عام على حصار قطر.. كيف بدأ ولماذا فشل؟

Qatar - قطر - دوحة - الدوحة
خلال عام الحصار ازدهرت الصناعات المحلية في قطر ونوّعت الدوحة شبكة علاقاتها وتحالفاتها الخارجية (غيتي)

أمين محمد حبلا-الجزيرة نت

مضى عام بأيامه الطوال وأحداثه المثيرة التي بدأت مع قرصنة موقع وكالة الأنباء القطرية، وتسارعت الأحداث لتدخل في المنعطف الأهم بعد فرض أربع دول شقيقة حصارا سياسيا واقتصاديا على دولة قطر.

وخلال عام الحصار الطويل استمرت لعبة شد الحبل، ولم تتحقق أهداف الرباعي المحاصر، ولم تضعف أيضا عزيمة المحاصَرين في قطر، بل أكثر من ذلك تحولت كرة الحصار إلى لهب تتقاذفه العواصم والمواقف المحلية والعالمية؛ هذا ما تقوله شواهد عام كان الأطول والأكثر إثارة في العلاقة بين دول الخليج وشعوبه.

قرصنة في جنح الليل
كانت البداية قرصنة إلكترونية فجر يوم 23 مايو/أيار 2017، حيث تم التحكم في موقع وكالة الأنباء القطرية، ونشر تصريحات ملفقة منسوبة لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ولم يتأخر رد الدوحة التي وصفت تلك الادعاءات بالكاذبة.

تتسارع الأحداث مستقية من سجل تاريخ التدخل السعودي والإماراتي في الشأن القطري أساسا لإطلاق أزمة لم تجد شرارة منطقية للاشتعال، سوى تخمين دول الحصار أن الفرصة مواتية بحكم العلاقة مع الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب وبعض المحطين به والمقربين منه.

وبعد أيام من حادثة القرصنة، أعلنت السعودية والبحرين والإمارات ومصر في 5 يونيو/حزيران 2017 قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، وطلبت من الدبلوماسيين القطريين مغادرة أراضيها، وزادت بإغلاق المجالات الجوية والبرية والبحرية مع قطر، ضمن مسعى كان الرباعي يتوقع منه انهيارا للنظام السياسي في الدوحة.. لكن الظن لم يغن من الواقع السياسي والاقتصادي في الدوحة شيئا.

لم تتقبل الشعوب الخليجية الحصار بترحيب، ومن أجل ذلك قررت دول الحصار تجريم التعاطف مع قطر، وحددت الإمارات غرامة تبلغ خمسمئة ألف درهم مع السجن النافذ لمدة 15 عاما لمن يعلن عن أي موقف تضامني مع الدوحة.

وفي السعودية، كان الدعاء بالتوفيق والصلح بين جيران الحصار جريمة استوجبت رمي الشيخ سلمان العودة وآخرين في غيابات السجون.

ولأن أمر الحصار قد أبرم بليل طويل وكان قرار محددا يستهدف قطر، وجدت دوله نفسها مرغمة على البحث عن سند مطلبي ليكون بوابة للتفاوض، فكشفت بعد طول انتظار وترقب قائمة تتألف من 13 مطلبا، من بينها:

– إغلاق القاعدة العسكرية التركية التي أنشأت بعد الحصار أصلا، ووقف أي تعاون عسكري مع تركيا داخل قطر.

– قطعُ العلاقات مع ما وصفتها بالتنظيمات "الإرهابية" والطائفية كافة؛ وتسليمُ العناصر "الإرهابية" المطلوبة لدى دول الحصار، أو المدرجة بالقوائم الأميركية والدولية.

– خفض التمثيل الدبلوماسي مع إيران، رغم أن العلاقات التجارية بين الإمارات وإيران تفوق مثيلتها مع قطر أضعافا مضاعفة.

– إغلاق شبكة الجزيرة وكل المواقع التي ادعت دول الحصار أن قطر تدعمها.

في المقابل، رأت الدوحة في المطالب اعتداء على سيادتها لا يقل عن إعلان الحصار، فأحالتها بسرعة إلى ملف المهملات السياسية، داعية الأطراف إلى فتح صحفة جديدة للحوار تنتهي حدودها عند حدود السيادة الوطنية.

ولأن المطالب لم تكن بمستوى الجدية اللائق بالحصار، أحالتها دول الحصار إلى خانة الإلغاء ورفعت سقف التهديد من جديد.

في مواجهة الحصار
على ضفتي الحصار تحركت قدرات الفريقين، عملت قطر على ترميم المنافذ السياسية والعسكرية والاقتصادية والإعلامية للحصار، فيما عملت دول الحصار على الرفع من سقف المضايقات السياسية والأمنية ضد قطر دولة ومواطنين، لتتقطع بذلك أرحام الخليج وأواصر التاريخ وقيم السياسية والدبلوماسية.

ويمكن القول إن قطر استطاعت كسر الخطاب السياسي للحصار، حيث تراجعت قوته بشكل كبير، وتراجع الدعم الأميركي له، كما نجحت الدبلوماسية القطرية في كسب مواقف أغلب الدول الأوروبية والأفريقية إلى صالحها، وأثمر ذلك تراجع بعض الدول (السنغال وتشاد) عن قطع علاقاتها مع الدوحة.

في المقابل لا يزال الحصار مستندا على دعم إسرائيلي خاص، لا يبدو بعيدا عن مقتضيات صفقة القرن التي يعتبر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عرابها الأبرز، وربما تكلف بلاده مليارات كثيرة.

وعلى الصعيد العسكري، عززت قطر ترسانتها الدفاعية، كما ارتبطت باتفاقيات للدفاع المشترك مع بعض دول المنطقة مثل تركيا، وعقدت صفقات تسليح مع دول عديدة منها أميركا وروسيا، من أبرزها صفقة أس 400 الصاروخية الروسية التي أثارت ذعرا ما زال متواصلا لدى الجار القريب (السعودية).

ينضاف إلى ذلك تآكل الخطاب الإعلامي لدول الحصار، وذلك مع فيضان التسريبات التي تكشف كل يوم ما يصفه البعض بالوجه غير الأخلاقي للحصار، وجزء كبير من خيوط مؤامرة الحصار، وهي التسريبات التي جعلت بعض حكام دول الحصار أكثر عريا سياسيا أمام شعوبهم.

وفي السياق الاقتصادي، استطاعت قطر مقاربة الاكتفاء الذاتي وكسرت الحصار الاقتصادي وحققت نجاحات دولية في مجالات الطاقة، هذا زيادة على اكتشاف أسواق بديلة، وتحريك فعالية الاقتصاد الزراعي المحلي، لتحطم بذلك تحليلات خبراء "المعدة القطرية".

ففي شهر أبريل/نيسان الماضي، أعلن وزير الطاقة والصناعة القطري محمد بن صالح السادة أن طاقة قطاع الصناعات الغذائية زادت أكثر من 300% في ثمانية أشهر من بداية الحصار.

وتشير أحدث البيانات الرسمية إلى ارتفاع الفائض التجاري لقطر بنسبة 49.3% في أبريل/نيسان الماضي عنه قبل عام، مسجلا ما قيمته 14.7 مليار ريال (4 مليارات دولار).

لكن تيار الحصار لا يزال متمسكا بالورقة الأكثر إيلاما للقطريين، وهي التضييق عليهم في أداء شعائر دينهم والحيلولة دون أدائهم مناسك الحج والعمرة، ضاربا بذلك قداسة البيت وحق المسلمين في عرض حائط طويل من الاحتقار لخيارات شعوب الخليج.

ورغم أن قطر تؤكد أنها "بألف خير بدون دول الحصار" كما ذكر أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في خطاب له في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، يبدو أن الجوانب الإنسانية -وخصوصا ما يتعلق بتفريق الأسر وتقطيع الأرحام- تبدو مثيرة لأسف القطريين في هذه الأزمة.

حلف الحصار
بدأت المرحلة الثانية من الحصار بعد الرد القطري الذي اعتبره الرباعي غير كاف، وبموجب ذلك تم إلغاء المطالب وتوعدت عواصم الحصار بمزيد من التضييق على الدوحة، فيما جاء أصوات أخرى من أوروبا تدعو إلى حوار لا ينتقص من سيادة قطر، وتستبعد في الوقت ذاته الخيار العسكري لتدبير أزمة الحصار، ومن أبرز تلك الدعوات ما صدر عن وزير الخارجية الألماني السابق، وعن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

وعلى الصعيد الآخر، حاولت دول الحصار توسيع حلفها المناهض لقطر ترغيبا وترهيبا؛ حيث أعلنت دول أفريقية قطع أو تخفيض علاقاتها مع قطر، قبل أن يتراجع بعضها عن ذلك لاحقا (السنغال وتشاد)، فيما كان تركيز الرباعي أساسا على الولايات المتحدة الأميركية التي راوحت بين موقفين: أولهما عبر عنه الرئيس ترامب في بداية الأزمة ودعا قطر إلى وقف تمويل الإرهاب فيما اعتبر إدانة ضمنية لمواقف الدوحة، قبل أن يظهر موقف آخر عبر عنه وزيرا الخارجية وقتئذ ريكس تيلرسون ووزير الدفاع جيمس ماتيس، يثني على قطر تارة ويعلن عن ضرورة حماية وحدة الخليج من أجل هزيمة الإرهاب تارة أخرى، وبدا للمراقب أن الموقف الأميركي لا يصدر عن قلب رجل واحد.

ومع الزمن والتحركات القطرية المؤثرة، بدا ترامب في النهاية أقل انحيازا إلى الرباعي مما كان عليه، وأكثر دعوة إلى حل توافقي بين أشقاء الخليج، وتعززت هذه الانعطافة الأكثر عقلانية بدعوة وزير الخارجية المعين قبل أسابيع مارك بومبيو، الإمارات والسعودية إلى إنهاء الأزمة.

أما الطرفان البحريني والمصري فلا أحد يذكرهما في هذا السياق، رغم حرصهما الدائم على التذكير بأنهما ضمن فريق الحصار.

آفاق الحصار
وفيما يلفظ الحصار بعد عام أنفاسه السياسية ويترنح على حطام أحلامه العسكرية والأمنية، بعد أن سقط شعبيا في ساعاته الأولى؛ يحق التساؤل عن آفاقه المفترضة وإلى أين ستتجه زوارق الحصار في بحر الأزمة الخليجية، خصوصا أنه لم يحقق أهدافه في خلخلة الإجماع القطري حول قيادته ومواقفها، بل أكثر من ذلك بات القطريون أكثر تماسكا حول قيادتهم وأكثر قدرة على المواجهة والمناورة، كما فقد الحصار إلى حد كبير السند الأميركي الذي عول عليه قبيل الأزمة وفي بداياتها.

وعلى مستوى مطالب دول الحصار (13 مطلبا)، تصر قطر على رفض ما يمس السيادة أو يمثل تدخلا في الشؤون الداخلية، بينما تؤكد استعدادها للتفاوض حول هواجس دول الحصار.

وتبقى الآفاق المجهولة للأزمة الخليجية مرشحة لاحتمالات أبرزها:

– خيار التصعيد أكثر مما هو كائن: وهو خيار يدفع إليه مستوى التهور السياسي في المنطقة، ولكن تمنعه شواهد الواقع وأزمات المنطقة والإخفاقات الماثلة في اليمن وليبيا، وخزائن استنفدتها صفقات القرن وأخواتها ورشى خبراء التحريض.

– استمرار الأوضاع على ما هي عليه: وهو خيار تدفع له دول الحصار في ظل عجزها عن رفع سقف التصعيد إلى ما يحقق طموحها، وعدم استعدادها -الذي عبرت عنه في كثير من المواقف- للنزول من فوق شجرة الحصار، ولكن التطورات الجارية في المنطقة ومنها الضغوط التي تقوم بها الولايات المتحدة على إيران، تجعل من بقاء الأزمة واستمرارها على هذا النحو أمرا مستبعدا.

– انكسار شوكة الحصار: والدخول في مفاوضات بين الأطراف المعنية بالملف سعيا إلى الوصول إلى تفاهمات تنهي أطول أزمة خليجية منذ عقود. ومع أن هذا الخيار لا يبدو متوقعا في ظل حالة التصلب التي تعيشها دول الحصار، رغم أنها تتآكل سياسيا وأمنيا من داخل موغل في الاحتقان، خصوصا مع التصريحات التي تأتي من بعض المتحدثين باسمها ومنهم وزير خارجية البحرين الذي صرح قبل أيام أن لا حل في الأفق؛ فإن المساعي الأميركية الضاغطة من أجل حل ينهي الأزمة يتوقع أن تنجح في عقد لقاء خليجي في سبتمبر/أيلول القادم بالولايات المتحدة.

ومن شأن انعقاد هذا اللقاء أن يهدئ من غلواء الأزمة، وقد ينجح أبعد من ذلك في إعادة التواصل وربما التبادل الدبلوماسي، ولكن حتى لو تم ذلك فمن المرجح أيضا أن تحتاج المنطقة سنوات لردم الآثار النفسية والاجتماعية لأقسى أزمة عرفتها عبر تاريخها.

وعلى رأس عام الحصار الجديد، يواصل القطريون حياتهم الطبيعية لا ينغصها سوى اسم الحصار ومنعهم من أداء الشعائر الدينية، في حين أن على ضفة الخليج الأخرى أزمات تتفاقم، وسطوة تتآكل، وحصار لم يبق منه غير اسم دون مسمى.

المصدر : الجزيرة + وكالات + مواقع إلكترونية