مغاربة يطلبون البكالوريا بعد الستين

حسن لحضار يحمل شهادة الباكلوريا التي حصل عليها وهو الثالثة والستين من العمر
حسن لحضار يحمل شهادة البكالوريا التي حصل عليها وهو في الثالثة والستين من العمر (الجزيرة نت)

سناء القويطي-الرباط

في بيته بحي "درب ميلان" الشعبي بالدار البيضاء، لا تزال التهاني تتقاطر على المغربي حسن لحضار بعد نيله شهادة البكالوريا ضمن المترشحين الأحرار (غير المنتظمين في المدارس).

تغلف سعادة عارمة حديث حسن عن هذه التجربة التي خاض غمارها وهو في الثالثة والستين من عمره، بعد حوالي أربعة عقود من مفارقته مقاعد الدراسة.

غادر حسن -كما يحكي للجزيرة نت- المدرسة في السبعينيات مسحورا بعالم التجارة، وعاد إليها وهو شيخ بقلب لم تغادره همة الشباب وعنفوان التحدي.

لم يبعده انغماسه في تجارة الملابس عن الاهتمام بعالم المعرفة، فهو رجل عصامي ومحب للعلم وجدي كما يصفه صديقه محمد غنامي.

غير أن الحلم باستكمال تعليمه ظل يراود خياله طيلة العقود الفائتة، إلى أن قرر هذا العام -بتشجيع من بعض أصدقائه- بعث الحياة فيه.

‪لحضار قرر العودة للدراسة والحصول على البكالوريا بعد أكثر من أربعين سنة من مغادرة المدرسة‬ (الجزيرة نت)
‪لحضار قرر العودة للدراسة والحصول على البكالوريا بعد أكثر من أربعين سنة من مغادرة المدرسة‬ (الجزيرة نت)

لا ورود في الطريق
لم يكن الطريق مفروشا بالورود أمام حسن لحضار، فبقدر الدعم الذي لاقاه من أسرته وبعض أصدقائه يقول إن أصواتا مثبطة كانت تهمس في أذنه ساخرة من قراره اجتياز امتحان البكالوريا في هذه السن.

بابتسامة لا تفتر يتذكر حسن كيف واجه كلمات المثبطين ولم يجعلها تنال من عزيمته، بل حولها إلى دافع شجعه على المضي في الطريق الذي اختاره. يصف فترة الإعداد للامتحان في هذه السن بالممتعة، فما اكتسبه من معارف وقيم خلالها هوّن الصعب وذلل العراقيل، وفق تعبيره.

يقول الشيخ الستيني متحدثا بمزاج رائق عن الكتب الأدبية التي قرأها باللغتين الفرنسية والعربية ومناهج التحليل التي استفادها والمدارس الفلسفية التي اطلع عليها خلال استعداده للامتحان، "لم أكن لأحزن إذا لم أحصل على شهادة البكالوريا بعد كل ما بذلته من جهد".

لن تكون هذه الشهادة نهاية المشوار بالنسبة لحسن بل نقطة البداية في مساره الأكاديمي، فقد قرر التسجيل في الجامعة ومتابعة الدراسة في الأدب الإنجليزي أو الفرنسي.

شيخ ممتحني البكالوريا لحسن الشاكري، وهو أب لستة أبناء وجد لخمسة أحفاد، كان قد اجتاز امتحان الشهادة الإعدادية بنجاح في سن الخامسة والستين، ليخوض هذا العام غمار البكالوريا

ستينيون آخرون
وليس حسن لحضار وحده من طلب الثانوية العامة بعد الستين، بل سار على هذه الخطى آخرون. ورغم عدم توفر إحصاءات دقيقة في وزارة التربية الوطنية حول أعمار مجتازي امتحانات الباكالوريا من غير المنتظمين في المدارس -كما أوضح مصدر من الوزارة للجزيرة نت- فإن مصادر إعلامية محلية سلطت الضوء على بعض أكبر الناجحين سنا.

من بين هؤلاء عبد العزيز السبيعي، العسكري المتقاعد الذي اجتاز امتحان البكالوريا وهو في السابعة والستين بعدما انقطع عن الدراسة نصف قرن.

السبيعي المقيم في مدينة القنيطرة (40 كيلومترا شمال الرباط) قال في لقاء مع مواقع إلكترونية مغربية إنه يرغب في متابعة دراسته الجامعية في شعبة الدراسات الإسلامية.

ولفت لحسن الشاكري ابن قرية امسمير بإقليم تنغير (حوالي 600 كلم عن الرباط) الأنظار وهو داخل قاعة الامتحان، بعمامته الأمازيغية وجلبابه التقليدي.

فهذا الشيخ الذي يبلغ من العمر 69 سنة أبى أن يدخل عقده الثامن إلا وهو يتأبط شهادة البكالوريا.

شيخ ممتحني البكالوريا لحسن الشاكري أب لستة أبناء وجد لخمسة أحفاد، أثبت أن العمر ليس عائقا في طريق تحقيق الأحلام، فاجتاز هذا المتقاعد -كما روى للجزيرة نت- امتحان الشهادة الإعدادية بنجاح وهو في الخامسة والستين، ليخوض هذا العام غمار البكالوريا.

يحكي "عمي لحسن" -كما يحب أن يُنادى- حوارا طريفا مع مدير المدرسة -وهي نفس مدرسته عندما كان طفلا- فيقول "طلبت من مدير المدرسة الوثائق اللازمة للتسجيل ضمن الأحرار لاجتياز البكالوريا، فقال لي: أين ابنك؟ قلت له: أريدها لنفسي وليس لابني، فظل مبهوتا للحظات".

‪لحسن الشاكري نجح في امتحان البكلوريا هذا العام وهو في التاسعة والستين من العمر‬  (الجزيرة نت)
‪لحسن الشاكري نجح في امتحان البكلوريا هذا العام وهو في التاسعة والستين من العمر‬  (الجزيرة نت)

إصرار وإلهام
ينحدر لحسن الشاكري من المغرب العميق (الهامش)، وقد انقطع عن الدراسة في ستينيات القرن الماضي بسبب فقر أسرته وبعد المدرسة عن قريته، إلا أنه ظل حريصا خلال تنقله للعمل بين المغرب و فرنسا على قراءة كل ما يصل إلى يديه من جرائد وكتب.

لا يقيس عمي لحسن أيام عمره بالأرقام، لذلك يعتزم دخول الجامعة ونيل شهادة البكالوريا، شعاره في هذا الطريق "اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد".

وبلهجة جادة وحازمة يؤكد على أهمية التعليم، فالعالم قرية صغيرة وكل من لا زاد له من التعليم لن يستطيع أن يفرض نفسه فيها ولن يكون لوجوده معنى، بحسب قوله.

قصة حسن لحضار ولحسن الشاكري ألهمت محيطهم وحركت لواعج الحنين للدراسة لدى العديد من أصدقائهم ومعارفهم.

وكما تقاسم الشاكري قصته مع شباب وشيوخ منطقة تنغير، يسعى حسن لحضار كذلك لوضع تجربته وما راكمه خلال فترة التحضير للبكالوريا رهن إشارة عدد من أصدقائه الذين أعربوا عن رغبتهم في اجتيازها.

ويأمل الرجلان أن تكون تجربتهم درسا لليافعين والشباب الذين غادروا مقاعد الدراسة مبكرا، عنوانه الكبير أن الأوان لم يفت وأن الأحلام تُصنع بالإرادة والإصرار.

المصدر : الجزيرة