هل يتآمر فيسبوك على القدس والفلسطينيين؟
أحمد حموش
"آسفون، حدث خلل ما أثناء تنفيذ الأمر، ونحن نعمل حاليا على إصلاحه في أقرب وقت ممكن".. هذه هي الرسالة التي توصل بها عدد كبير من مستخدمي فيسبوك مساء أمس الاثنين عند محاولتهم التعبير عن تضامنهم مع القدس المحتلة وضحايا مجزرة غزة التي أوقعت 63 شهيدا وأكثر من 2700 جريح، وذلك عبر الضغط على رابط يُظهر اسم المستخدم مع شعار التضامن مع الضحايا تلقائيا على صفحة المستخدِم.
كما فوجئ مستخدمون آخرون نشروا صورة معدّلة لإيفانكا ابنة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وهي تفتتح سفارة بلادها في القدس المحتلة بحيث تشير إلى أحد ضحايا المجزرة عوض شعار السفارة، برسائل من فيسبوك تخبر بإخفاء تلك الصورة ومثيلاتها بدعوى أنها تتضمن مشاهد عنف.
واقعتان ضمن وقائع كثيرة اعتبرها كثيرون مؤشرات جديدة تشير إلى أن موقع التواصل الشهير منحاز إلى السياسة الإسرائيلية، ولا يتعامل مع قضايا العالم بشكل عادل، خاصة في كل ما يرتبط بفلسطين.
لكن الشركة من جانبها تحرص على التوضيح أن قواعد النشر لديها لم تتغير ولا تحابي أحدا، وأنها لا تحذف إلا ما دخل تحت بند "خطاب الكراهية، أو انتهاك حقوق الملكية، أو الأنشطة الجنسية".
بل وأكد مسؤولو فيسبوك -وفي مقدمتهم مارك زوكربيرغ نفسه- أواخر مارس/آذار الماضي أن كشفهم مؤخرا لمعايير حذف المحتوى لديهم للرأي العام جاء للتأكيد على نزاهة وشفافية عمل المؤسسة.
وذهب زوكربيرغ أبعد من ذلك بالتأكيد أن "من حق الناس أن تعرف أي نوع من المحتوى سنزيله، وأي محتوى مثير للجدل سنبقي عليه ولماذا؟".
سراب
تصريحات وتعهدات يراها كثيرون مجرد سراب يحسبه الظمآن ماء، ويرصدون حالات كثيرة لعب فيها فسبوك دور شرطي يخدم مصالح السياسات الإسرائيلية.
فإلى جانب حذف بعض من مظاهر التضامن مع القدس وضحايا مجزرة غزة أمس الاثنين، سبق لإدارة فيسبوك أن حذفت أكثر من مئة صفحة لنشطاء فلسطينيين خلال الشهرين الأولين من العام الجاري، وقبلها بشهور قليلة أغلقت أكثر من مئتي صفحة فلسطينية بدعوى "تحريضها" ضد إسرائيل.
وعقب استشهاد أحمد جرار يوم 6 فبراير/شباط 2018، بادر فيسبوك بحذف صفحات فلسطينية يتابعها الآلاف مثل صفحة "النورس" الإخبارية، و"يوميات الخليل" ومجلة "إشراقات"، إلى جانب إغلاق صفحات "فلسطين27″ المتخصصة في نشر الأرشيف الفلسطيني وعمليات المقاومة، و"عشيرة آل جرار"، و"خانيونس الآن".
كما أغلق فيسبوك وقتها الصفحة الرسمية لوكالة الصحافة الفلسطينية "صفا" التي كان يتابعها أزيد من 1.3 مليون شخص.
وقبل ذلك أُغلقت صفحات "مش هيك" الساخرة، وصفحة مخيم شعفاط، وصفحة الأسير حسن سلامة التي يتابعها الآلاف، وكذلك صفحة خطيبته "غفران".
وسبق لفيسبوك أن أغلق الحساب الرسمي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) عام 2015، وصفحة حسابات قيادات في المقاومة الفلسطينية، بينهم عزت الرشق.
وبخصوص ما حدث أمس الاثنين، تساءل كثير من المستخدمين عن سبب عدم تفعيل فيسبوك خاصية السؤال عن وضع الفلسطينيين عقب مجزرة غزة والاعتداءات الإسرائيلية، كما اعتاد أن يفعل في كل الوقائع والهجمات في مختلف مناطق العالم، وتحدّوه أن يبادر إلى ذلك.
كر وفر
ويحرص الناشطون على بذل كل الجهود لاسترجاع صفحاتهم أو إعادة فتح حسابات جديدة، ويتهمون مؤسسة فيسبوك بالخضوع لإملاءات الاحتلال الإسرائيلي الذي يحرص على التأكيد علنا أنه يتواصل مع فيسبوك لحذف تلك الصفحات.
وكان الكنيست الإسرائيلي قد صادق في يناير/كانون الثاني 2017 على "قانون فيسبوك" الذي يسمح للمحاكم الإسرائيلية بإصدار قرار يطالب بحذف كل المواد التي تعتبر "تحريضية".
ومن ضمن "التحريض" بحسب المفاهيم الإسرائيلية، نشر اسم الشهيد يحيى عياش مثلا في أي مادة، فتتواصل الجهات المسؤولة مع فيسبوك لحذف المادة التي ضمت اسم القائد الحمساوي البارز.
لكن الآية تنقلب عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين، وقد أوضح مؤشر العنصرية والتحريض لعام 2017، الذي أعدّته "حملة المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي"، أن هناك منشورا واحدا ضد الفلسطينيين ينشر كل 71 ثانية، في حين تم توجيه 445 ألف دعوة لممارسة عنف ضدهم، وشتمهم وقذفهم بألفاظ عنصرية.
ولم يعلن عن اتخاذ فيسبوك أي إجراء ضد تلك الخطابات رغم مخالفتها الصريحة للسياسات المعلنة لمؤسسة التواصل الكبرى، بل تقتصر تحركاته ضد الفلسطينيين فقط، ويبادر بحذف الصفحات الفلسطينية والحسابات التي تناهض الاحتلال الإسرائيلي، بدعوى مخالفتها لقواعد النشر بالموقع.
المواجهة؟
وفي مواجهة مثل هذه الممارسات، لم يجد ناشطو الفيسبوك حلا غير الاحتجاج على المؤسسة الشهيرة وإطلاق حملة إلكترونية ضد سياساتها المنحازة، كما حدث يوم 21 فبراير/شباط 2018 تحت وسم #FBfightsPalestine تنديدا بملاحقة الفضاء الأزرق للمحتوى الفلسطيني.
بل وحذروا من أنهم سيلجؤون إلى ملاحقة فيسبوك قانونيا وحقوقيا، وإن كانت احتمالات كسب الدعوى شبه منعدمة، لأن فيسبوك يفرض على المستخدمين ابتداء وقبل فتح صفحة؛ الموافقة على شروط النشر.
وتأتي هذه الاتهامات في وقت يعيش فيه فيسبوك أحد أحرج أوقاته بعد تسريب فضيحة بيانات نحو 87 مليون مستخدم استخدمتها شركة كامبريدج أناليتيكا لدعم فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. وقد تطورت الأوضاع لدرجة استدعاء زوكربيرغ للاستماع إليه في الكونغرس، بينما أغلقت شركة كامبريدج أناليتيكا أبوابها إثر شروع وحدة البيانات التابعة لمفوضية المعلومات البريطانية في تفتيش مقر الشركة بالعاصمة لندن.
لقد وعد فيسبوك مستخدميه بإصلاح "الخلل" الذي واجهته بعض منشوراتهم المؤيدة للقدس ولضحايا مجزرة غزة أمس الاثنين في أقرب وقت ممكن، لكن يبدو من خلال المؤشرات الموجودة أنهم سينتظرون طويلا، وربما إلى أجل غير مسمى.