قصف التحالف وخنادق الحوثيين تحرم الحديدة الماء

أطفال نازحين من الحديدة في باحة مدرسة حكومية في مدينة الحديدة
أطفال نازحون من الحديدة في باحة مدرسة حكومية بمدينة الحديدة (الجزيرة نت)

خاص-الجزيرة نت

فجر الجمعة الماضي، استيقظ سكان حي "البيضاء" شمالي مدينة الحديدة غربي اليمن مرعوبين على صوت دوي انفجار عنيف، إذ كانت طائرات التحالف العسكري السعودي الإماراتي تحلق بكثافة في سماء المدينة وتشن غارات على الميناء.
 
تحسس فتحي السباتي آثار الشظايا التي تطايرت على سقف منزله الشعبي المبني بأحجار البلوك الخفيف، وما لبث أن هرول إلى الدور الأرضي ليتفقد أطفاله وأفراد أسرته، كان القلق والخوف يخيم عليهم خشية غارة أخرى.

في الصباح، دفع فضول الاطلاع فتحي لزيارة الموقع المستهدف في الحي السكني الفقير، وكانت صدمتهم حين رأوا محطة مياه رئيسية قد دمرت تدميرا جزئيا جراء غارة جوية للتحالف.

ويعتمد أكثر من 600 ألف شخص، هم سكان مدينة الحديدة على مشروعين للمياه، أحدهما محطة البيضاء التي تغذي نحو 35% من المدينة، ومشروع "مياه القطيع" الذي يضخ من مديرية القطيع شرق المدينة، ويتكفل بتغذية 65% من حاجة المدينة للمياه.

وأضاف المواطن السباتي -نقلا عن شهود عيان- أن عربة للحوثيين كانت تقف في الشارع الرئيسي قبل أن تدخل وسط الحي، وحاولت الطائرات الحربية استهدافها بالغارة، لكنها أصابت محطة المياه، مشيرا إلى أن القصف "غير مبرر".

وقال إن القصف أدى إلى خروج المحطة عن الخدمة بعد أن كانت تزوّد الأحياء الشمالية بالمياه النظيفة، وإن إصلاحها يتطلب وقتا طويلا في حال بادرت السلطات المحلية إلى إصلاحها، عدا ذلك ستحرم الأحياء السكنية من المياه إلى أجل غير مسمى.

خنادق يحفرها الحوثيون في الشوارع الجنوبية للحديدة تسببت بتدمير شبكات المياه والصرف الصحي (الجزيرة نت)
خنادق يحفرها الحوثيون في الشوارع الجنوبية للحديدة تسببت بتدمير شبكات المياه والصرف الصحي (الجزيرة نت)

وكان سكان تلك الأحياء الفقيرة يعملون على صيانة المحطة تحسبا لتأخر أو رفض مؤسسة المياه (حكومية) إصلاحها، مضيفا "كنا نجمع تبرعات رمزية من المنازل والسكان ونجري لها الصيانة".

وقد فاقم خروج المحطة عن الخدمة من أزمة السكان الذين بدؤوا في الاعتماد على صهاريج المياه التي يقدمها فاعلو الخير، أو التزود بمياه آبار المساجد غير المضمون نظافتها.

خنادق الحوثيين
وقال مسؤول محلي في الحي فضّل عدم الكشف عن هويته، إن البنية التحتية لمشاريع المياه والصرف الصحي دمرت بشكل كبير، إذ "يواصل الحوثيون حفر الخنادق في الشوارع ويدمرون شبكات نقل المياه، واليوم يدمرنا التحالف على مرأى ومسمع من العالم".

وتسبب حفر الحوثيين لعشرات الخنادق في تدمير شبكات المياه، وانقطاع المياه عن عدد من الأحياء السكنية مما دفع بعض السكان للنزوح من منازلهم.

كما أدت غارات مماثلة استهدفت مقر الشرطة العسكرية في حي التحرير بالمدينة إلى تدمير كبير في مبنى المختبر العام ومركز خدمات الصحة الإنجابية.

وكشف مدير مكتب الصحة العامة والسكان في محافظة الحديدة عبدالرحمن جارالله في تصريحات صحفية أن القصف الجوي أدى إلى تضرر مركز التحرير الصحي بشكل كبير، والذي يقدم خدمات عديدة، أهمها الصيدلية المركزية الوحيدة بالمحافظة التي تقدم أدوية لمرضى السكر والسرطان والكلى بالمجان.

جزء من الدمار الذي طال المختبر العام وسط مدينة الحديدة جراء القصف الجوي(مواقع التواصل الاجتماعي)
جزء من الدمار الذي طال المختبر العام وسط مدينة الحديدة جراء القصف الجوي(مواقع التواصل الاجتماعي)

وقال الأمين العام لنقابة الأطباء والصيادلة في مدينة الحديدة الدكتور محمد الحماطي للجزيرة نت إن تدمير المختبر العام ربما ستكون كلفته كبيرة على الوضع الصحي في المدينة إن حدث ما يخشاه السكان من تفشي الأوبئة.

وأضاف الحماطي "سيكون من الصعب علينا تقديم فحوص للمرضى خصوصا بعد تدمير المختبر العام.. القطاع الصحي تضرر كثيرا، ونسعى إلى تدارك الوضع وإصلاح ما دمر".

زبيد تترقب
ولا يكاد يختلف الحال في مدينة زبيد ثانية كبرى مدن محافظة الحديدة ،إذ شنت الطائرات الحربية غارات على عدد من المواقع تضررت منها شبكة الصرف الصحي في المدينة.

لكن المياه ما زالت تتدفق إلى المنازل وفق سكان محليين مع خشيتهم من انهيار الوضع واختلاط مياه المجاري بالمياه النظيفة، مما قد يساهم في تفشي الأوبئة من جديد، ولا سيما الكوليرا.

وحذر أحمد باذيب -وهو طبيب في مستشفى حكومي- في حديث للجزيرة نت، من أن انعدام المياه الصالحة للشرب سيجبر السكان على استخدام المياه الملوثة، مضيفا "طالما لا يوجد ماء شرب نظيف فمن المؤكد أنه سينتشر وباء الكوليرا مرة أخرى".

وكانت المنسقة الأممية في اليمن ليزا غراندي قد قالت إن الغارات التي استهدفت مدينة الحديدة ودمرت محطة إمداد مدينة الحديدة بغالبية احتياجاتها من المياه "تضع المدنيين الأبرياء في خطر شديد".

مئات الآلاف فروا من الحديدة(الجزيرة)
مئات الآلاف فروا من الحديدة(الجزيرة)

وذكرت في بيانٍ الاثنين الماضي أن "الكوليرا موجودة بالفعل في الأحياء بكافة مناطق المدينة والمحافظة ويتسبب الضرر الذي يلحق بمرافق الصرف الصحي والمياه والمرافق الصحية بتعريض كل جهودنا للخطر".

والأسبوع قبل الماضي، قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، إنها رصدت 2311 حالة وفاة بوباء الكوليرا في اليمن، وإن عدد الحالات المشتبه في إصابتها بالوباء بلغ أكثر من مليون و118 ألف حالة، في الأشهر الـ13 الماضية.

وذكرت أن السلطات الصحية ومنظمات الإغاثة تعمل على مدار الساعة لمنع عودة تفشي الكوليرا، ومع ذلك فإن النظام الصحي المتدهور وتحديات استمرار الصراع تقوض هذه الجهود.

وقالت في بيان مطلع يوليو/تموز الماضي "اليوم تسجل مديريات محافظة الحديدة أكبر عدد لحالات الكوليرا (لم تحدده)، كما تعاني من أعلى معدلات سوء التغذية في اليمن، وإن الوضع في مدينة الحديدة يزداد خطورة كل يوم… والواقع على الأرض أكثر قتامة".

وأشارت إلى أنها قامت "بالتخزين المسبق لأدوية ومستلزمات طبية مختلفة تكفي للقيام بـ200 ألف استشارة طبية، بما فيها أدوية علاج الكوليرا".

المصدر : الجزيرة