احتجاجات إيران .. واشنطن ورهان "الثورة الشعبية"

People protest in Tehran, Iran December 30, 2017 in this still image from a video obtained by REUTERS. THIS IMAGE HAS BEEN SUPPLIED BY A THIRD PARTY.
جانب من التحركات الاحتجاجية التي شهدتها العاصمة طهران في ديسمبر/كانون الأول الماضي (رويترز)
تتجدد موجة الاحتجاجات في إيران على وقع الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، في وقت أعلنت الولايات المتحدة دعمها للمظاهرات، في رهان واضح على تصدّع الجبهة الداخلية الإيرانية و"الثورة الشعبية" تحت وطأة العقوبات.
 
وتستمر المظاهرات في عدة محافظات بينها طهران، رفعت خلالها شعارات مناهضة للنظام مما أسفر عن وقوع مواجهات مع الشرطة ومشهد (شمال شرق) وشيراز (وسط) وغيرها. وقد طالت الاحتجاجات مدرسة دينية بمدينة اشتهارد التابعة لمحافظة ألبرز.
 
وكانت موجة المظاهرات الجديدة قد بدأت في أصفهان (وسط) احتجاجا على هبوط قيمة الريال (117 ألف ريال للدولار بداية أغسطس/آب مقابل 43 ألفا في يناير/كانون الثاني) وارتفاع أسعار السلع والخدمات وتفشي البطالة التي بلغت 12.4% عام 2017 وفق إحصاءات رسمية.
الريال الإيراني تراجع لمستويات قياسية مقابل الدولار
الريال الإيراني تراجع لمستويات قياسية مقابل الدولار
سياسة الخنق
وتأتي الموجة الثالثة من المظاهرات خلال عام 2018 قبيل بدء واشنطن (بداية من 7 أغسطس/آب الجاري) عقوبات على شراء إيران للدولار وعلى تجارتها في الذهب والمعادن النفيسة والفحم وبرامج الحاسوب المرتبطة بالصناعات، ووقف الواردات الأميركية من السجاد الإيراني والفستق وبعض المعاملات المالية المرتبطة بذلك.
 
وفي نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، من المتوقع أن تفرض الولايات المتحدة حزمة جديدة من العقوبات على طهران تتمثل في تقييد صادرات النفط الخام إلى الخارج، ومعاقبة الشركات المتعاونة معها بما قد يفاقم الأزمة في إيران.
 
وأعلنت واشنطن مساندة التحركات الاحتجاجية و"صوت الشعب الذي يتم تجاهله منذ وقت طويل" مؤكدة أن من حق الإيرانيين تقرير مسار بلادهم نهاية المطاف.
 
وقد زادت العلاقات توترا منذ إعلان الرئيس دونالد ترامب في 8 مايو/أيار الماضي الانسحاب من الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني، وإعادة العمل بـ العقوبات الاقتصادية على طهران والشركات والكيانات التي تتعامل معها، وأصبحت الجبهة الداخلية الإيرانية هدفا لواشنطن في ذلك الصراع.
 
ورغم رسائل ترامب المتباينة لطهران من التصعيد إلى الدعوة مؤخرا للحوار، فإن الرهان الأساسي يبدو أنه العمل على خنق طهران اقتصاديا بشكل متصاعد، والضغط المتواصل لتقويض النظام من الداخل عبر "ثورة شعبية".
 
ويقرأ متابعون البنود الـ 12 التي طرحها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في مايو/أيار الماضي، والتلويح بالعقوبات "الأقوى بالتاريخ" على أنها إعلان بدء العمل على إسقاط النظام الإيراني.
 
ويعتبر الكاتب الأميركي دوغ باندو -بمقال لمجلة ناشيونال إنترست- أن شروط بومبيو التي طرحها في مايو/أيار الماضي على إيران ليست للتفاوض بل تدعو بشكل واضح لاستسلامها وقبول الهيمنة السعودية وتخليها عن حلفائها التقليديين والتوسل لواشنطن، وفق تعبيره.
‪جانب من احتجاجات ديسمبر/كانون الأول 2017 بالعاصمة طهران‬ جانب من احتجاجات ديسمبر/كانون الأول 2017 بالعاصمة طهران (رويترز)
‪جانب من احتجاجات ديسمبر/كانون الأول 2017 بالعاصمة طهران‬ جانب من احتجاجات ديسمبر/كانون الأول 2017 بالعاصمة طهران (رويترز)

رهان الشارع
وأعلن وزير الخارجية الشهر الماضي عن إطلاق منصات إعلامية جديدة بالفارسية تخاطب الداخل الإيراني وتستثمر في مفاعيل الأزمة، وأكد بوضوح باجتماع في كاليفورنيا مع الجالية الإيرانية أن "حلم التخلص من النظام الإيراني سيصبح حقيقة".

ويعتمد "حلم" بومبيو وإدارة ترمب على الحملات الإعلامية المكثفة الموجهة إلى الداخل الإيراني المرتبك وتكثيف دعم المعارضة بالداخل (كردستان ششستان وبلوشستان) والخارج، وزيادة الشرخ الداخلي وتفكيك الجبهة الداخلية على وقع تردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي عبر تكوين حالة احتجاجية متواصلة ومكثفة.

ويقول باتريك كلاوسن مدير معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى إن الولايات المتحدة تعمل على تكثيف وتنويع الضغوط على إيران، معتبرا أن إدارة ترامب تسلك نهجا متكاملا تجاه طهران لا يقوم فقط على الملف النووي بل يتعلق بدعمها للإرهاب وزعزعتها الاستقرار بالمنطقة، على حد تعبيره.

وكانت مظاهرات كبيرة قد اندلعت في إيران نهاية ديسمبر/كانون الأول 2017، وتجددت في يونيو/حزيران الماضي، كما أضرب تجار "البازار" (كبار التجار) جزئيا، وهو ما أعاد للأذهان الأميركية الحالمة بإسقاط النظام الإيراني كيف كان تحرك البازار سببا في نجاح ثورة الخميني على نظام الشاه محمد رضا بهلوي عام 1979.

وفي الوقت الذي يؤكد الإيرانيون قوة دولتهم ونظامهم، يرى محللون أميركيون اهتراء تماسك النسيج الداخلي لإيران -الذي استطاعت بفضله الصمود سابقا في الحصار الذي استمر أكثر من ثلاثين سنة بعد ثورة 1979- وذلك بفعل الحصار الأميركي الجديد.

ويروج الإعلام الأميركي بأن مشاكل الإيرانيين الاقتصادية المزمنة منذ عام 1979 -بحسب السردية الأميركية- سببها الرئيسي النظام وإهدار أموال الشعب في مغامرات خارجية باليمن ولبنان وسوريا، وأن بوابة الحل تبدأ وتنتهي بواشنطن.

في المقابل، يتبنى المسؤولون الإيرانيون والإعلام الرسمي نظرية المؤامرة على أساس أن التصعيد الأميركي ضد بلادهم مطلب سعودي إسرائيلي بالأساس يطبقه ترامب، وأن سقوط النظام حلم اميركي بعيد المنال.

وفي ظل المحاذير الكثيرة التي تسقط الخيار العسكري بين الطرفين في الوقت الحالي، يبدو الداخل الإيراني المحور الأساسي للصراع. فطهران تنظر بقلق بالغ للتحركات الاحتجاجية، وتعمل على تقليل الخسائر وضبط الجبهة الداخلية والاستعداد لأزمة طويلة تؤججها وتتحفز واشنطن لاستثمار تبعاتها.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية