هل ينجح الروس بإعادة اللاجئين السوريين؟

Syrian refugees, fleeing the recent fighting in Arsal, wait by trucks in Majdel Anjar in the Bekaa valley, near the Lebanese border with Syria August 8, 2014. The refugees, who had sought shelter in Arsal, were attempting to head back to Syria; however, they say Syrian authorities at the border rejected them until further investigation to verify their identities and statuses. REUTERS/Hassan Abdallah (LEBANON - Tags: POLITICS CIVIL UNREST)
تسعى روسيا لإقناع اللاجئين السوريين بالعودة إلى ديارهم بالتنسيق مع دول الجوار السوري (رويترز)

أمين محمد حبلا-الجزيرة نت

تمثل التحركات الروسية المكثفة خلال الأيام الماضية لتسريع عودة اللاجئين السوريين إلى مدنهم وقراهم التي فروا منها خلال السنوات السبع الماضية، محاولة من موسكو للإمساك بمختلف جوانب الملف السوري وتفاصيله، وإعطاء الانطباع باكتمال السيطرة وانتهاء مراحل العمل الميداني والعسكري ضد المسار الثوري الذي انطلق قبل أزيد من سبع سنوات، وكان للروس قدم السبق في تحطيم كثير من عنفوان الثائرين وطموحهم.

ويسارع الروس الخطى، يستعجلون إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل 15 مارس/آذار 2011، من أجل قطف الثمار السياسية والاقتصادية "والإنسانية" لسنوات من المواجهة والمغالبة.

لا تكتفي روسيا بإعادة السيطرة على المدائن والقرى التي فقدها النظام إبان سنوات الثورة، بل تريد أيضا إعادة الذين حزموا أمتعتهم على عجل وفروا ذات أيام كئيبة، إلى بيوت مدمرة وقرى مهجورة.

الخطة الخمسية
لم تكشف روسيا حتى الآن التفاصيل الكاملة لخطتها الهادفة لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلاد منكوبة، ولا الأدوات التي ستستخدمها لإقناع ملايين اللاجئين بالعودة إلى أحضان نظام خرجوا عليه وصرخوا في وجهه بالرحيل قبل أزيد من سبع سنوات، وقابل صراخهم بآلة قتل هي الأبشع خلال العقود الأخيرة.

لكن ما تكشف حتى الآن من الخطة الروسية يتضمن إنشاء مركز لاستقبال اللاجئين وتوزيعهم وإيوائهم، وتم الإعلان بالفعل عن إقامة هذا المركز الأربعاء الماضي في دمشق، وسيتولى مراقبة إعادة جميع النازحين واللاجئين السوريين من الدول الأجنبية إلى مواقع إقامتهم الدائمة أو المؤقتة.

وكشفت صحيفة الجمهورية اللبنانية أن الخطة الروسية تتضمن خمس نقاط أساسية، هي:

– تأسيس لجنة في كل من لبنان والأردن وتركيا، للتنسيق والمتابعة مع الجانب الروسي في سبل العودة وآلياتها.

– إبلاغ الدول المعنية في المنطقة بأن موسكو نسّقت مع الحكومة السورية، وأنّ لديها ضمانات بعدم التعرض للعائدين.

– إدراك الروس أن إعادة الإعمار في سوريا -خصوصا للبنى التحتية المدمرة- تحتاج إلى دعم مالي، وقد طلبوا من الأميركيين والأوروبيين تأمينه، ولكنهم لم يردوا على هذا الطلب بعد.

– تأسيس مراكز روسية في سوريا يفترض أن ينتقل إليها العائدون في المرحلة الأولى، ومنها إلى قراهم بعد إعادة إعمارها.

– ستكون هناك نقاط عبور تمرّ عبر الدولة التي يعود منها النازحون.

وأودت الحرب السورية طيلة السنوات الماضية بحياة نحو نصف مليون سوري، كما دفعت بنحو 11 مليونا إلى مغادرة بيوتهم، من بينهم أكثر من 5.6 ملايين إلى خارج البلاد ونحو 6 ملايين آخرين داخل سوريا.

ويوجد في تركيا وحدها نحو 3.5 ملايين لاجئ، بينما تستضيف الأردن ولبنان نحو مليون لاجئ لكل منهما، وأكثر من نصف مليون في أوروبا، و130 ألفا في مصر.

لبنان.. بوابة العودة
ويبدو أن روسيا اختارت لبنان لتبدأ منه تنفيذ خطتها لإعادة اللاجئين السوريين، وسريعا ما تجاوب لبنان الرسمي مع تلك المساعي ورحب بها، إثر محادثات رسمية عقدت الخميس بين الموفد الرئاسي الروسي ألكسندر لافرنتييف وعدد من المسؤولين اللبنانيين، في مقدمتهم رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الوزراء سعيد الحريري ورئيس مجلس النواب نبيه بري وعدد من قادة الأجهزة العسكرية والأمنية.

وخلال تلك المباحثات عرض الوفد الروسي الخطوط العامة للخطة الروسية لإعادة اللاجئين، بينما رحب المسؤولون اللبنانيون -وفقا لصحف لبنانية- بالمبادرة الروسية وأعربوا عن استعدادهم للمساهمة في إنجاحها.

ومن الواضح أن نجاح المحادثات بين الطرفين يعود في جزء كبير منه ليس فقط إلى التقارب -إن لم نقل التطابق- بين الموقف الروسي ومواقف عدد من الجهات والأطراف الأكثر نفوذا في لبنان من الملف السوري عموما، والمصالح المشتركة أيضا فيما يخص عودة اللاجئين السوريين في لبنان تحديدا.

فلبنان الرسمي والشعبي -وفق ما يتداول على نظام واسع بين المعارضين السوريين- يضيق ذرعا باللاجئين السوريين، ويحمّلهم مسؤولية الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد؛ وانعكست تلك الحالة في مواقف عبّرت عن نفسها بتصريحات وأشكال فنية عديدة، من بينها أغنية لبنانية حرضت على السوريين وتضمنت عبارات وصفت بالعنصرية والقادحة.

كما أن روسيا تدرك أن ما تستطيع تحقيقه على المسار اللبناني أكثر مما تستطيع إنجازه على أي مسار آخر، بحكم الاعتبارات الداخلية في لبنان وطبيعة التداخل بين البلدين، والاستعداد المبدئي لعدد من اللاجئين هناك للانخراط في هذا المسار.

ويجري حاليا في لبنان تنفيذ خطة أخرى لإعادة اللاجئين إلى سوريا، حيث غادر يوم الاثنين الماضي المئات منهم في طريقهم إلى منطقة القلمون السورية، في إطار عملية يتولاها الأمن العام اللبناني بالتنسيق مع دمشق.

وتعد هذه الدفعة الرابعة التي تغادر لبنان منذ أبريل/نيسان الماضي، وسط تكرار مسؤولين لبنانيين مطالبتهم المجتمع الدولي بتأمين عودة اللاجئين إلى مناطق توقفت فيها الحرب في سوريا.

عوائق العودة
ورغم الحماس الروسي والترحيب اللبناني بإعادة اللاجئين إلى ديارهم، فإن عوائق كثيرة تحيط بهذا المسار على رأسها طبيعة الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية في سوريا، ومستوى استعداد الروس على تقديم ضمانات حقيقية للاجئين العائدين بسلامتهم وحفظ كرامتهم، ومدى قدرتهم على الوفاء بها وكبح جماح النظام وأجهزته ومليشياته المتحفزة للبطش بخصومها.

ولا تعرف حتى الآن مواقف دول الجوار الأخرى وخصوصا تركيا التي تستضيف أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ، أغلبهم فروا من المناطق التي شكلت حاضنة جغرافية ومذهبية وسياسية للثائرين على نظام الأسد.

ولم يتضح أيضا موقف الولايات المتحدة رغم تأكيد المسؤولين الروس أنهم وضعوا الأميركيين في صورة ما يجري، وأن مبادرتهم كانت محل نقاش في قمة هلسنكي.

كما أن الأمم المتحدة أكدت مرارا أن الأوضاع في سوريا لا تفي بعد بالشروط الخاصة بالعودة إليها، بعد أكثر من سبع سنوات من الصراع الذي قتل مئات الآلاف وهجر الملايين.

ولكن الأهم من كل هذا وذاك موقف اللاجئين أنفسهم من العودة إلى سوريا تحت حكم نظام الأسد، وفي ظل حالة الدمار التي تحاصر مدنهم ومناطقهم، دون ضمانات حقيقية تقيهم بطش النظام وتحميهم من مخاطر التصفية والملاحقة على أيدي مليشياته.

وضمن هذا السياق، تساءل موقع "لبنان 24": هل يمكن تخيل عودة النازحين إلى أرض معركة طازجة، مثقلة بالدماء والعنف والعنف المضاد، ومعلّقة المصير، وفي ظل غياب القوانين المدنية والعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، ناهيك عن إمكانية وقوع عدد من العائدين في قبضة الأمن السوري لألف ذريعة وسبب؟

وأضاف أن كل ذلك "يجعل من إشراك الأمم المتحدة كطرف رئيسي في العملية أكثر من ضرورة، لصونها من أن تكون عرضة لحرفها عن أهدافها".

والواقع أن عودة اللاجئين من الشتات إلى سوريا تصطدم أكثر من كل ذلك بأزمة نفسية عميقة، فالملايين التي أفاقت من كراها ونادت بالحرية قبل أن تقمعها آلات بشار وبوتين، تركت في أراضيها جمر الحنين، بين حبيب دفين أو أشلاء موزعة بين المدن أو أرامل و أيتام أو ذكريات قصف مروع، فكيف يعودون إلى مرابع الدموع؟

المصدر : الجزيرة + وكالات + مواقع إلكترونية