوع من الأقمار، لكن معظمها يركز على مراقبة الأرض، ورصد تحركات الأرتال البرية والقطع البحرية، ورسم الخرائط، والتجسس على الخصوم.

  • أقمار التوجيه والملاحة:

حاليا توجد منظومات عالمية عدة للملاحة وتحديد المواقع تتضمن كلا من "جي بي إس" الشهيرة و"غلوناس" الروسية و"غاليليو" الأوروبية، عدا عن أنظمة ملاحة محلية لبعض البلدان مثل الصين واليابان، وتتضمن جميع منظومات الملاحة أقمارا اصطناعية عدة تستخدم المدار الأرضي المتوسط بحيث تدور على ارتفاع قرابة 20 ألف كيلومتر فوق سطح الأرض.

  • الأقمار الاصطناعية المصغرة:

تكون هذه الأقمار الاصطناعية أصغر من المعتاد عموما، وتستخدم في الغالب لأغراض بحثية محدودة، ويصنع كثير منها في الجامعات كمشاريع طلابية، ويتم تجميعها من مواد موجودة مسبقا.

وعادة ما تصنف الأقمار الاصطناعية التي تزن أقل من ألف كيلوغرام على أنها مصغرة، وهناك تقسيمات أحدث تضع الأقمار بين وزني 500 كيلوغرام وألف كيلوغرام تحت تسمية "ميني ساتلايت" وتلك التي يقل وزنها عن 100 كيلوغرام باسم "مايكرو ساتلايت" وتسمى التي لا يتجاوز وزنها 10 كيلوغرامات "نانو ساتلايت".

محطات الفضاء المختلفة

من حيث المبدأ تعد محطات الفضاء أقمارا اصطناعية، لكن الاختلاف هو أنها أكبر من الأقمار الاصطناعية المعتادة، كما أنها مصممة بحيث تكون صالحة للسكن البشري، وتستخدم مختبرا ومرصدا ومحطة هبوط للحملات الاستكشافية وملجأ لها.

وتعمل الأقمار الصناعية في 3 مدارات مختلفة:

  • مدار أرضي منخفض.
  • مدار أرضي متوسط ويعمل على مسافة تتراوح من 10 آلاف إلى 20 ألف كيلومتر من الأرض.
  • ومدار ثابت بالنسبة للأرض أو مدار متزامن مع الأرض. ويعمل على ارتفاع 35 ألفا و786 كيلومترا فوق الأرض.

ويتم وضع الأقمار الصناعية على ارتفاع يتراوح بين 160 كيلومترا و1600 كيلومتر فوق الأرض.

ونحتاج إلى 3 أقمار صناعية فقط من النوع المتزامن مع الأرض لتوفير تغطية عالمية، في حين يستغرق الأمر 20 قمرا صناعيا أو أكثر لتغطية الأرض بأكملها من المدار الأرضي المنخفض  و10 أقمار من نوع المدار الأرضي المتوسط.

وفي الوقت الذي كان لدى "إيرلي بيرد" جهاز إرسال واستقبال واحد فقط قادر على إرسال قناة تلفزيونية واحدة فقط، فإنه يمكن اليوم أن تحتوي سلسلة أقمار "بوينغ 702" على أكثر من 100 جهاز إرسال واستقبال، ومع استخدام تقنية الضغط الرقمي يمكن أن يحتوي كل جهاز إرسال واستقبال على ما يصل إلى 16 قناة، وهو ما يوفر أكثر من 1600 قناة تلفزيونية من خلال قمر صناعي واحد.

البلدان الرائدة

تحتل الولايات المتحدة الأميركية المرتبة الأولى من حيث الدول التي تصنع أو تطلق أو تشغّل الأقمار الصناعية بأكثر من 3500 قمرا، تليها الصين في المرتبة الثانية بأكثر من 550، وتأتي المملكة المتحدة في المرتبة الثالثة بحوالي 480 قمرا، وتليها روسيا في المرتبة الرابعة بـ175 قمرا ثم اليابان بحوالي 90 قمرا.

ويسبح في الفضاء حتى عام 2023 أكثر من 6500 قمر، ولكنّ الفعالة منها لا تتجاوز 4 آلاف قمرا. وتسيطر الأغراض التجارية، كالاتصالات والملاحة، على ما نسبته 74% من الاستخدامات، في حين تستحوذ الأغراض العسكرية على ما نسبته 8% من استخدامات الأقمار الصناعية، وتتشارك الأغراض المدنية والحكومية والعلمية على النسبة المتبقية.

العرب والأقمار الاصطناعية

تمتلك البلدان العربية أقمارا اصطناعية عدة، أهمها السعودية ومصر، ومن الجدير بالذكر أن أول قمر صناعي عربي تم إطلاقه كان عام 1976، وشغلته مجموعة عرب سات التابعة لجامعة الدول العربية، وأطلقت مصر أول قمر اصطناعي من مجموعة "نايل سات" عام 1998، لكن هذه المشاريع تتضمن التمويل والتشغيل فقط، دون التصميم والتصنيع والإطلاق.

لكن هنالك مجموعة من الأقمار البحثية الصغيرة المصممة عربيا، مثل القمر الاصطناعي العراقي "تيغريسات" الذي صنعه طلبة عراقيون في العاصمة الإيطالية روما، والقمر الاصطناعي الأردني "جيه واي 1 سات" من تصميم طلبة من جامعات أردنية عدة.

وبعد أعوام من التدريب في كوريا الجنوبية تمكن فريق من المهندسين الإماراتيين من بناء أول قمر اصطناعي عربي حقيقي، وهو قمر "خليفة سات" ويزن 300 كيلوغرام، مصمم لمراقبة الأرض، وتم بناؤه في "مركز محمد بن راشد للفضاء" بدبي، وتم إطلاقه من اليابان عام 2018، وتمتد مهمته لـ5 سنوات، ويدور في مدار متزامن مع الشمس، وحول الأرض بشكل رأسي.

وتمكّن صاروخ روسي عام 2021 من حمل أول قمر اصطناعي مصنوع بأياد تونسية بالكامل واسمه "تحدي" إلى الفضاء، انطلاقا من كازخستان لينفذ مهمات تتعلق بالإنترنت.

وتمتلك السعودية 17 قمرا، تليها الإمارات بـ14 قمرا، وجامعة الدول العربيّة 14 قمرا، ومصر 7 أقمار، والجزائر 6 أقمار، والمغرب وقطر بقمرين لكل منهما، والعراق وتونس بقمر صناعي واحد لكل دولة.

المصدر : مواقع إلكترونية