رغم سنوات النكبة.. أمل العودة باق

عاطف دغلس ـ نابلس

"أنا من كفر عانا قضاء الرملة وأقطن قسريا في مخيم بلاطة للاجئين (قرب نابلس)، وسأعود لبلدي رغم أنف الاحتلال، فنحن باقون وإسرائيل ستزول".. بهذه الكلمات صدح صوت الفلسطيني إبراهيم شرايعة (72 عاما) وهو يروي حكاية نكبته.

توالت النكبات على الفلسطينيين هذا العام أكثر من غيره، سواء بالذكرى السبعين للنكبة أو بمجازر الاحتلال في غزة ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، وهو ما دعا الفلسطينيين الذين أعلنوا الثلاثاء إضرابا شاملا في كل المناطق للتظاهر رفضا للممارسات الأميركية والإسرائيلية.

وإلى دوار الشهداء وسط نابلس كبرى مدن الضفة الغربية، حضر شرايعة قادما من مخيم بلاطة ليشارك في مسيرة العودة التي أطلقتها اللجنة الوطنية العليا لعودة اللاجئين بعد ظهر الثلاثاء، ويلقي على مسامع المواطنين الذين تحلقوا حوله قصة نكبته ولجوئه.

‪كبار السن كانوا في مقدمة قطار العودة للمشاركة في مسيرة العودة وهم يرتدون الزي الفلسطيني التقليدي‬ (الجزيرة)
‪كبار السن كانوا في مقدمة قطار العودة للمشاركة في مسيرة العودة وهم يرتدون الزي الفلسطيني التقليدي‬ (الجزيرة)

حق لا يسقط
يتكئ إبراهيم شرايعة الذي عمل معلما لنحو أربعة عقود في مخيمات اللاجئين بالضفة؛ على عصاه الخشبية وهو يسرد روايته لعموم الحاضرين، لا سيما اللاجئين أمثاله من المخيمات الثلاثة في المدينة (بلاطة وعسكر والعين)، بينما تزاحم المواطنون لسماعه والتقاط صور له وتسجيل مقاطع فيديو عبر هواتفهم الجوالة.

كانت الكلمات تتقاطر تباعا من فم الحاج إبراهيم غير آبه ببحة في صوته الذي يعلو تارة ويخفت أخرى.. يحمل الرجل أيضا اسم قريته "كفر عانا" التي نشأ بها في هويته الشخصية، ويرفض إزالته تحت أي ظرف، فأمل العودة قائم لم يتزحزح من باله ووجدانه.

ولإثبات هذا الحق قصد الحاج إبراهيم مسيرة العودة، ويقول للجزيرة نت إن في جعبته رسالة للاحتلال الذي طرده من أرضه بقوة السلاح وللعالم "الظالم"؛ أن حقهم بالرجوع إلى موطنهم لا يسقط بالتقادم، وأن إسرائيل زائلة لا محالة، ورسالة أخرى ترفض "التآمر" على الشعب الفلسطيني وقضيته سواء فيما يجري ضد غزة أو بنقل السفارة الأميركية إلى القدس باعتبارها عاصمة لدولة الاحتلال.

مشهد المؤامرة عاشه الحاج إبراهيم منذ النكبة، يستذكر ذلك في أول مظاهرة شارك فيها "حافي القدمين" مع مجموعة من أصدقائه اللاجئين الذين تجمهروا وسط نابلس ضد قرار تقسيم فلسطين "الذي تم بمؤامرة من العرب والغرب".

قطار العودة وعلى متنه لاجئون ومتظاهرون وحمل أسماء المدن المهجرة (الجزيرة)
قطار العودة وعلى متنه لاجئون ومتظاهرون وحمل أسماء المدن المهجرة (الجزيرة)

تشابه المؤامرة
يؤكد الحاج إبراهيم أن خيوط المؤامرة تتشابك اليوم مجددا لتجرد الفلسطيني من عاصمته ومقدساته كما جردته من أرضه، واصفا نقل السفارة الأميركية بأنه "ضربة ثانية" تشبه نظيرتها الأولى عام 1948، وتعني سرقة حقوق الفلسطينيين لصالح اليهود.

ذات التفاصيل من المعاناة عاشها السبعيني علي بسيوني الذي كان أحد المشاركين في مسيرة العودة، فهو مثل صديقه الحاج إبراهيم لم يترك مسيرة أو فعالية تمر دون المشاركة فيها، حاملا "مفتاح العودة" الذي أسدله فوق صدره.

يحمل بسيوني مفتاح منزله ويرتدي زي أهالي بلدته يازور -قرب يافا بالداخل الفلسطيني المحتل عام 1948- ويشارك في كل فعالية تؤكد حق عودته، ويقول إنه يرفض "مؤامرة الأميركيين" على شعبه ونقل سفارتهم إلى القدس.

وعند الساعة الثانية عشرة من ظهر الثلاثاء، جاب عشرات المتظاهرين شوارع نابلس لمدة سبعين دقيقة هي عدد سنوات النكبة على متن "قطار العودة"، وهو قطار تقليدي يشبه "قطار الحجاز" الذي أنشأه العثمانيون وكان يمر بفلسطين التاريخية، حيث اعتلوا مقطوراته الأربع التي اتشحت بالسواد وبشعارات النكبة وأسماء المدن الفلسطينية التي هُجّر اللاجئون منها، كما أطلقت صافرات الإنذار وعمّ الصمت بين المشاركين لمدة سبعين ثانية أيضا.

‪الحاج إبراهيم يروي حكاية نكبته خلال مسيرة العودة عند دوار الشهداء وسط نابلس‬ (الجزيرة)
‪الحاج إبراهيم يروي حكاية نكبته خلال مسيرة العودة عند دوار الشهداء وسط نابلس‬ (الجزيرة)

أيام غضب
وتزامنت "مسيرة العودة" مع نقل السفارة الأميركية إلى القدس والمجزرة الإسرائيلية التي ارتكبها الاحتلال وما زال في حق الفلسطينيين بقطاع غزة، وهو ما جعل اللجنة الوطنية -الجهة المنظمة لفعاليات النكبة- تلغي فعاليات النكبة المقررة وتحوّلها إلى "أيام غضب" وفق قول رئيسها عماد اشتيوي للجزيرة نت.

وأضاف اشتيوي أن المظاهرات ستتوجه إلى نقاط التماس مع الاحتلال تأكيدا على حق العودة والتمسك به، ورفضا لجرائم الاحتلال في غزة ولنقل السفارة الأميركية إلى القدس.

يذكر أن مسيرات ومظاهرات عدة انطلقت في مختلف مدن الضفة الغربية إحياء للنكبة، واشتبك الفلسطينيون وجنود الاحتلال في مناطق التماس خاصة الحواجز العسكرية، وأصيب العشرات منهم بجروح مختلفة واختناق بالغاز المدمع.

المصدر : الجزيرة