الولايات المتحدة التحرشية.. القاضي والرئيس ونساء الكونغرس

from (L) Judge Brett M. Kavanaugh and Christine Blasey - sourc: afp+ epa
قضية كافانو وفورد تشعل الرأي العام بأميركا ويجري بحثها في المؤسسات السياسية والقضائية والتشريعية (وكالات)

سيد أحمد الخضر

رغم أنها تعرضت لاعتداء جنسي في المرحلة الثانوية، فإن النائبة الجمهورية مارثا ماكسيلي رفضت اتخاذ موقف بشأن قضية القاضي بريت كافانو والأستاذة الجامعية كريستين فورد التي تتهمه بمحاولة اغتصابها قبل 30 عاما.

وطيلة السنوات الماضية، كانت مواجهة حالات التحرش والاغتصاب توحّد نساء أميركا بغض النظر عن انتماءاتهن الحزبية. لكن الوضع يختلف الآن في الكونغرس حيث تبدو المشرّعات منقسمات نتيجة الاستقطاب الحزبي حول قضية كافانو وفورد.

وبينما تبدي المشرّعات الديمقراطيات دعما قويا لفورد، تميل الجمهوريات لتصديق كافانو الذي ينفي الاعتداء عليها.

في التاسع من يوليو/تموز الماضي رشح الرئيس الأميركي دونالد ترامب القاضي الفدرالي بريت كافانو لشغل عضوية المحكمة العليا، لكن تهم الاعتداء الجنسي أعاقت طريقه، مما أثار سجالا في الكونغرس انتهى بإحالة الملف لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي).

وأثناء جلسة الخميس بالكونغرس، قالت السيناتور كيندي هايد سميث إنها تثق في "قول القاضي كافانو إن هذه الأشياء المهينة لم تحدث"، ولاحقا غردت على تويتر "كان واجبي كأول أمرة تمثل ميسيسيبي أن أدافع عن كافانو".

على النقيض من ذلك، أبدت عضو مجلس النواب عن الديمقراطيين كامالا هاريس ثقتها في رواية فورد وخاطبتها قائلة "أريد أن أخبرك بأني أصدقك".

وعلى هذا النحو، قالت كريستين جيليبراند إن فورد قدمت "شهادة حقيقية، وأنا أومن بأنها صادقة وملايين الأميركيين يثقون في روايتها".

ولكن هذا الاستقطاب الحزبي قد لا يخلو من استثناء، فالمشرعتان الجمهوريتان سوزان كولينز وليزا موركوسكي لم تنخرطا في دعم القاضي كافانو، ويبدو مصيره معلقا بقرارهما النهائي.

وفي الخميس الماضي حضرت نائبات ديمقراطيات إلى مبنى الكونغرس للاستماع عن قرب إلى شهادة فورد، وذلك لتأكيد دعمهن لها في مواجهة القاضي كافانو، فيما تسمرت بعضهن أمام أجهزة التلفزيون لمتابعة وقائع الجلسة وتفاعلت أخريات مع القضية عبر الرسائل النصية والتغريد على تويتر.

السيناتور كامالا هاريز أكدت قناعتها بصدق رواية الدكتورة فورد (رويترز)
السيناتور كامالا هاريز أكدت قناعتها بصدق رواية الدكتورة فورد (رويترز)

تجاهل وتهرب
ولكن مجموعة من النساء الجمهوريات صرّحن لصحيفة بوليتيكو بأنهن لم يتابعن الجلسة أصلا نظرا لانشغالهن بمسؤوليات رسمية.

وعندما سئلت عما إذا كانت تابعت إدلاء فورد بشهادتها، قالت النائبة الجمهورية كريستين نويم إنها انشغلت بأعباء وظيفية طيلة اليوم.

وقد حاولت بعض النساء الجمهوريات تجنب القضية بكاملها، رغم أنها شغلت الملايين في أميركا وخارجها، في سعي للحفاظ على العلاقة مع قاعدة ترامب الشعبية وعدم التفريط في ذات الوقت في الأصوات النسائية التي قد تؤدي خسارتها لفقد الجمهوريين للأغلبية في الكونغرس.

هذا الوضع ينطبق على مارثا ماكسيلي، وهي نائبة جمهورية تخوض السباق لعضوية مجلس الشيوخ عن أريزونا.

ورغم أنها تعرضت لاعتداء جنسي في المرحلة الثانوية فإن ماكسيلي أصدرت بيانا غامضا حول الموضوع في محاولة لتجنب اتخاذ موقف.

وليست ماكسيلي المرأة الجمهورية الوحيدة التي لا تريد الحديث عن قضية تشغل أميركا حاليا، فقد تجاهلت هايدي سميث عدة أسئلة حول جلسة الاستماع رغم أنها كانت متواجدة في مبنى الكونغرس ليلة الخميس.

وعلى نحو متكرر، ردت سميث على هذه الأسئلة بالقول "لا أريد أن أدلي بأي تصريح. شكرا لكم".

‪النائب مارثا ماكسيلي رفضت اتخاذ موقف إزاء قضية كريستين فورد‬  (الفرنسية)
‪النائب مارثا ماكسيلي رفضت اتخاذ موقف إزاء قضية كريستين فورد‬  (الفرنسية)

خذلان المرأة
ووفق نساء ديمقراطيات فإنه لا يمكن تصور إحجام مشرّعة عن دعم سيدة خاطرت بحياتها وقررت التحدي والإدلاء بشهادتها أمام الكونغرس.

وتقول النائبة الديمقراطية جاكي سبييه إنه كان من واجب الجمهوريات على الأقل دعم المطالبة بالتحقيق في دعوى فورد ضد القاضي كافانو.

وكانت جاكي سبييه تتحدث في حوار يناقش معلومات تفيد بصدقية 93% إلى 97% من دعاوى الاعتداء الجنسي التي تظهر فيها المشتكيات إلى العلن لكسر جدار الصمت.

وتقول الديمقراطيات إنه لو قررت الجمهوريتان سوزان كولينز وليزا موركوسكي الوقوف إلى جانب الحزب الجمهوري لتأكيد تعيين كافانو عضوا في المحكمة العليا، فإنهما ستخاطران بسمعتهما بين الطيف النسائي.

وبينما تتفاعل قضية كافانو في الوسط السياسي، بدأ جهاز الأف بي آي التحقيق في ماضي القاضي لمعرفة ما إذا كانت لديه سوابق تدعم مزاعم الدكتورة فورد.

ولا يتناول التحقيق شكوى فورد وحدها، إنما سيبحث في مزاعم أخريات اتهمن مرشح ترمب لأرفع منصب قضائي بالاعتداء عليهن جنسيا أيام الدراسة الثانوية والجامعية.

الرئيس والتحرش
واليوم الأحد، اتصل مكتب التحقيقات الفيدرالي بديبورا راميريز، وهي سيدة تتهم كافانو بالتعري أمامها عندما كانا طالبين في جامعة ييل في ثمانينيات القرن الماضي.

ويدافع ترامب بشراسة عن القاضي كافانو ويعول على وصوله للمحكمة العليا في ترجيح كفة المحافظين في أعلى هيئة قضائية في الولايات المتحدة.

وتربط أصوات نسائية أميركية اختيار ترامب لكافانو ودفاعه عنه بماضي الرئيس نفسه في التحرش بالنساء والاعتداء عليهن جنسيا.

وخلال حملته الانتخابية في 2016 واجه ترامب شكاوى من سيدات اتهمنه بالتحرش، فيما قدمت أخريات روايات أنهن كن على علاقات غير شرعية معه ودفع لبعضهن المال مقابل عدم الكشف عن تفاصيلها.

وتتألف المحكمة العليا من تسعة قضاة لا يمكن عزلهم ويحتفظون بمناصبهم مدى الحياة، ويبتون في أكثر القضايا حساسية واستقطابا وتعقيدا في الولايات المتحدة.

‪لاكشمي روت لترامب قصة اغتصابها وكيف فضّلت السكوت لثلاثين عاما‬ (رويترز)
‪لاكشمي روت لترامب قصة اغتصابها وكيف فضّلت السكوت لثلاثين عاما‬ (رويترز)

وإذا ما استنتج الأف بي أي أن للقاضي سوابق اعتداء جنسي، فإنه سيتعين على ترامب البحث عن بديل له في وقت حرج سياسيا إذ يقترب موعد انتخابات الكونغرس مع احتمال فقد الجمهوريين للأغلبية في مجلس الشيوخ.

وإذا ما تأخر تأكيد تعيين بديل لكافانو قبل الانتخابات وفقد الجمهوريون الأغلبية، يكون ترامب خسر منصبا مهما كان يعول عليه في تشديد قوانين الهجرة وملفات أخرى تؤرق الرئيس.

وباء التحرش
وتأتي قضية كافانو لتسلط المزيد من الأضواء على تفشي التحرش الجنسي في المجتمع الأميركي وخصوصا في أماكن العمل والمؤسسات التعليمية.

وتشير الدراسات إلى أن كل 3 من 5 أميركيات تعرضن للتحرش الجسدي أو اللفظي.

ووفق تقديرات مكتب الإحصاءات العدلية بالولايات المتحدة، فإن الحالات التي تبلّغ بها الشرطة لا تتجاوز 35% من مجمل الاعتداءات الجنسية ضد النساء.

ويقول المكتب إن 75% من النساء اللاتي يتعرضن لاعتداءات جنسية يفضلن السكوت خوفا من العار وتحديات الإثبات والانتقام.

وعندما استغرب ترامب سكوت الدكتورة فورد لثلاثين عاما، ظهرت للعلن المذيعة التلفزيونية والعارضة بادما لاكشمي لتوضح له الظروف والعوامل التي تجبر المرأة على السكوت وعدم الإبلاغ عن تعرضها للاغتصاب أو أي اعتداء جنسي.

وفي مقال بصحيفة بنيويورك تايمز، كتبت لاكشمي أنها اغتصبت قبل 30 عاما وأنها لم تبلغ الشرطة ولا أمها ولا أيا من أصدقائها لأنها لم تكن ترى ذلك مناسبا في الثمانينيات.

أما زعيمة الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب نانسي بيلوسي، فتتهم ترامب بالسعي لتشتيت جهود حركة me too (أنا أيضا) والتي تشجع السيدات على كشف قصص الاعتداء الجنسي وملاحقة المتورطين فيها.

وفي تصريحات أدلت بها الجمعة قالت بيلوسي "هناك نساء بينهن ابنتي يعتقدن أن الرئيس يحاول كسر حركة "أنا أيضا" ليقول: لا نهتم بكل ما تقولونه".

المصدر : الصحافة الأميركية + الصحافة البريطانية