واشنطن بوست: ماكين الأميركي الذي لا يعوض

FILE - In this June 7, 2015, photo, Senate Armed Services Committee Chairman Sen. John McCain, R-Ariz., speaks during the Senate Armed Services Committee hearing on Capitol Hill in Washington. McCain now has an official primary challenger in Arizona state Sen. Kelli Ward, a tea party favorite who announced July 14 she's formally taking on the task of trying to knock off the five-term Republican lawmaker next year. (AP Photo/Carolyn Kaster)
حظي السيناتور الراحل جون ماكين بمكانة كبيرة داخل وخارج أميركا (أسوشيتد برس)

أمين محمد حبلا-الجزيرة نت

اكتفى الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتقديم التعازي لأسرة السيناتور الراحل جون ماكين دون أي كلمة ثناء أو إشادة بحق ماكين؛ لم يخالف ترامب ظن الكثيرين، فقد توقعوا أنه لن يذرف دموع الحزن على رحيل ماكين بعد أن تحول في الشهور الماضية إلى أحد أبرز منتقديه الجمهوريين.

بيد أن ماكين وجد من يبكي عليه ويأسف على رحيله داخل وخارج أميركا؛ فقد أشاد سياسيون وصحفيون وقادة رأي أميركيون كثر بالرجل، كما وجد الأسى على رحيله صدى واسعا في المنطقة العربية خصوصا من أنصار الثورات.

يحظى ماكين بقدر كبير من الاحترام في الداخل الأميركي، وقد ساهمت تجربته الحربية وخضوعه للأسر ومكانته الاجتماعية وحضوره السياسي في رسم صورته بين الأميركيين، وهي الصورة التي عززتها سلاطة لسانه.

ووصفته صحيفة واشنطن بوست في افتتاحيتها بالأميركي الذي لا يمكن تعويضه، وقالت إنه كان شخصية محترمة حتى إن وجهات نظره كانت تتمتع بمصداقية حتى بين العديد ممن عارضوها بشدة.

وأشارت الصحيفة إلى أن ماكين ارتفع في مناسبات عديدة فوق سياسات حزبه لتبني ما رآه مصلحة وطنية، وقدمت مثالا على ذلك بتصويته في العام 2017 ضد مشروع قانون الرعاية الصحية الذي كان يرى أنه سيئ بالنسبة للبلاد. وقالت إن الدولة فقدت برحيله رصيدا لا يمكن تعويضه.

وقال الكاتب بول كين في مقال بالصحيفة نفسها إن ماكين استخدم شهرته لخوض المعارك مع قادة الكونغرس والرؤساء الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء، وربما لم يسبق أن خاض أي منهم معركة قوية كما فعل ماكين مع الرئيس ترامب في الأشهر الأخيرة قبل أن يرحل بسبب سرطان الدماغ.

البوابة العسكرية
في مركز عسكري جاء إلى الحياة، ومن البوابة العسكرية ولج السيناتور الأميركي الراحل جون ماكين إلى عالم السياسة ودوائر الشهرة والنفوذ؛ عبر ثمانية عقود قضى قرابة نصفها الأخير صوتا مجلجلا ورقما هاما في الكونغرس الأميركي.

فقد ولد بمركز عسكري أميركي بمنطقة قناة بنما في أواخر أغسطس/آب 1936، وانخرط في السلك العسكري ليصبح طيارا بالبحرية الأميركية وأستاذا بكلياتها، وهي المهنة التي قادته إلى الأسر والمعاناة، ثم فتحت له لاحقا أبواب الصدارة والنفوذ.

كان والده أميرالا فتطوع للذهاب إلى فيتنام، وهناك جرت الرياح بما لا تشتهي العائلة حيث أُسقطت طائرته المقاتلة بصاروخ فيتنامي في العام 1967، وأُسر في معتقل هانوي هيلتون لأسرى الحرب، وهناك تعرض لأنواع شتى من العذاب والمعاناة لنحو ست سنوات.

لم يخرج ماكين بعد سنوات من الأسر والتعذيب المرير بنفسٍ انتقامية، بل خرج أكثر شفقة على الفيتناميين من الأسلحة الفتاكة التي كانت تقصفهم بها الطائرات الأميركية.

كما أن الظروف القاسية التي عاشها في الأسر والتعذيب الشديد الذي تعرض له جعله أكثر حساسية تجاه قضايا التعذيب، وأحد أبرز المناهضين لممارسات التعذيب والقهر في سجون المخابرات الأميركية.

بعد تقاعده انتقل إلى أريزونا، ليبدأ مشواره السياسي بالفوز بمقعد مجلس النواب عام 1982، ثم الفوز بمقعد مجلس الشيوخ بعدها بأربع سنوات، حيث مثّل ولاية أريزونا في مجلسي الشيوخ والنواب لمدة 35 عاما.

وترشح في انتخابات الرئاسة عام 2008، وخسرها أمام مرشح الحزب الديمقراطي الرئيس السابق باراك أوباما.

"بطة" السيسي
يعد ماكين أحد أبرز واضعي الإستراتيجيات الأميركية، وأكثر المشرعين الأميركيين دعما للديمقراطية في المنطقة العربية، وأحد أبرز الساسة الأميركيين مساندة للثورات العربية.

زار ماكين مصر بعد انقلاب العام 2013 الذي أطاح بالرئيس المعزول محمد مرسي، وأطلق حينها تصريحه المشهور الذي مثّل أوضح موقف من جانب الكونغرس الأميركي من عزل الجيش المصري مرسي.

فقد وصف ماكين في مؤتمر صحفي مشترك بالقاهرة مع السيناتور وليندسي غراهام ما جرى في مصر بعد الثالث من يوليو/تموز الماضي بأنه انقلاب عسكري، على اعتبار أن "غير المنتخبين هم الذين يحكمون بينما المنتخبون معتقلون".

وقال ماكين بسخرية عند سؤاله: هل ما حدث بمصر انقلاب؟ "إذا كانت تصيح كالبطة وتمشي كالبطة فهي بطة".

كما زار ليبيا أيضا وأبدى مساندته للثورة التي أطاحت بالرئيس معمر القذافي، وكان موقفه تجاه الثورة السورية أقوى وأوضح؛ حيث طالب مرارا بتسليح وتمويل الثوار، وزار مواقع الجيش الحر والتقى عددا من قادته وساهم في رسم ما يعرف بسياسة الخطوط الحمر الذي هدد به الرئيس السابق باراك أوباما الرئيس السوري بشار الأسد، ثم واجه ماكين التراجع عن هذه السياسة بامتعاض شديد.

ووصفه العديد من أنصار الثورة السورية بصديق الثورة الذي ناصرهم ووقف بصلابة وثبات دفاعا عن ثورتهم ومطالبة بدعمها حتى آخر لحظة في حياته.

معارض لترامب حتى النفس الأخير
وقف ماكين بالمرصاد لبعض سياسات ترامب، وكان السيناتور الجمهوري الأعلى صوتا في انتقاد سياساته أثناء حياته، وأوصى بألا يدعى ترامب لجنازته عند موته. ومن القضايا التي عارضه فيها حظر دخول رعايا دول إسلامية إلى الولايات المتحدة، وسياسة فصل المهاجرين عن أبنائهم.

كما انتقد ماكين الشهر الماضي قمة ترامب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأصدر بيانا وصف فيه المؤتمر الصحفي المشترك بين الزعيمين بأنه "أسوأ أداء لرئيس أميركي تعيه الذاكرة"، وقال إن ترامب "لم يكن قادرا على مواجهة بوتين فحسب بل لم يكن راغبا في ذلك".

ومع أن آخر ظهور علني له في مبنى الكونغرس كان في ديسمبر/كانون الأول الماضي، فقد استمر في نشر عدد من التغريدات والبيانات عبر حسابه بتويتر حول مختلف القضايا التي تعرفها الولايات المتحدة.

المصدر : الجزيرة + وكالات + الصحافة الأميركية