تونس.. ضحيتا البالوعة المفتوحة والكشك المهدوم يزيدان الاحتقان في وضع سياسي مأزوم

وفاة مواطن من سبيطلة تحت أنقاض مبنى هدمته سلطات المدينة خلال تنفيذها قرارات بإزالة عدد من الوحدات العقارية العشوائية بنيت دون ترخيص. مواقع التواصل
أنقاض مبنى هدمته السلطات خلال تنفيذها قرارات بإزالة عدد من الوحدات العقارية العشوائية بنيت دون ترخيص مما أدى إلى مقتل مالكه (مواقع التواصل)

تتصاعد تحذيرات خبراء تونسيين ومنظمات حقوقية اجتماعية من تصاعد وتيرة الاحتقان بالبلاد، في ظل وضع اقتصادي ووبائي متأزم، وأزمة سياسية لم تبارح مكانها منذ تولي رئيس الحكومة الجديد هشام المشيشي مقاليد السلطة.

وبحسب مراقبين، فإن حوادث وفاة متتالية لمواطنين تونسيين بسبب "الإهمال الحكومي" صعّدت من حدة الاتهامات للطبقة السياسية برمتها، وتحميلها مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في البلاد.

وشهدت مدينة سبيطلة بولاية القصرين غربي البلاد خلال اليومين الماضيين احتجاجات اجتماعية، تحوّلت إلى مواجهات بين الأهالي ورجال الأمن إثر مقتل مواطن خلال عملية هدم كشك (محل صغير) يملكه نجله وبُني بشكل غير قانوني، مما دفع رئيس الحكومة إلى إصدار قرار بإقالة الوالي (المحافظ) ومسؤولين أمنيين.

كما أثارت حادثة وفاة طفلة تونسية تنحدر من أسرة فقيرة منذ أيام بضواحي العاصمة، إثر سقوطها في بالوعة صرف صحي، غضبا عارما بين نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، وسط مطالبات باستقالة السلطات التي تتحمل المسؤولية في الحادثة الأليمة.

تحذيرات وتوتر

وحذر "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" في بيان شديد اللهجة من خطورة الوضع الاجتماعي في أنحاء البلاد، وتنامي مشاعر الإحباط وغياب العدالة الاجتماعية لدى الفئات الهشة، وتطبيق القانون على الضعفاء مقابل التغاضي عن ما أسماها لوبيات المال الفاسد.

ودعا المنتدى في البيان ذاته الحكومة لوضع خطة إنقاذ اقتصادي واجتماعي حقيقي تقطع مع السياسات السابقة وتعيد الأمل للفئات الهشة.

ويقول رئيس المنتدى عبد الرحمان الهذيلي للجزيرة نت إن تصاعد التحركات ذات المطالب الاجتماعية في البلاد لم يعد حكرا على مناطق بعينها، بل أصبح موزعا على كامل التراب التونسي، محذرا من انفجار اجتماعي وشيك.

واعتبر الهذيلي أن أداء الحكومات المتعاقبة واعتماد سياسة "الهروب إلى الأمام" دون تقديم حلول اجتماعية واقتصادية جذرية وناجعة، ضاعفا من حدة التوتر الاجتماعي والاقتصادي الذي زادته جائحة كورونا تعقيدا.

الشارع التونسي يعيش على وطأة أزمة اجتماعية واقتصادية وسياسية حادة/العاصمة تونس/أيلول/سبتمبر 2020
الشارع التونسي يعيش على وطأة أزمة اجتماعية واقتصادية وسياسية حادة (الجزيرة)

وضع معقّد

وسجلت نسبة البطالة في تونس لأول مرة ارتفاعا غير مسبوق في السنة الحالية لتبلغ 18%، في حين سجل النمو الاقتصادي انكماشا واضحا بنسبة 21.6% سلبي خلال الفترة ذاتها، بحسب بيانات معهد الإحصاء.

وسبق أن أقر رئيس الحكومة هشام المشيشي خلال جلسة منح الثقة له في البرلمان بأن غياب الاستقرار السياسي في البلاد من خلال تعاقب الحكومات حال دون تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية المطلوبة، وأفقد التونسيين الأمل في تحسين ظروفهم المعيشية.

ويعيش قطاعا النفط والفوسفات، اللذان يعدان من ركائز الاقتصاد في البلاد، شللا تاما في الإنتاج والتوزيع إثر تواصل الاحتجاجات الاجتماعية في الحقول النفطية ومواقع إنتاج الفوسفات، ومطالبات المعتصمين للحكومات المتعاقبة بتنفيذ وعود سابقة أقرتها.

تواصل الاحتقان الاجتماعي في مواقع الإنتاج الحيوية دفع وزارة الطاقة والمناجم في وقت سابق لإطلاق صيحة إنذار من تعطل شبه كلي لإنتاج الفوسفاط والمواد البترولية، وتداعياته على الوضع الاقتصادي المتأزم أصلا، في ظل تلويح شركات عالمية تستثمر في مجال المحروقات بمغادرة البلاد.

مسؤولية وفشل

وحمّل النائب عن حركة الشعب محسن العرفاوي في حديثه للجزيرة نت مسؤولية تأزم الوضع الاجتماعي في البلاد للحكومات المتعاقبة، وفشلها في احتواء ومعالجة المطالب الاجتماعية التي لأجلها اندلعت الثورة، والقيام بإصلاحات اقتصادية جذرية.

واعتبر العرفاوي أن السياسات الفاشلة لمن كانوا في السلطة منذ 2011 ساهمت في إضعاف الدولة، مقابل سيطرة لوبيات الفساد ورجال الأعمال على القرارات السياسية والاقتصادية على حساب مصلحة المواطن البسيط.

ودفع الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتأزم بعض خبراء الاقتصاد لإطلاق صيحة إنذار، حيث كتب الخبير الاقتصادي والمالي عز الدين سعيدان منذ أسابيع تدوينة بعنوان "تونس تنتحر اقتصاديا وماليا واجتماعيا".

وحذر سعيدان من نزيف تدهور المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية منذ سنة 2011 لتبلغ -حسب وصفه- مستويات خطيرة، لافتا إلى فقدان البلاد 161 ألف وظيفة وموطن شغل في 3 أشهر، في ظل ما اعتبره فشلا في التعامل مع أزمة كورونا.

ويجمع مراقبون على أن الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها البلاد، وارتفاع منسوب الاحتقان وغياب ثقة المواطنين في الطبقة السياسية برمتها، زادا بفعل الأداء السياسي الهزيل لرجالات الدولة في ظل صراع وتنازع محموم على الصلاحيات بين المؤسسات السيادية (رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان).

 

برنامج ودعوات

ويرى الناطق الرسمي باسم حزب "قلب تونس" محمد الصادق جبنون، الذي اختار حزبه أن يكون ضمن الحزام السياسي والبرلماني الداعم لحكومة المشيشي، أن قياداته عرضت على رئيس الحكومة خلال اللقاءات الأخيرة تصورا لبرنامج إصلاح اقتصادي واجتماعي وخطة طوارئ عاجلة.

ولفت إلى أن الاحتجاجات الأخيرة في ولاية القصرين، وتواصل الاعتصامات في حقول إنتاج المحروقات والطاقة، يتطلبان حلولا مستعجلة لضمان عدم انفلات الأوضاع، وهو ما يهدد -حسب قوله- مباشرة الاستقرار السياسي والتجربة الديمقراطية برمتها في البلاد.

وسبق أن دعا رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان راشد الغنّوشي إلى "هدنة سياسية واجتماعية"، مؤكدا خلال كلمة له بالبرلمان أن البلاد بأشد الحاجة إلى هذه الهدنة والالتفاف حول الحكومة ودعمها من أجل تحقيق ما وصفه ببرنامج إنقاذ وطني.

يشار إلى أن الجزيرة نت تواصلت مع مستشار رئيس الحكومة المكلف بالشؤون الاجتماعية سليم التيساوي لمعرفة الموقف الرسمي للحكومة من موجة الاحتجاجات الأخيرة في القصرين وارتفاع منسوب الاحتقان في أكثر من ولاية تونسية، لكنه رفض الإدلاء بأي تصريح.

المصدر : الجزيرة