مغازلة إيران.. ترامب وسياسة العودة عن حافة الهاوية

كومبو روحاني ورترمب
روحاني وترامب

أمين محمد حبلا

بينما كان العالم يحبس أنفاسه انتظارا لتنفيذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب تهديده بإنزال أقسى عقوبات في التاريخ ضد إيران؛ جاءت تصريحاته الجديدة باستعداده للقاء قادتها دون شروط مسبقة لتمثل نزولا من أعلى شجرة التصعيد والوعيد، أو تناقضا ضمنيا مع مواقفه ومواقف إدارته السابقة.
 

فخلال الأيام والأسابيع الماضية، بلغ التصعيد الأميركي ذروته القصوى مع إيران، بدءا من الخروج من الاتفاق النووي معها، مرورا بتهديدها بعقوبات قاسية وموجعة، والتلويح بحرب بدأت ملامحها وأنواؤها تظلل سماء المنطقة، وانتهاء بالكشف عن حلف إستراتيحي إقليمي عربي على شكل "ناتو عربي" يجري التحضير له من أجل مواجهة إيران.

بين التهدئة والتصعيد
بات التناقض في المواقف والتصريحات أحد أبرز أوجه سياسة الرئيس دونالد ترامب في التعاطي مع عدد من أهم الملفات الإقليمية والدولية الشائكة والمعقدة، وهو ما يلقي عبئا كبيرا على حلفاء الولايات المتحدة، ويزيد حالة الغموض والضبابية في المشهد الدولي في ظل رئاسة ترامب.

ومن أبرز الأمثلة على حالة التناقض التي تتلبس مواقف ترامب وسياساته موقفه من الأزمة الخليجية؛ حيث اندفع فيها ابتداء إلى جانب محور دول الحصار (السعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر)، وطفق يكيل الاتهامات جزافا لقطر، قبل أن يراجع موقفه، ويسبغ الثناء على قطر وأميرها، ويمتدح مواقفها وجهودها في محاربة الإرهاب، ويؤكد أهمية التحالف معها في إطار محاربة الإرهاب وتعزيز استقرار المنطقة.

ومثلت أزمة كوريا الشمالية الامتحان الأصعب خلال الفترة الماضية لإدارة ترامب في إثبات انسجامها مع مواقفها والوفاء بوعيدها، بعد أن هدد بأن كوريا الشمالية ستُواجه "بالنار والغضب"، وتوعد "بتدميرها بشكل كامل" إذا هاجمت أميركا أو حلفاءها، واصفا نظامها بالفاسد والشرير.

وبينما كان الجميع يتساءل عن الموعد المفترض لانطلاق الشرارة الأولى في الحرب النووية بين البلدين، جاء موعد نزول ترامب المعتاد من قمم التصعيد إلى سفوح التهدئة والتقارب، ليلتقي الرئيسان في قمة استضافتها سنغافورة في 12 يونيو/حزيران الماضي، ويبدآن صفحة جديدة مختلفة كليا عما سبقتها.

ولم يكن التناقض في المواقف بعيدا أيضا عن مواقف وسياسات ترامب في مجال الهجرة؛ فقد تعهد في حملته الانتخابية، بترحيل ما لا يقل عن 11 مليون مهاجر غير قانوني، ثم عدل الرقم لاحقا –تحت ضغوط شعبية- إلى نحو ثلاثة ملايين من المهاجرين غير النظاميين فقط.

وبخصوص قضية المهاجرين القادمين من الحدود المكسيكية التي أثارت لغطا واسعا خلال الأسابيع الماضية داخل وخارج الولايات المتحدة؛ اضطر ترامب أيضا للرضوخ أمام الضغوط، ووقع أمرا تنفيذيا بشأن لمّ شمل العائلات، وقال لدى عملية التوقيع "لا يمكنني تحمل منظر وشعور العائلات المقسمة"، وأضاف "ستكون لدينا حدود قوية للغاية، وسنبقي العائلات معا".

ومع ذلك، ظل الرجل مصرا على حظر سفر دول إسلامية إلى أميركا، وهو الموقف الذي يتناغم مع نظرة الرجل إلى المهاجرين عموما؛ فقد وصف مرة المهاجرين القادمين من حدود المكسيك بطرق غير نظامية بأنهم "غزاة يسعون لاقتحام البلاد"، ووصف آخرين مرة بأنهم يأتون من بلدان قذرة، وأنهم حيوانات، وقال مخاطبا مسؤولة أمنية "لا يمكن أن تتصوري كم هم سيئون هؤلاء الناس. هؤلاء ليسوا بشرا. هؤلاء حيوانات. ونحن بصدد ترحيلهم خارج البلد بوتيرة وبدرجة لم تتحقق في السابق".

حافة الهاوية
حين قرر ترامب الخروج من الاتفاق النووي مع إيران في الثامن من مايو/أيار الماضي، لم يكن من الواضح حينها إذا كان الرجل يحاول استدعاء مزيد من الفوضى إلى الشرق الأوسط، وإشعال حرب أخرى قالت إيران إن ترامب يمكن أن يبدأها ولكنه لا يتحكم في نهاياتها ومآلاتها، أم أنه يسعى فقط لإرغام إيران على التفاوض على اتفاق جديد ينتمي لحقبة ترامب وليس أوباما.

وخلال الأسابيع الماضية، تفرج العالم على إعادة الجزء الأول من مسلسل ترامب كوريا الشمالية، ولكن هذه المرة على الخشبة الإيرانية، حيث بلغ الوعيد ذروته مع التلويح بحرب وشيكة من كلا الطرفين، قبل أن يعود ترامب مرة أخرى إلى تلطيف الأجواء والتلويح بغصن الزيتون قبل نحو أسبوع من السادس من أغسطس/آب، التاريخ المنتظر لفرض عقوبات وصفها المسؤولون الأميركيون بالقاسية على إيران.

ومع التشابه في المسار والحلقات في تعاطي ترامب مع ملفي كوريا وإيران –حتى الآن- يبقى من المناسب التذكير بخصوصية الملف الإيراني، وتعاطي الإدارات الأميركية معه خلال العقود الماضية.

فقد راوحت مختلف الإدارات المتعاقبة -رغم عدائها الظاهر وتصعيدها الشديد من حين لآخر- على "شعرة معاوية"، وعلى توازن دقيق بين التصعيد والتهدئة، يبقي حالة الخصام، ولكنه يمنع وقائع الاشتباك، حدث ذلك منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979.

ومع أن التوتر ظل يرسم ملامح العلاقة بين الطرفين، فقد بلغت ربيعها وأوجه تطورها في عهد الرئيس السابق باراك أوباما الذي وقع اتفاقا نوويا غير مسبوق معها.

وكان لافتا ما كتبه جيمس ليونز الأدميرال المتقاعد والقائد السابق للأسطول الأميركي في المحيط الهادئ في صحيفة واشنطن تايمز بُعيد توقيع الاتفاق النووي في 2015، من أن أوباما سبق أن فتح قنوات اتصال سرية مع القادة الإيرانيين عندما كان مرشحا للرئاسة عن الحزب الديمقراطي في 2008، وذلك عن طريق السفير الأميركي السابق لدى أوكرانيا ويليام ميلر.

وأضاف الكاتب أن ميلر يجيد الفارسية بحكم جولات عمله السابقة في إيران، وأنه حمل رسالة من أوباما للإيرانيين تقول "لا توقعوا اتفاقا مع إدارة بوش وانتظروني حتى أصبح رئيسا، حيث إنكم ستحصلون على فرصة أفضل، وإنكم ستحبذون سياساتي، فأنا صديقكم".

وإذا صح ما كتبه ليونز فربما يكون ترامب أراد أيضا أن يحرم سلفه –أوباما- بأثر رجعي من المكاسب السياسية والإعلامية، كما سعى أوباما نفسه إلى حرمان سلفه –بوش- منه، وهو ما يعني في المحصلة أن احتواء إيران سواء بسيف التهديد أم بالإغراءات الاقتصادية والمكاسب المادية تبقى ركنا ثابتا في سياسة القادة الأميركيين، وإن اختلفت الطرائق والأساليب، على أن كلا منهم يريد أن يكون صاحب البصمة الأوضح والتأثير الأكبر في هذا المسار.

ومن هذا المنطلق، فالراجح أن ضغوط ترامب -بما فيها الخروج من الاتفاق النووي والتلويج بالحرب، ثم الغزل اللاحق بإعلان استعداده للجلوس مع الإيرانيين- تتنزل ضمن هذا السياق، ولا يستبعد وفقا للعديد من المراقبين أن تستجيب إيران لجزء من هذه الضغوط وتقدم تنازلات مهمة في المرحلة القادمة من أجل اتفاق نووي، وربما كان بالستيا جديدا.

المصدر : الجزيرة + وكالات + الصحافة الأميركية