مصير إدلب.. أردوغان وبوتين والأسد

Displaced Syrian children look out from their tents at Kelbit refugee camp, near the Syrian-Turkish border, in Idlib province, Syria January 17, 2018. Picture taken January 17, 2018. REUTERS/Osman Orsal TPX IMAGES OF THE DAY
نحو أربعة ملايين سوري يعيشون في إدلب نصفهم تقريبا من المهجرين من كافة مناطق سوريا (رويترز-أرشيف)

محمد النجار-الجزيرة نت

يقرأ محللون سوريون التصريحات الصادرة عن وزارة الدفاع الروسية مساء أمس السبت باعتبارها "تحرشات" تسخن ملف محافظة إدلب التي باتت آخر قلاع المعارضة السورية ومنطقة النفوذ التركية التي يقطنها نحو أربعة ملايين سوري.

وزارة الدفاع الروسية أصدرت تصريحا وصفته مصادر في المعارضة بـ"المفاجئ" قالت فيه إن المسلحين في مناطق خفض التصعيد بإدلب يستمرون في نشر الطائرات المسيرة قرب قاعدة حميميم الجوية في سوريا.

وتابعت الوزارة أن طائرة مسيرة أطلقها مسلحون من مناطق خاضعة لهم في ريف اللاذقية دمرت عن بعد، وادعت أن المسلحين رفضوا دخول المساعدات الإنسانية المقدمة من روسيا وسلطات دمشق.

بدورها، نفت المعارضة السورية علمها بأي طلب روسي لإدخال مساعدات إنسانية إلى مناطق سيطرتها، واعتبرت أن تصريح وزارة الدفاع الروسية "لا أساس له من الصحة".

لكن مراقبين اعتبروا التصريح بمثابة إنذار روسي يشي بأن أنظار موسكو ونظام بشار الأسد ربما بدأت تتجه نحو إدلب التي تعتبر آخر وربما أهم قلاع المعارضة السورية.

كفريا والفوعة ودرعا
وما عزز هذا الاعتقاد -برأي مراقبين- استعجال موسكو استكمال تنفيذ اتفاق تهجير بلدتي كفريا والفوعة اللتين شكلتا آخر مناطق سيطرة النظام في إدلب وريفها على وقع السيطرة المتسارعة للنظام وحلفائه على محافظتي درعا والقنيطرة.

غير أن محللين ومراقبين يرون أن مصير إدلب معقد أكثر مما شهدته مناطق حلب والغوطة الشرقية، ومن بعدها الجنوب السوري الذي عاد إلى سيطرة النظام بعد ست سنوات من سيطرة قوات المعارضة.

مصير إدلب

وتعقيدات مصير إدلب تكمن في جوانب عدة، أبرزها:

1) العدد الكبير من قاطنيها والمقدر بنحو أربعة ملايين، نصفهم تقريبا ممن هجروا إليها من بقية محافظات سوريا، وهو ما سيجعل تكلفة أي عملية عسكرية على المحافظة باهظا جدا من الناحية الإنسانية.

2) وقوعها ضمن منطقة النفوذ التركية، ولا سيما أن تركيا طرف رئيس في مفاوضات أستانا، وما تتمتع به أنقرة وموسكو من علاقات وتفاهمات بات خبراء يضعونها في الإطار الإستراتيجي بين البلدين.

3) المساحة الشاسعة لإدلب وتعقيدات شن عملية عسكرية واسعة عليها ستكونان مكلفتين للنظام السوري وحلفائه، وتمتع المعارضة هناك بوجود قوات كبيرة وسلاح ثقيل عززه انتقال آلاف المسلحين إليها من مناطق سيطرتها السابقة.

أردوغان وبوتين
ويبدو أن أنقرة قد استشعرت الخطر الذي يحيق بإدلب مبكرا، فقبل أسبوع اتصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنظيره الروسي فلاديمير بوتين وركز على وضع إدلب، حيث أكد أردوغان لبوتين أن "تقدم قوات النظام نحو محافظة إدلب بطريقة مماثلة لما جرى في درعا يعني تدمير جوهر اتفاق أستانا".

في الأثناء، تتحدث مصادر سورية عن أن تركيا عقدت ولا تزال محادثات مكثفة مع أطراف المعارضة السورية السياسية والعسكرية لمحاولة التوصل إلى صيغة اتفاق يجنب إدلب أي عملية عسكرية روسية.

المصادر ذاتها قالت إن تركيا تريد أن تضمن حلا سياسيا ودبلوماسيا لا عسكريا لإدلب، وأنها إضافة إلى أهمية المنطقة إستراتيجيا لها فإن مصير أربعة ملايين مهجر فيها يقلق أنقرة التي تستضيف نحو ثلاثة ملايين سوري بين لاجئ ومقيم على أراضيها.

ويبدو أن مصير إدلب سيظل ملفا ساخنا في الاتصالات الروسية التركية، وسيكون ربما ملفا أساسيا في مباحثات أستانا التي ستعقد جولتها الجديدة في سوتشي الروسية نهاية الشهر الجاري.

غير أن هناك من المحللين من يرون أن العلاقات الروسية التركية باتت أمام اختبار حقيقي في ظل احتمالات صدام المصالح بينهما.

شماعة النصرة
موسكو تحدثت ولا تزال عن ضرورة طرد من تصفهم بـ"الإرهابيين" من إدلب، في إشارة إلى مسحلي هيئة تحرير الشام (النصرة سابقا) الذين يتمتعون بنفوذ واسع في معقل المعارضة الأخير، في حين تؤكد أنقرة أنها تعمل على تنظيم القضايا الأمنية والمعيشية وتتعهد بإعادة إعمار المناطق الخاضعة لنفوذها وفق اتفاق أستانا.

وما يعزز الاعتقاد بأن موسكو ماضية في تفكيك مناطق خفض التصعيد هو ما فعلته من شن عمليات عسكرية انتهت بسيطرتها على حلب ثم الغوطة الشرقية، وصولا إلى الجنوب السوري بعد أن عقدت تفاهمات مع الولايات المتحدة والأردن وإسرائيل انتهت بوصول قوات النظام إلى حدودها الجنوبية للمرة الأولى منذ ستة أعوام.

وفي هذا الإطار، يرى الخبير العسكري والإستراتيجي السوري عبد الله الأسعد أن ما يجري حاليا هو محاولات تركية روسية للوصول إلى تفاهمات بشأن مصير إدلب دون اللجوء لأي حلول عسكرية.

الأسعد قال للجزيرة نت عبر الهاتف من تركيا أن إستراتيجية روسيا باتت واضحة، وهي إعادة النظام إلى كل المناطق التي فقدها خلال الثورة السورية، بعد أن غير التدخل الروسي الخريطة من سيطرة المعارضة على معظم مناطق سوريا لتصبح الغلبة لنظام الأسد اليوم.

روسيا وليس الأسد
وبرأي الأسعد، فإن مصير إدلب تحدده روسيا فقط وليس النظام السوري "الذي لا يمكن لقواته أن تنفذ عملية واسعة في إدلب نظرا لظروف التعقيدات الجغرافية والعدد الكبير من السكان عوضا عن القوة التي تتمتع بها المعارضة".

ويذهب الأسعد إلى اعتبار أن النظام وروسيا سيسعيان إلى إعلان التوصل لاتفاقات مع فصائل معارضة يقودها من وصفهم بـ"المخترقين لصفوف الثورة"، وأن موسكو وقوات الأسد ستسعيان إلى حشد القوات حول إدلب ومناطق نفوذ المعارضة لممارسة الضغط على تركيا والمعارضة المسلحة لتنفيذ اتفاق يرضي موسكو.

ولا يستبعد الخبير الإستراتيجي والعسكري حدوث تفاهمات دولية تجنب إدلب كارثة إنسانية كبيرة، معتبرا أن هذه الجهود في حال نجحت ستمكن تركيا من إبقاء نفوذها في الشمال السوري.

لكن الأسعد يستبعد أن تؤدي التفاهمات إلى أي علاقات بين أنقرة في ظل حكم أردوغان ونظام الأسد.

وبرأيه، فإن الحل سيظل رهينة التفاهمات الروسية التركية "وبغير ذلك فإن إدلب ستواجه كارثة ربما تكون الأكبر في سوريا منذ عام 2011".

وبعيدا عن محادثات العسكريين والسوريين يبدو مصير أربعة ملايين سوري جمعوا من كافة الجغرافيا السورية معلقا في مصير تفاهمات ليس للسوريين قرار فيها بعد أن باتت بلادهم رهينة لدى وكلاء النظام والمعارضة على حد سواء.

المصدر : الجزيرة + وكالات + الصحافة التركية