السجون الكندية بعيون وسائل الإعلام السعودية

A view of an exercise yard for inmates at Kingston Penitentiary in Kingston, Ontario October 11, 2013. British North America's first penitentiary, the
سجن كينغستون أحد أقدم السجون الكندية (رويترز)
أمين محمد حبلا
لم تتوقف الإجراءات التي اتخذتها السعودية ضد كندا عند المستويات الدبلوماسية والاقتصادية، مثل بيع الأصول الكندية واستدعاء الطلبة، بل اتخذت منحى آخر يتعلق بملف السجل الحقوقي في كندا.
 
فحين تحدثت الجهات الرسمية والمسؤولون السعوديون عن تفاصيل الأزمة والإجراءات ضد كندا، شنت وسائل الإعلام السعودية حملة واسعة على ما تصفه بالممارسات والانتهاكات الفاضحة التي تقوم بها الدولة الكندية ضد مواطنيها.
 
وتوقف هؤلاء عند ما وصفوه بالتناقض المخزي بين انتقاد السلطات الكندية لأوضاع حقوق الإنسان خارج أرضها وتدخلها في الشؤون الداخلية لدول ذات سيادة من جهة وانتهاك حقوق مواطنيها وتعريضهم لأبشع أساليب التضييق والممارسات غير الإنسانية.
 
تقرير العربية
بلغت الحملة الإعلامية ذروتها في تقرير فيديو لقناة العربية عن أوضاع السجون السيئة في كندا، حيث نسبت إلى لجان حقوقية لم تعرف بها، وتقارير لم تكشف أيضا جهة إصدارها مطالبتها كندا بتحسين أوضاع حقوق السجناء بما يتواءم مع حقوق الإنسان.
 
وقالت إن أسوأ السجون في كندا هي سجون ساسكاتشوان ونورث باي وأنتاريو العام، وتحدثت عن اكتظاظ في السجون بسبب تأخر مواعيد المحاكمات، وعن إفراط في استخدام القوة ضد السجناء، وسوء الخدمات الصحية والغذائية المقدمة لهم، هذا بالإضافة إلى التمييز بين السكان الأصليين وغيرهم، وفقا للتقرير.

وأكد التقرير أن نحو 75% من السجناء ماتوا قبل محاكماتهم بين عامي 2015 و2017، في الوقت الذي لا يوجد فيه أيضا نظام يمنع احتجاز الأطفال، كما أن السجن الانفرادي يستمر لأكثر من 15 يوما، وقد يمتد لسنوات.

وكان آخر تقرير لمنظمة العفو الدولية (2017-2018) ذكر أنه طرح في يونيو/حزيران مشروع قانون اتحادي ينص على تحديد الحد الأقصى لمدة الحبس الانفرادي بـ 20 يوما، تخفض إلى 15 يوما بعد مرور 18 شهرا على بدء سريان القانون.

وفضلا عن ذلك ذكر التقرير أن حكما قضائيا صدر في ديسمبر/كانون الأول وأكد أن أحكام الحبس الانفرادي القائمة غير دستورية بسبب عدم كفاية الضمانات، وأتاح للحكومة سنة واحدة لاعتماد معايير جديدة.

شكا تقرير العربية أيضا من أن بعض نزلاء السجون الكندية يعذبون بـ"تسليط الضوء عليهم داخل غرف زجاجية"، ولكن مغردين تساءلوا عن طبيعة التعذيب الذي يتعرض له السجناء في غالبية السجون العربية ومنها السعودية.

تاريخ أسود
لم تكن العربية وحدها، فقد ساهمت صحف ومواقع سعودية في "الانتصار" لسجناء كندا والحديث عن "أوضاعهم المأساوية"، وكتبت صحيفة الوطن السعودية تقريرا مطولا عن "تلك الانتهاكات" بعنوان "السجون الكندية تاريخ أسود من الانتهاكات وممارسة العبودية"، تحدثت فيه –نسبة لأحد المواقع الكندية- عن "تاريخ من الانتهاكات التي أقدمت عليها السلطات الكندية عبر التاريخ في ملف السجون".

undefined

واستعرض التقرير ما وصفها بـ"السجون المظلمة في كندا وكيفية التلاعب بالعدالة لمدة تقرب من 10 سنوات"، وأشار إلى أنه "خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، كانت السجون الكندية تعج بالمشاكل والتصفية الجسدية والانتحار، بالإضافة إلى ممارسات التعذيب من قبل المؤسسات الفيدرالية".

وعلى الخط أيضا دخلت صحيفة سبق السعودية بتقرير بعنوان "لا ريادة لـ"كندا" على "السعودية" في حقوق الإنسان.. سجلها مشين وتعاطيها انتقائي"، قالت فيه إن حقوق الإنسان مصونة ومكفولة لكل المواطنين السعوديين في المملكة دون تفرقة من أي نوع، بموجب تشريعات قانونية مستمدة من الشريعة الإسلامية، ونظام قضائي مستقل ينهض على تقاليد راسخة في تطبيق العدالة" أما كندا –وفقا للتقرير- "فسجلها مليء بالانتهاكات ضد سكانها الأصليين الذين يعود وجودهم في هذه البقعة إلى آلاف السنين، والذين يعانون ألوان التمييز ضدهم في مختلف المؤسسات الكندية".

سخرية وتندر
استدعاء المغردين ووسائل الإعلام السعودية لوقائع غر معززة بالمصادر والأدلة، وتصويرهم لكندا باعتبارها دولة موغلة في ظلام الديكتاتورية والقهر أثار موجة من السخرية والتندر والاستغراب لدى عشرات المغردين الذين رأوا في تلك الحملة مهزلة غير قابلة للتصديق واستخفافا بالعقول والأفهام، حيث تصنف كندا الثانية عالميا في جودة الحياة بناء على تصنيف يقيم الدول في مختلف المجالات بما فيها التأثير الاقتصادي ومواصفات السلطة والمواطنة وحقوق الإنسان ونوعية الحياة.

فكتب المغرد جوني عوض "قناة العربية أعدت وبثت تقريرا إخباريا عن انتهاك حقوق الإنسان وتعذيب السجناء في السجون الكندية، إذا لم تستحِ وتخجل من ماضيك حاضرك وحتما مستقبلك المليء بربرية وهمجية وانعدام الإنسانية فافعل ما شئت".

وكتب مغرد آخر "شر البلية ما يضحك، التقرير يسرد أسوأ السجون الكندية في كندا بينما احتلت السجون السعودية أعلى المراتب في أسوأ السجون في العالم".

واكتفى أحدهم بالقول "الإعلام السعودي ينتقد أوضاع السجون الكندية. .. انتهى الخبر…".

undefined

وتقول المنظمات الحقوقية إن عددا من معتقلي الرأي يقبعون بالسجون السعودية في ظروف غير إنسانية، بينما شنت السلطات السعودية أواخر العام الماضي حملة اعتقالات شملت عشرات العلماء والمفكرين والدعاة وأودعتهم السجون بلا محاكمة أو إطلاق سراح.

 

 
 

وبينما تصل الأزمة بين السعودية وكندا ذروتها تنتفض وسائل الإعلام السعودية لإنقاذ السجناء الكنديين من "ويلات القهر والبطش وسوء المعاملة"، ولكن تلك الأقلام الحانية لم تلتفت بعد إلى مأساة عشرات المعتقلين السياسيين الذين اقتيد بعضهم إلى السجون السعودية بسبب تغريدة أو دعاء أو حتى صمت.

المصدر : الجزيرة + وكالات + مواقع التواصل الاجتماعي