"معجزات" الرئيس المغرد.. عائلة ترامب تفتح أبواب السفارة

A woman walks next to a road sign directing to the U.S. embassy, in the area of the U.S. consulate in Jerusalem, May 11, 2018. REUTERS/Ammar Awad
ارتفعت اللافتات والأعلام الأميركية والإسرائيلية في شوارع القدس تحضيرا لاحتفالية نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس (رويترز)

أمين محمد حبلا-الجزيرة نت

وأخيرا.. وفت الولايات المتحدة بوعدها لإسرائيل، وأنجزت وعيدها للعرب والفلسطينيين بنقل سفارتها إلى مدينة القدس، وأرسل ترامب وفدا كبيرا للإشراف على هذا الحدث المثير، المثقل بالرسائل والدلالات الرمزية والسياسية.
 
بعد عقود سبعة من الانتظار والتوجس والوعود المؤجلة، يحتفل الإسرائيليون بنقل السفارة الأميركية إلى مقرها الجديد في القدس على مقربة من حي جبل المكبر في الجنوب الشرقي من مدينة القدس المحتلة.
 
نقل سفارة واشنطن إلى القدس يتوج أسبوعا وصفه الكثيرون في إسرائيل وخصوصا من المتدينين بأنه مكتظ بالمعجزات الربانية التي حبا بها الله اليهود، بدأت بالخروج الأميركي من الاتفاق النووي والضربات الإسرائيلية لسوريا، وبلغت ذروتها مع الاحتفالات بنقل السفارة إلى القدس.

دلالات الزمان
وعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أثناء حملته الانتخابية بنقل سفارة بلاده إلى القدس، ولم يتلكأ في تنفيذ هذا الوعد بعد انتخابه كغيره من الرؤساء الأميركيين السابقين، بل أبدا إصرارا وعزما على نقل السفارة مهما كانت النتائج المترتبة على هذا القرار الذي لقي رفضا واستنكارا واسعا ليس فقط على مستوى العالم العربي والإسلامي بل أيضا على المستوى الدولي.

وكان لافتا أن ترامب اختار لتنفيذ هذا الوعد تاريخا متشحا بالسواد ومشحونا بالذكريات الأليمة والمرارات في فلسطين وفي العالم العربي والإسلامي، يتعلق الأمر بذكرى النكبة التي اقتلعت الفلسطينيين من عشرين مدينة ونحو أربعمئة قرية غدت أملاكها ومزارعها جزءا من دولة الاحتلال.

لا يمثل اختيار ذكرى النكبة لنقل سفارة واشنطن إلى القدس انحيازا أميركيا فقط إلى إسرائيل باعتباره أن التاريخ ذاته يمثل ذكرى قيامها ونشأتها كدولة تجمعت من شتات وبقاع متطايرة في أرجاء العالم، بل يمثل أيضا "رقصا" على جراحات الفلسطينيين الذين فقدوا على طول سبعة عقود نحو عشرة آلاف فلسطيني في سلسلة مجازر وعمليات قتل ما زال معظمها مجهولا، في حين أصيب ثلاثة أضعاف هذا الرقم بجروح.

ومثلما كان من أسباب النكبة وضياع فلسطين الضعف العربي العام وارتباط عدد من الأنظمة العربية القائمة ببريطانيا وتبعيتها لها في السر، فإن من أسباب ما يصفه العديدون بالنكبة الجديدة الحالة العربية العامة التي لا تقارن في تراجعها وضعفها بالحالة السابقة، فقادة اليوم لا يدينون بالولاء للطرف الغربي فقط، بل يتبارون أيضا في محاولة كسب ود إسرائيل ويغدقون عليها هدايا الكلام المعسول الذي لم تحلم به من قبل.

وتأتي هذه الخطة، بحسب العديد من المراقبين، وفق استحقاقات ما يسمى بصفقة القرن التي تقدم القدس بأرضها وتاريخها ومقدساتها ورمزيتها لإسرائيل عاصمة أبدية موحدة، ولكنها لا تبخل كثيرا على الفلسطينيين فتمنحهم أبو ديس عاصمة بديلة للقدس.

ومن المعلوم -وفق ما تسرب من أنباء- أن دولا عربية في مقدمتها السعودية تروج لهذه الصفقة وضغطت على الفلسطينيين للقبول بها، بيد أنهم خيبوا ظنها حتى على مستوى السلطة التي نددت بها ووصفها رئيسها محمود عباس بـ"صفعة القرن".

دلالات المكان
ومثلما كان اختيار توقيت نقل السفارة إلى القدس مشحونا بالدلالات والمؤشرات لتزامنه مع ذكرى النكبة وحالة التلاشي والانهيار الفلسطيني والعربي غير المسبوق، يبدو أيضا أن اختيار المكان الذي يحتضن حاليا مقر القنصلية الأميركية بالقدس لا يقل هو الآخر رمزية ودلالة.

يحاذي مبنى السفارة حي جبل المكبر بالقدس الشرقية المحتلة الذي يشتهر سكانه بمقاومتهم المستمرة للاحتلال الإسرائيلي، وينحدر منه عدد من منفذي الهجمات المسلحة، بمن فيهم منفذ هجوم وقع عام 2015 وأسفر عن مقتل إسرائيليين، ومواطن إسرائيلي يحمل الجنسية الأميركية.

ويحمل هذا الجبل رمزية بالغة في التاريخ الإسلامي، حيث تفيد الروايات التاريخية أن الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كبّر على تلة القرية بعد الفتح الإسلامي للقدس عام 673 ميلادية، وكان ذلك عندما جاء إلى القدس الشريف ليتسلم مفاتيحها من البطريرك صفرونيوس، ومنذ ذلك التاريخ أصبح يسمى جبل المكبر.

ويرى الكاتب يوجين كونتروفيتش في مقال تحليلي نشرته صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية إن السفارة الأميركية الجديدة في القدس تتخذ من بعض المباني التابعة للقنصلية الأميركية الموجودة أصلا في القدس موقعا لها، وذلك بعد إضافة فندق سابق مجاور إليها كانت وزارة الخارجية الأميركية قد اشترته في 2014.

ويضيف أن اختيار الموقع له مغزاه رغم أنه لم يحظ باهتمام كبير، فهذا المجمع يقع على الجانب الآخر من خط الهدنة الذي قسم القدس من 1949 إلى 1967، وهو ما يعني أن موقع السفارة يثبت أن الولايات المتحدة لا تعتبر القدس عاصمة لإسرائيل فحسب، بل تعتبرها أيضا مدينة موحدة عاصمة لإسرائيل، ويعني أيضا رفضا قاطعا لفكرة أنه ليست لإسرائيل مطالبات سيادية عبر الخط الأخضر.

دلالات الحضور والغياب
من أصل 86 سفيرا معتمدا في إسرائيل تلقوا الدعوة لحضور مراسم نقل السفارة الأميركية اليوم من تل أبيب إلى مدينة القدس المحتلة، استجاب ثلاثون سفيرا فقط وأكدوا حضورهم لهذه الاحتفالية، من أبرزهم سفراء المجر والتشيك وبلغاريا.

أما الدول التي رفضت الدعوة فهي مصر وروسيا وألمانيا والنمسا وبولندا والمكسيك ومالطا والبرتغال والسويد، إضافة إلى بعض دول الاتحاد الأوروبي التي تتبنى موقفا صلبا ضد القرار الأميركي.

وإلى جانب سفراء الدول المعتمدين لديها وجهت إسرائيل الدعوة إلى شخصيات بارزة لحضور الحدث وصل عددها ثمنمئة، منها ثلاثمئة شخصية أميركية، تتقدمهم ابنة ترامب إيفانكا مع زوجها جاريد كوشنر وكلاهما مستشاران للرئيس.

وهو ما يعني وفقا لمتابعين أن الحشد الأميركي والإسرائيلي لم يؤت ثماره، فما زالت الغالبية الساحقة من دول العالم ترفض الواقع الجديد الذي يحاول ترامب تحويله إلى حقائق على الأرض.

وكان ترامب قد أعلن في السادس من ديسمبر/كانون الأول 2017 الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس.

ونددت 128 دولة من أصل 193 في الجمعية العامة للأمم المتحدة بالقرار الأميركي، من بينها دول حليفة للولايات المتحدة على غرار فرنسا وبريطانيا، في تصويت أثار غضب واشنطن وتهديدا بالرد من قبل سفيرتها لدى الأمم المتحدة نكي هايلي.

وبينما تتعانق الأعلام الأميركية والإسرائيلية في القدس باعتبارها عاصمة لإسرائيل، تصدح آلاف الحناجر الفلسطينية في مظاهرات احتجاجية شرق قطاع غزة ضمن مسيرات العودة التي بدأت منذ أسابيع وينتظر أن تبلغ ذروتها اليوم وغدا بمناسبة الذكرى السبعين للنكبة.

قمة المكبر اليوم تتعانق مع قمة الجرح النازف على طول سبعين عاما، وبين ضفتي الجرح يعمل ترامب على الوفاء لإسرائيل بنقل السفارة ويعمل بعض قادة العرب على الوفاء بصفقة القرن.

المصدر : الجزيرة + وكالات + الصحافة الأميركية