"الذباب الإلكتروني" ووزيره.. هكذا أشعلا الأزمة الخليجية

محمد النجار-الجزيرة نت

بعد عام على اندلاع الأزمة الخليجية يبدو أن مهمة مجموعات "الذباب الإلكتروني" كانت الأبرز في صناعتها وتسويقها وتحويلها من أزمة بين الحكومات إلى أزمة طالت كل المحرمات الخليجية، والأخطر أن ذلك تم -وفقا لمعلومات ووثائق- بإدارة رسمية سعودية إماراتية.

وبات مصطلح "الذباب الإلكتروني" مقترنا بالأزمة التي تطورت إلى فرض السعودية والإمارات ومصر والبحرين حصارا على دولة قطر في الخامس من يونيو/حزيران 2017.

 
ما هو الذباب الإلكتروني؟
يطلق "الذباب الإلكتروني" على الحسابات الوهمية على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة تويتر الأكثر انتشارا في الخليج، وتدار بشكل آلي من قبل مبرمجين مرتبطين بأجهزة حكومية وأمنية في دول الحصار. 
ونشرت هذه الحسابات مئات آلاف التغريدات تأييدا لوجهة نظر دول الحصار، ونشرا لأخبار مفبركة وإشاعات وصلت حد النيل من المحرمات الخليجية، ولا سيما التطاول على الأعراض، في نهج بدا مفاجئا لمجتمعات معروفة بمحافظتها الشديدة.

روبوت الويب
ولتسليط الضوء أكثر فإن هذه الحسابات تدار عبر "روبوت الويب" أو (BOTS) الذي يقوم بمهام متكررة وتلقائية عبر برمجة تنتهي لوضع عمليات إعجاب أو إعادة تغريد أو تعليق على تغريدات أو لحسابات بعينها في نمط من النشر الغزير يؤدي لنشر وسوم "هاشتاغات" بشكل كبير يجعلها تنافس في قوائم الترند العالمية أو تصدر الترند في الدول المستهدفة.
 

وخلال أزمة حصار قطر تمكن متخصصون من الكشف عن حسابات تدار عبر البوت تبين أنها تشترك في التغريد على نفس القضايا والوسوم، كما تشترك بذات القوائم من المتابعين الذين يحملون أسماء عائلات سعودية ويضعون صور لقادة أو أعلام، لكنهم يشتركون جميعا في قوائم متابعين تحتوي على عدد كبير من أصحاب الأسماء الروسية والأوكرانية التي يتبين عند الدخول إليها أنها حسابات مهمتها الوحيدة رفع معدل التفاعل.

 
لجان وجيوش وذباب
يطلق "الذباب الإلكتروني" على الحسابات الوهمية على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة تويتر الأكثر انتشارا في الخليج، وتدار بشكل آلي من قبل مبرمجين مرتبطين بأجهزة حكومية وأمنية في دول الحصار

وحرب التغريدات التي تتقنها جيوش "الذباب الإلكتروني" في دول الخليج عرفتها دول عربية باسم "اللجان الإلكترونية" الناشطة في مصر، أو "الجيش السوري الإلكتروني" الذي أنشأه النظام السوري، ولا تعمل هذه كلها على إغراق مواقع التواصل بما تريده الأنظمة وأجهزتها فحسب، بل تقوم فرق المبرمجين والهكر داخلها باختراق حسابات وإيميلات وهواتف.

 
صناعة الرأي العام
لكن الوظيفة الأساسية لهذه الحسابات ظلت في نشر وإعادة نشر تغريدات في العالم الافتراضي لتصبح وكأنها رأي عام لمستخدمين يبدون وكأنهم مجمعون على رأي واحد، مما يقحم مغردين طبيعيين في معركة الجدل ليساهموا دون وعي أغلبيتهم في رفع معدلات التفاعل لوسوم وتغريدات تحقق هدفا أراده صاحب التغريدة أو الوسم الأول.

من الإجماع للانقسام

كشفت وثائق نشرها موقع "ويكيليكس" عن تواصل القحطاني عام 2012 مع شركة تجسس إيطالية اشترى منها برامج تجسس مع مفاتيح تشفيرها، إضافة إلى عضويته النشطة في مواقع الاختراق المخصصة لبيع خدمات المخترقين

واللافت أن الانقسام الخليجي لم يعد انقساما سياسيا كما ظهر في بداية الأزمة، بل تحول إلى انقسام طال السياسة والاقتصاد والدين والمقدسات والرياضة، لدرجة دفعت متخصصين إلى اعتبار أن آثاره ستمتد لسنوات طويلة وستؤثر على وحدة الرأي العام الخليجي من قضايا مصيرية لم يعد مجمعا عليها.

 
فقد ظهرت آثار الأزمة الخليجية في مواقف الرأي العام من استمرار مجلس التعاون الخليجي الذي يعتبر أنجح تجربة وحدة عربية صامدة منذ نحو أربعة عقود، إضافة للمواقف من قضايا مصيرية كالعلاقة مع إسرائيل ومساندة الشعوب في فلسطين وسوريا وغيرها، حيث عمل "الذباب الإلكتروني" على إذكاء الخلاف بشأن هذه القضايا كلها ليبدو الرأي العام الخليجي منقسما ومشتتا بشكل غير مسبوق.
 
وزير الذباب
ولا يذكر الذباب الإلكتروني إلا ويقترن معه اسم الوزير في الديوان الملكي السعودي سعود القحطاني الذي كشفت معلومات ووثائق عديدة عن إدارته مجموعات من الهكر والمبرمجين الذين كانت مهمتهم صناعة رأي عام مؤيد لوجهة نظر دول الحصار.
 

وإضافة إلى دوره الذي وصفه رئيس التحرير السابق لصحيفة الوئام السعودية تركي الروقي قبل الأزمة الخليجية مطلع عام 2017 بـ"وزير الإعلام الخفي" ليحمل منذ اندلاع الأزمة لقبا جديدا تمثل بـ"وزير الذباب الإلكتروني".

 
وقصة القحطاني -الذي يعتبر مع الوزير تركي آل الشيخ بمثابة جناحي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان– مع الاختراق ليست جديدة ولم تنشأ مع الأزمة الخليجية.
 
تجسس دليم
فقبل أشهر قليلة كشفت حسابات سعودية عما سمتها "فضيحة تجسس" القحطاني الذي اعتاد منتقدوه على إطلاق لقب "دليم" (مصطلح خليجي يطلق على الخادم الذي يقوم بالأعمال الدنيئة) عليه.
 

فقد كشفت وثائق نشرها موقع "ويكيليكس" عن تواصل القحطاني عام 2012 مع شركة تجسس إيطالية اشترى منها برامج تجسس مع مفاتيح تشفيرها، إضافة إلى عضويته النشطة في مواقع الاختراق المخصصة لبيع خدمات المخترقين. 

 

رغم حرص القحطاني على إخفاء هويته فإن تعرض شركة "هاكينغ تيم" (hacking team) للاختراق عام 2016 ونشر جميع مراسلاتها أظهرا علاقته بالشركة التي تنوعت بين طلبه اختراق إيميلات وحسابات ومساعدته على تسجيل أصوات مقابل مبالغ مالية كبيرة جعلت معلقين من الهكر يعتقدون أن لديه آبارا من النفط

وكشفت الوثائق طلب القحطاني خدمات لاختراق حسابات معارضين سعوديين والتجسس على هواتفهم وأجهزتهم المحمولة مقابل مبالغ مالية ضخمة أدت إلى حصوله على عدة ألقاب في عالم المخترقين، أبرزها (المتبرع الأكبر) كناية عن صرفه المبالغ فيه على المخترقين.

 
كما كشفت حسابات سعودية عديدة عن اشتراك القحطاني منذ عام 2009 في موقع "هاكفورمز" (hackforums) المتخصص في التهكير.
 
ورغم حرص القحطاني على إخفاء هويته فإن تعرض شركة "هاكينغ تيم" (hacking team) للاختراق عام 2016 ونشر جميع مراسلاتها أظهرا علاقته بالشركة التي تنوعت بين طلبه اختراق إيميلات وحسابات ومساعدته على تسجيل أصوات مقابل مبالغ مالية كبيرة جعلت معلقين من الهكر يعتقدون أن لديه آبارا من النفط.
 
وبينما تستعد الأزمة الخليجية لدخول عامها الثاني يستمر دور الذباب الإلكتروني في تأجيج الأزمة وإطالة أمدها، وهو ما يعكس رغبة أطراف تعتاش على الأزمة وتسعى لتعميقها عبر ضرب كل جذور وحدة المجتمع الخليجي الذي يبدو أن طنين الذباب لم يفلح حتى اليوم بتحويلها إلى مجتمعات متناحرة.
المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية + مواقع التواصل الاجتماعي