زواج القاصرات بمصر.. الفقر يتحدى القانون

child marriage
المنظمات الحقوقية نفذت عدة حملات توعية حول خطر زواج القاصرات بمصر وغيرها (غيتي)

الجزيرة نتالقاهرة

قبل عام كانت هبة تستعد لزفافها بينما أقرانها يتأهبون لبدء الدراسة بالصف الأول الثانوي، وحينها لم يخطر ببالها أنها خلال سنة واحدة ستحمل لقب أرملة وتدخل في نزاع مع عائلة زوجها المتوفي.

تم عقد قران هبة ذات الـ 15 ربيعا، على يد إمام مسجد قريتها بمحافظة الدقهلية دون توثيق لأن القانون المصري يحدد سن الزواج عند بلوغ سن الـ 18، وحين توفى الزوج بعد ثلاثة أشهر من الزواج رفضت عائلته إعطاءها نصيبها من ميراثه.

"المشكلة ليست في الميراث وحده بل في أنها الآن تزوجت ثم صارت أرملة بلا إثبات وربما نجد صعوبة في تزويجها مرة أخرى" تقول أم هبة.

لماذا إذن لم تنتظر أسرة الفتاة حتى بلوغها لتتزوج بشكل قانوني؟

"لأن الزواج سُترة ونصيبها جاء ولأن عبء نفقات الأولاد سيخف قليلا" هذا مبرر أم هبة التي توفى زوجها قبل عشرة أعوام وتتكفل برعاية أبنائها الثلاثة.

وقبل أيام، كشف المتحدث الإعلامي لصندوق المأذونين الشرعيين إبراهيم علي سليم عن تزويج 124 ألف قاصر خلال عام 2017 وحده.

وقال سليم في تصريحات متلفزة "عرفنا نعمل الإحصائية عن طريق تسليم المأذون دفتر زواج وصداق ومراجعة وتحكيم وطلاق".

بينما صرح رئيس الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء اللواء أبو بكر الجندي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أن عدد اللائي تزوجن قبل 18 عامًا بلغ 118 ألفا بينهن 1200 مطلقة وأكثر من 1000 أرملة.

وكان مقرر المجلس القومي للسكان طارق توفيق أعلن أن 33.3% من المتزوجات بالفئة العمرية 25-29 واللائي يقطن فى ريف الصعيد قد تزوجن قبل 18 سنة.

وكشفت نتائج المسح الصحي عام 2014 أن الفئة العمرية من 15-19 تشكل نسبة 14.4% من إجمالي عدد المتزوجات في مصر، وترتفع النسبة بالمناطق الريفية.

وفي عامي 2015 و2016 رفعت الأمهات القاصرات أمام محاكم الأسرة 16 ألف دعوى إثبات زواج، و14 دعوى إثبات نسب، و12 ألف دعوى نفقة.

يعتبر القانون الجديد تزويج القاصرات إحدى جرائم العنف ويقرر عقوبة السجن لأكثر من7 سنوات والغرامة لكل من اشترك فيها سواء المأذون أو أحد أقارب الضحية أو أقارب الزوج

العقوبة والتحايل
ويعاقب القانون بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين أو بغرامة لا تزيد على ثلاثمئة جنيه كل من زور أوراقا رسمية تفيد ببلوغ أحد الزوجين السن المحددة للزواج مما يتم التحايل عليه بإبرام عقد قران صوري بحضور إمام مسجد أو كتابة عقد عرفي.

ولا يوجد نص قانوني صريح يعاقب الأهل على تزويج بناتهن القاصرات.

ويدرس البرلمان مشروع قانون مقدم من وزارة العدل حول تجريم الزواج المبكر.

ويعتبر القانون الجديد تزويج القاصرات إحدى جرائم العنف ضد المرأة، ويقرر عقوبة السجن لأكثر من7 سنوات والغرامة لكل من اشترك بالجريمة سواء المأذون أو أحد أقارب الضحية أو أقارب الزوج، وكذلك أئمة المساجد الذين يقومون بتزويج القاصرات.

جهل وفقر
من جهته، أكد المحامي الحقوقي عمرو عبد الهادي عدم فاعلية أي قانون لردع مرتكبي "زواج القاصرات" دون تجهيز البيئة المحيطة.

وأوضح عبد الهادي للجزيرة نت أن زواج القاصرات يأتي بفعل الجهل والفقر، وأردف "فالفقر يدفع الأسر إلى تزويج بناتهن للخلاص من مصاريفهن".

ويضيف أنه لو كانت الأسر تمتلك المال لحرصت على إكمال بناتها التعليم إلى أن يخترن بحرية من يردن الارتباط به، قائلا إن زواج القاصرات صفقة تباع خلالها البنت لأول مشتر.

وأضاف أن الحكومة مسؤولة عن انتشال المواطن من الفقر ونشر التعليم والثقافة بالمجتمع.

الفتاة لن تستطيع اختيار شريك حياتها بشكل ناضج، وفي كثير من الأحيان تتزوج دون موافقتها وتكون مجرد صفقة لوالدها

آثار نفسية
بدورها، قالت أستاذة الطب النفسي بكلية طب قصر العيني د. سحر طلعت إن الفتاة بالسن الصغيرة تكون غير مؤهلة نفسيا لتحمل مسؤولية إدارة بيت وتربية أطفال.

وأضافت للجزيرة نت أن الآثار النفسية للزواج المبكر تختلف تبعا لعوامل عديدة منها مدى نضج الفتاة وإتمام الزيجة بموافقتها أو بدون، وإذا ما تم حرمانها من إكمال تعليمها.

وأشارت د. سحر إلى تأخر النضج الوجداني والعقلي بالعصر الحديث، مما يجعل معيار بلوغ الفتاة الجسدي غير منصف في الحكم على قدرتها على الزواج.

وتابعت "الفتاة لن تستطيع اختيار شريك حياتها بشكل ناضج وفي كثير من الأحيان تتزوج دون موافقتها وتكون مجرد صفقة لوالدها".

وحتى إذا كان الزواج برضاء الفتاة فيكون الأمر بالنسبة لها سعادة مؤقتة بفستان الزفاف والشبْكة ودائرة الاهتمام التي تكون حولها، حسب أستاذة الطب النفسي.

ولكن إذا ما كانت الفتاة تريد الزواج من شخص بعينه وأصرت على ذلك فتجد د. سحر في إتمام الزواج حلا مع شرط الاتفاق على عدم الإنجاب حتى تتأكد مع شريكها من صواب قرارهما، وتسهيل الطلاق حال استحالة العشرة وتقبل المجتمع للبنت مرة أخرى كمطلقة.

بين الشريعة والقانون
ومن الناحية الفقهية، يقول أستاذ مقاصد الشرعية الإسلامية د. وصفي أبو زيد إن بلوغ الفتاة سن المحيض معيار لإجازة الزواج لها.

مع ذلك، أكد أبو زيد للجزيرة نت ضرورة عدم تجاوز القانون حتى لا يطول مرتكبه العقاب لأن الشريعة رفعت الضرر، موضحا أهمية توثيق الزواج لإتمام الزيجة لضمان حق الزوجة إذا ما حدث خلاف مع زوجها فتستطيع اللجوء للجهات القانونية.

ولكنه لفت لضرورة الانتباه إلى النضج العقلي للفتاة ومدى تحملها للمسؤولية عند تزويجها لضمان ديمومة الزواج، وقال "هذا يرجع للتربية.. وكم من بنات صغار يتحملن المسؤولية وكم من نساء كبار يضيعن الأمانات".

المصدر : الجزيرة