تلوث مياه الري.. كارثة تطرق الأبواب في مصر

استنكار لتجاهل تزايد عمليات تفريغ مياه الصرف الصحي بالترع المخصصة لسقي الأراضي الزراعية صورة متداولة بمواقع التواصل الاجتماعي لبعض عمليات التفريغ
تفريغ مياه الصرف الصحي بالترع يؤدي لانتقال أمراض خطيرة (مواقع التواصل)

عبد الرحمن محمد-القاهرة

تزايدت عمليات تفريغ مياه الصرف الصحي بالترع والمصارف التي يعتمد عليها فلاحو مصر في ري أراضيهم الزراعية بشكل واسع خلال الآونة الأخيرة، مما استدعى استنكار مراقبين وخبراء لتجاهل المسؤولين العمل على تدارك هذا الأمر رغم خطورته وتداعياته الكارثية على صحة المستهلكين.

وباتت كثير من الترع الرئيسية في العديد من المحافظات مصبا دوريا لصرف القرى المجاور لها المحرومة من شبكات الصرف الصحي، وفي مقدمتها ترعة المريوطية بالجيزة وترعة الصعايدة بكفر الشيخ وترعة كفر نكلا بالبحيرة.

وحسب مراقبين، فإن تجاهل الحكومة العمل على حل المشكلة وتوفير مصبات مناسبة لصرف هذه القرى -إضافة إلى انخفاض مستوى مياه تلك الترع- عزز جرأة مواطنين وجهات حكومية على تفريغ مياه الصرف بتلك الترع في وضح النهار ليصل الأمر إلى حد صب مصارف للصرف الصحي غير المعالج في نهر النيل.

كما أفادت بيانات رسمية بأن المئات من القرى التي ليس بها شبكات صرف صحي تم إدراجها منذ أكثر من عشر سنوات ضمن المشروع القومي لإنشاء شبكات وروافع صرف صحي، لكن عدد القرى التي حظيت بمد تلك الشبكات لا تتجاوز العشرات حسب مراقبين.

وبين الحين والآخر، يقدم نواب بمجلس الشعب طلبات إحاطة حول قيام صهاريج النضح بتفريغ حمولاتها في ترع بعدد من المحافظات، وأخرى تتساءل عن عدم استكمال مشروعات الصرف الصحي بقرى ومراكز تابعة لدوائرهم دون نتائج إيجابية.

وتتواتر شهادات مزارعين ومواطنين بقرى ونجوع على غياب الرقابة والمتابعة من قبل أقسام البيئة بالوحدات المحلية، وكذلك انعدام المتابعة من جانب مفتشي وموظفي مديرية الري وإداراتها المختلفة لغالبية الترع والمصارف مما يجعلها مستنقعات للصرف الصحي.

تعويض النقص
وفي هذا السياق، يربط عمر الحداد مدرس الهندسة الكيميائية والمتخصص بمعالجة المياه، بين تفاقم أزمة تفريغ مياه الصرف في الترع وبين افتقاد القرى لشبكات الصرف الصحي الذي يجعل مصر في عداد الدول الأكثر تخلفا، كما يراه يؤشر إلى استخدام مياه الصرف لتعويض نقص مياه الترع التي تستخدم في الري.

ويشير -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن السلطات تفتقد الإرادة الجادة لمنع هذه الكارثة، وتتراخى في ذلك رغم سهولة الأمر، مرجعا ذلك إلى ما أسلف ذكره من الاعتماد على مياه الصرف لتعويض نقص مياه النيل.

ويرى الخبير بمعالجة المياه أن الأسلوب الأقل كلفة أمام الدولة هو اعتماد المعالجة الثلاثية لمياه الصرف ثم خلطها بماء النهر الجاري، لافتا إلى أن هذه الوسيلة رغم بساطتها وقلة تكلفتها لم تكن محل اهتمام الدولة المصرية في أوقات كانت اقتصاديا أفضل بكثير من وضعها الحالي.

ولفت الحداد إلى أن الرئيس عبد الفتاح السيسي سبق أن وعد ببناء محطات معالجة ثلاثية، إلا أن الواضح –حسب قوله- تراجعه عن ذلك، محذرا من "كارثية" استمرار إلقاء مياه الصرف في الترع مباشرة، حيث ستصبح مياه الترع مراكز للإصابة بالأمراض، ومع تكرار ري الأراضي الزراعية منها ستفقد قدرتها على الإنتاج.

بدوره، يشير رمضان محمد الباحث بمركز البحوث الزراعية، إلى أن الأزمة ليست جديدة، وإنما الرصد المكثف لها مع انتشار الهواتف الذكية وارتفاع نسبة الوعي الشعبي والحديث الدائم عن الأمراض المتوطنة، وهو ما يجعل الأمر في بؤرة الاهتمام في الآونة الأخيرة.

ويوضح -في حديثه للجزيرة نت- أن ما كان معمولا به هو خلط مياه الصرف الزراعي (المياه الزائدة بعد ري الأرضي الزراعية) بمياه الري وذبك بهدف إعادة تدويرها بما تحمله من عناصر غذائية، ولكن نتيجة عدم وجود شبكات صرف صحي مع غياب خطط للاستفادة من مياه الصرف دفعت إلى تصريفها في الترع.

الحكومة تتجاهل تزايد عمليات تفريغ مياه الصرف الصحي بالترع المخصصة
الحكومة تتجاهل تزايد عمليات تفريغ مياه الصرف الصحي بالترع المخصصة

آثار الكارثة
ويعدد الباحث الزراعي -ضمن الآثار السلبية- ارتفاع تلوث التربة بالعناصر التي تؤدي لتدهور خصائصها وقتل الكائنات الدقيقة النافعة فيها وانتقال بعض المواد الكيميائية إلى داخل النبات مما يؤدي لإصابة الإنسان بكثير من الأمراض أكثرها الفشل الكلوي والالتهاب الكبدي والسرطان، وهو ما يفسر انتشار هذه الأمراض بين المصريين مؤخرا.

ويشير إلى أنه سبق أن قدمت مشاريع لاستخدام مياه الصرف الصحي في زراعة بعض الأشجار غير المثمرة بغرض إنتاج الأخشاب، أو زراعة نباتات ذات ثمار غير مأكولة يمكن استخدامها في إنتاج الوقود الحيوي مثل الجيتروفا، لكنها ذهبت أدراج الرياح كغيرها من المشاريع.

بدوره، يكشف الإعلامي المتخصص بالشأن الزراعي جلال جادو -في هذا السياق- أن أكثر من ستة آلاف قرية بريف مصر ولواحقها من النجوع والعزب تفتقر إلى وجود شبكات الصرف الصحي، الأمر الذي يجعل الترع أحد مسارات التخلص من الصرف منذ القديم.

ويضيف أن طريقة تعامل السلطات الحالية مع قضية سد النهضة دفعت إلى التوسع في استخدام مياه الصرف في الري بسبب النقص الحاد في مصادر المياه النيلية التي باتت لا تصل لأغلب الترع الكبرى، ومن ثم شبكات الري الفرعية مما يدفع الفلاح لري أرضه بما يتيسر من أي مياه.

وذهب جادو -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن تآكل إمكانيات السلطات مع الزمن، وانتشار الفساد في المحليات وغيرها من المؤسسات المعنية بالتعامل مع هذا الملف تزيد من صعوبة المعالجة، لافتا إلى أن الكثير من الفلاحين لا يأكلون محاصيل أراضيهم، ويزرعون للبيع وحسب.

المصدر : الجزيرة